الفصل الأول

339 62 62
                                    

•  رحلة مجهولة  •

__ديم__
 

تحت أشعة الشمس وفوق سطح البحر كانت سفينة " عين الحوت " تبحر بقيادة قبطان و عشرة بحارة و مرشد و طاهٍ و.......وأنا لا أعرف ماذا يسمون  دوري في هذا الطاقم بضبط فأنا أمسح سطح السفينة  وأجهز الشِباك و أجمع معهم السمك في الصناديق و أغسل ملابس البحارة إن رست السفينة عند أحد المواني و أنفذ طلباتهم أيا كانت  ، خادم ربما لا أعلم و للحق لا أريد أن أعلم فكل مايهمني أن أكون في عرض البحر وسط البحارة  ومع الوقت سأكتسب الخبرة وحينها أنا من سيختار دوره و سأكون قبطان كأبي  فأبي كان قبطان معروف كما تقول أمي ...نعم فأنا لم أره في حياتي كل ما أعرفه عنه حكايات كانت ترويها لي أمي  قالت أنه كان قبطان معروف و له صيت في عالم البحارة وقد إلتقت به في الحانة التي تعمل بها و أحبها ثم تزوجا بعد مدة و بعد سنة من زواجهم ودعها  ليذهب في رحلة و بعد شهر من غيابه إكتشفت أنها حبلى بي إنتظرته بعدها كثيرا لكن لم يأتي مرت سنين و كبرت أنا وحين كان عمري سِتُ سنين أتى رجل كبير في السن لبيتنا فرحبت به أمي بلهفة ثم جلس يتحدث معاها طويلا لم أكن أعي وقتها عن ماذا يتحدثان لصغر سني لكن كنت ألاحظ تعابير أمي التي تتحول للحزن تدريجيا كلما تحدث الرجل و بعد ساعة إستأذن  ورحل  إقتربت من أمي فوجدت الدموع تنهمر من مقلتيها بشدة ثم نظرت إليّ و قالت :
" توفيّ والدك يا ديم "
وللصراحة لم أتأثر كثيرا فأنا لم أعرفه يوما حزنت نعم لكن لم يتعدى حزني خبر وفات أحدهم ، بينما هي إنهارت كليا   
منذ ذلك الحين أصبحت أمي ضعيفة شاحبة بلا روح أكثر وقتها  ومع تقدم عمرها تقدم ذلك الضعف ولم تعد تستطع العمل لذلك أصبحت أنا أعمل مكانها في الحانة  أقدم الشراب للقباطنة و القراصنة و كل مرتادي الحانة وكنت كلما أتى قبطان أقدم له الشراب و أختلس السمع لحديثه هو و طاقمه عن رحلاتهم و إنجازاتهم وفي قلبي حلم يكبر كل ما إستمعت للمزيد من أحاديث البحارة .
حتى أتى ذلك اليوم الذي جاء فيه السيد براز للحانة صحبت طاقمه فمارست هوايتي أحضرت الشراب ثم بدأت أُنصت لكن السيد لاحظ إهتمامي و تغير ملامحي مع كل منعطف يأخذه حديثهم فنادى عليّ و طلب مني الإقتراب ثم سألني :
" هل يهمك حديثنا يا فتى ؟ "

أجبته بخوف :
" آسف سأذهب في الحال "

قال قبل أن أذهب :
" أعتبره إذا تجاهلا لسؤالي  "

قلت :
" لا ، لاسيدي "

قال :
" أجب إذن "

قلت و أنا أنظر أرضا :
" نعم يهمني "

قال :
" لماذا ؟ "

قلت :
" أريد أن أصبح بحاراً "

