وداع

657 70 224
                                    

أشعة الشمس تلك التي ملأت غرفتي بحرارتها المزعجة أجبرتني على الإستيقاظ مؤدية عمل منبهي الذي استغنيت عنه منذ أيام أجهل صراحة عددها أو كيف مرت ! ..

لم أعد أذهب إلى العمل ولا...هذا ليس بسبب ذلك الحادث فقد مضى وقت لا أذكر تحديدًا مدته ولكنه كان كافيًا لعلاج أجسادنا وإدماء روحنا...

تتسائلون عن سبب تغيبي إذًا...من الأفضل ألا تعرفوا فأنا منذ ذلك الحين فقدت الرغبة في أي شيء وكل شيء...مازلت أشعر برجفة يدي كلما تذكرت إمساكي لذلك التقرير الذي ناولني علي إياه...

أتذكر جيدا أنني قرأته مرات عديدة محاولًا تكذيب ما تراه عيناي...لعل الحروف تغير ترتيبها وتشفق على دموعي التي تجمعت فتنفي تلك النتيجة...ولكنها للأسف لم تفعل أو ترأف بي أو به ..

يد علي على كتفي ...مواساته لي...ابتسامته الواهنة وتأكيده بأن كل شيء سيكون على ما يرام..
ابتسامتي أنا الساخرة..أخبرته بالفعل أنني أشعر بهذا وهو لم يصدق...هو مثل أمي...حتى في هذا !

فركت شعري ناهضًا من على السرير بخطوات ثقيلة...
رائحة الطعام كالعادة تنبعث من المطبخ فيونس لم يكن ضعيفًا مثيرًا للشفقة هكذا مثلي...بدلًا من أعتني أنا بهم هو يقوم بكل شيء بينما أتذمر أنا وأصرخ على أتفه الأمور...

صدقًا أصبحت لا أُحتمل...ربما صرت عصبيًا جدًا تلك الآونة ..وتارة أخرى أكون فاترًا فاقدًا للشعور بما حولي...وهذا يغلب عليَّ أكثر..كمحاولة فاشلة مني للتماسك دون جدوى..

أخذت حمامًا دافئًا ولم أشعر كما كنت بالراحة...هو فقط روتين أحرص على أدائه كآلة تنفذ فقط ما بُرمجت عليه دون أن تشعر بأدنى شيء ...

تنهدت بقوة قبل أن أخرج إلى حيث بدأ يونس بوضع الإطباق ...طالعني بهدوء عند دخولي ولم يبتسم..
ليس هذا غريبا فقد أصبح هكذا منذ علم...ومنذ تشاجرت أنا معه بشدة ...

" صباح الخير " ألقيتها بابتسامة باهتة ليبادلني وهو يشيح بوجه " صباح الخير لك أيضًا...لن توقظ عمر؟"

سألني رغم أنه يعلم إجابتي لذا اكتفيت بالنفي وسحبت الكرسي جالساً أمامه...هو صنع الكثير بالفعل وأدرك مجهوده هذا ومحاولته تخطي ما يحدث ولكن الطعام كله أصبح سيان...له ذات الطعم ونفس الرائحة ...

جلسنا نتناول في صمت تام إلا من نظرات يونس التي تنقل الكثير والكثير...أصبح شاحبًا رغم أنه لا يذهب إلى العمل أيضًا ومن حسن الحظ حقًا أن صاحب المكتبة ذاك طرده وإلا ما وجدنا حجة مقنعة أمام عمر لبقائه هكذا...

نهضت بعد قليل لينهض هو أيضًا وطبقه لم ينتهي بعد...ربما أصبحنا نشارك عمر في شحوبه وشهيته المنعدمة تلك...ربما هذا يفسر أيضًا نظرات عمر المتسائلة لنا ..

مر وقت يخيم الصمت علينا فيه....يونس يعبث بهاتفه وانا أقرأ أحد الكتب وسأكون كاذبًا إذا أدعيت أن أحد أحرفه وصل ألى عقلي...فقط هو يجعل الوقت يمضي بشكل أسرع ...ويشغل عقلي عن التفكير أكثر...

ما وراء عينيه حيث تعيش القصص. اكتشف الآن