وادي الذئاب المنسيه ..ارض زيكولا3 للكاتب عمرو عبد الحميد

2

صابتنا الحيرة جميعًا من اختفاء المجنود الغريب، وقررت أنا وبعض الشبان البحث بدقة من جديد في كافة أنحاء القرية لعل هناك شيئًا نكتشفه يخص الهجانة أو الخواجة فايز غير أن بحثنا باء بالفشل، ولم نعثر على أثر واحد لهم، ثم عدنا إلى حيثما بدأنا، فوجدنا الأهالي قد أمسكوا بالجمال وقسموها على أنفسهم، قالوا إنهم وجدوا تسعة وعشرين جملا نقط، أما الجمل المتبقي فادعوا عدم عثورهم عليه. لم يكن لشاب وحيد مثلي نصيبا من تلك الغنيمة بالطبع، وإن لم أهتم بهذا الأمر من الأساس.

خلال اليوم التالي واليوم الذي يليه، كان الحذر الشديد لا يزال يعم القرية إن ظن بعضنا أن ما يحدث اختبار ما لنا، وأن الجنود سيظهرون مرة أخرى في أقرب وقت، لذلك أعلن عمدتنا عن تدوينه أسماء أخذي الجمال، محذرا إياهم من أي ضرر يصيب خلية واحدة منها، وإلا كان السجن مصير مُسببه. أما السبب الآخر لاستمرار الحذر بيننا هو أننا كنا نتوقع قدوم فرقة أخرى من الهجانة لتبحث أمر اختفاء الفرقة الأولى، وعلى أقل تقدير ستستعيد جمالها جملا جملا، وربما تحملنا ثمن الجمل المفقود، لذا لم ين غريبا أن تبقى اشتباكات القرية خامدة وإن لم يكن ثمة جندي واحد بيننا، حتى الأحاديث والنقاشات التي ظلت مشتعلة لأيام حول أمر الحريق تحولت جميعها إلى ما حدث لأولئك الجنود.

مع اليوم العاشر من الحذر والترقب لم يحدث أي جديد، ولم يأت إلى بلدتنا أي فرقة أخرى أو حتى شرطي واحد يبحث أمر اختفاء الهجانة. ومع
قام بذبح جمله لمن يريد أن يشتري لحما ظهر القلق على . صباح اليوم الخامس عشر أعلن رجل من أخذي الجمال يدعى «منصوره ان وجوه في البداية، لكن مع منتصف النهار كانت الذبيحة قد . الجميع بيعت بالكامل وفي الأيام القليلة التالية قام الآخرون بذبح جمالهم للبيع تباعا، أو بيعها بسوق المواشي القائم بقرية مجاورة، أما سيارة الخواجة فدفعها ثلاثة مزارعين ممن يزرعون أرضه إلى جانب بيت أحدهم، والذي تعهد بحمايتها ونظافتها حتى يعود الخواجة من جديد.

مع اقتراب مرور شهر على تلك الليلة الغامضة، أخبرني من كان ينوي شراء أرضي بصرف نظره عن الأمر مع الخسارة التي تكبدها من حريق محصوله، ونصحني بالبحث عن مشتر آخر زادني الأمر ضيقا لإجباري على الانتظار مزيدا من الأيام، لكن بعد ثلاثة أيام أبلغني رجل ممن باعي جمال الهجانة عن رغبته في شراء أرضي مقابل ثمانية جنيهات، وافقت على الفور، وفي مساء ذلك اليوم ذهبت معه هو ومساح من قرية مجاورة إلى الأرض لقياس مساحتها قبل إتمام البيعة، تحدثنا ونحن في الطريق إليها عن مرور شهر بالتمام والكمال على اختفاء الجنود وعدم حدوث أي رد فعل من الشرطة أو الحكومة وكأن شيئًا لم يحدث ، قال المساح إنه يؤمن بأن الحكومة ستأتي إلى القرية عاجلا أم آجلا، وقد اتفقنا معه في ذلك الأمر، ثم غيرنا مسار حديثنا إلى سفري المُنتظر إلى القاهرة حتى وصلنا إلى الأرض، وهناك بدأ المساح في أخذ قياساته ومعه المشتري، فتركتهما وجلست أنتظرهما عند ضفة الترعة الشرقية، وأخذت أنظر بعيدا نحو مبنى الطاحونة لريما تكون المرة الأخيرة التي أراه فيها، ثم شعرت برغبتي في التبول فيما كانت . امرأتان تزرعان أرضًا بجواري، فصرتُ نحو الطاحونة كي أقضي حاجتي وراء جدارها بعيدا عن أعين النساء ليلفت نظري بينما كنت أتبول أثر حذاء مطبوع بوضوح على الأرض على بعد أقدام من الطاحونة، كأن صاحبه غرس في ذلك الموضع استغربت لوهلة ، ثم صرفت اهتمامي عنه، وأكملت نظري إلى مائي المتدفق نحو جدار الطاحونة لكني عدت ببصري مرة أخرى نحو ذلك الأثر، واقتربت منه بعدما دار في رأسي أن أغلب المزارعين يجوبون هذا الحقل حفاة الأقدام، وأن نقشة ذلك الأثر الواضحة التي تشبه ثلاثة شموس متجاورة بأشعتها يحيطها إطار مكتمل ليست إلا لحذاء غال لا أعتقد أن أحدنا يستطيع شراءه.