حينها ضحك ثم ربت على كتفي وطلب مني أن أجهز نفسي لأذهب معهم صباحا فقد أصبحت من الطاقم ، يومها وصلت فرحتي عنان السماء و ذهبت لأمي لأخبرها و بعد جدال طويل وافقت أن أذهب على مضض  .
أبحرت معهم في الصباح و استلمت مهامي و بدأت أعمل بفرحة عارمة . أمضيت ثلاث سنوات مع طاقم سفينة " عين الحوت  " وكان السيد براز يعاملني كإبنه وقد علمت في ما بعد أنه قبل بضمي لطاقمه لأنني ذكرته بإبنه المتوفى .
كنت أمر على أمي كلما رست السفينة على مناء " برنام " حيث كنا نقيم لأطمئن عليها و أعطيها بعض المال .
وها أنا أبحر معهم  في رحلة جديدة من رحلاتهم لكن هذه الرحلة تبدو مختلفة فقد زاد سيدي عدد البحارة حتى أصبحوا عشرة بعد ماكانوا أربعة فقط وهذا ليس من عادته فقد كانت تأتيه عروض من بحارة كُثُرْ لكن لم يزد على " ديس " ، " خالين " ، " شرال " و " صيمان " فقد كانوا أول بحارة شاركوه مسيرته . كما أننا لسنا في رحلة توصيل أو صيد و قد أحضر قوارب صغيرة و مايكفي من الطعام و الماء لشهور   ...لم أكن أستطيع الإستفسار عن الأمر فقد حذرني خالين من التدخل في الشؤون الكبيرة كهذه كل ماعليّ هو الإهتمام بعملي لكن مع ذلك سألت أحد البحارة الجدد عن غرض الرحلة وجوابه لم يكن شافيا لفضولي فقد قال أنه لا يعلم ولا يهتم فقد عرض عليه السيد مبلغا كبيرا لمرافقته ، فهمت حينها أن الأمر كبير وكبير جدا .
لم يكن بإمكاني إلا مواصلة مسح السفينة كل يوم  ومحاولة فهم أي شيئ عن الأمر من أحاديث البحارة الجانبية توالت الأيام ولم يطرئ  جديد . إبحار دائم  تتخلله وقفات قليلة  إن سكنت الرياح ، الإجتماع الليلي وقت الطعام و مواصلت العمل صباحا 
حتى صاح المرشد صباح اليوم قائلا :
" أرى اليابسة "
إبتهجت أسارير الجميع وخاصة القبطان الذي قال :
" أين ، كم تبعد ؟ "
أجابه المرشد الذي يتمركز فوق قمة الصاري :
" على بعد يومان بعد إجتياز الهضبة جنوباً "
أشار القبطان لديس فقام بشد الأشرعة ليغير مسار السفينة جنوبا ثم بدأ هو بتحريك دفة القيادة .
وبعد أن إجتزنا تلك الهضبة الكبيرة عاد الكل لمكانه وبقي المرشد على قمة الصاري ينظر من منظاره وأنا أنظر إليه حتى سمعت صوت خالين يناديني فذهبت إليه .
مع حلول الليل بدأت الأمواج تهوج و الرياح تقوى كأن الجو تحول فجأة  وبعد مدة قصيرة أصبحت الأمواج تتقاذف السفينة وبدأ توازننا يختل لم نعد نتحكم في أنفسنا صاح القبطان في المرشد ليهبط من الصاري  ففعل ثم أمرنا أن نتشبث جيدا و بدء يدير دفة القيادة  يمينا و شمالا في صراع مع الأمواج الغاضبة ونحن ننظر إليه بترقب وبعد ساعات بدأت الأجواء تهدأ وتمكن القبطان من تثبيت السفينة على السير جنوبا  أمضينا تلك الليلة في إعادة ماخرج من غرف المخزن أثناء هيجان البحر وترتيب السطح وبطبع نصف العمل كان لي.
دخلت للغرفة الصغيرة التي أنام فيها صحبت الطاهي بعد إنتهائي من العمل منهك الجسد ثم غصت في نوم عميق .
في اليوم التالي كانت الأجواء هادئة و الرياح معتدلة وبدأنا نقترب من الجزيرة لكن مع حلول الليل تقلبت الأجواء و أصبحت الأمواج هائجة أكثر من الليلة الماضية و الرياح أقوى ظل القبطان يحاول السيطرة على السفينة و الإبحار قدما حتى بعد تحطم أحد أشرعتها وكما حدث في الليلة الماضية هدأت الأجواء وكأن شيئا لم يحصل وبدأنا نحن تنظيف الفوضى التي خلفتها .
في اليوم التالي لم أستيقظ إلى في منتصف النهار من التعب ولم يوقظني أحد إمتثالا لأوامر القبطان ....بدأت أساعد البحارة في جمع الأسماك التي صادها صيمان وأحد البحارة الجدد ثم ساعدت مورش ( الطاهي ) في إعدادها للأكل  وقبل غروب الشمس بقليل لاحظت تجمع البحارة عند حافة السفينة ينظرون لشيئ فقترب لأرى لماذا ينظرون فوجدت أن معالم الجزيرة قد بدأت تتضح شيئا فشيئ .
نظرت للقبطان براز بفرحة فأخيرا ستلمس قدماي التراب بعد أشهر من البعد ، صاح ديس في البحارة ليشدوا الأشرعة حتى نصل قبل الغروب لكن أوقفه القبطان قائلا :

من قتلني؟ ( الجزيرة المنسية ) Where stories live. Discover now