I

476 13 6
                                    

- هلْ كانَ الرعدُ دومًا مرعبًا؟ هلْ كانَ الجوُّ الممطرُ دومًا مقلقًا؟ لقدْ كنتُ أحبُّ الرَّقصَ تحتَ المطرِ لمَّا كنتُ صغيرًا وَ لطالمَا هدأتُ لصوتِ الرعبِ وَ أغرمتُ بلمعانِ البرقِ وَ منظرِ الصواعقِ وَ هيَ تقسمُ السماءَ الحالكةَ أقسامًا تهدِّد بالسقوطِ.

-مهمَا أصرَّ الكثير أنَّ هذهِ الطبيعةِ الصاخبةَ في عتمةِ الليلِ، بردًا حلَّ أمْ صيفًا حارقًا كانَ، مرتبطةٌ إرتباطًا ضروريًّا وَ وثيقًا بكلِّ ما هوَ مرعبٌ وَ حلولِ أيِّ شريرٍ فأنَا فقط لاَ أستطيعُ التصديقَ.
كيفَ أصدِّقُ شيئًا أسمعُ عنهُ في قصصِ الجدَّاتِ وَ الأساطيرِ القديمةِ.

فرغَ جيمين منَ الكتابةِ في دفترِهِ الخاصِّ، خاطرةً أخرَى وَ رفعَ رأسهُ ينظرُ للسماءِ ظلماءًا تذرفُ الدموعَ الرطبةَ وَ القاسيةَ وَ تزمجرُ بينَ الفينةِ وَ الأخرَى، تطهرُّ العالمَ أسفلهَا منْ فسادِ البشرِ وَ قسوتهمْ، تعيدُ الحياةَ وَ تغسلُ القلوبَ.
هكذَا كانَ ليصفهَا جيمين منذُ وقتٍ قريبٍ، وَ هكذَا وصفهَا خاطًّا بالحبرِ الأسودِ أسطرًا تتلُو صراعًا يخوضهُ مع نفسهِ، تبريرًا، كذبةً أوْ ربَّما هيَ مواساةٌ لنفسهِ، لقلبهِ الذِي يكادُ يبارحُ صدرهُ بينمَا ظهرهُ يواجهُ الكيانَ في الغرفةَ، الدميةُ المعاقبةُ في ركنٍ منَ الغرفةِ.

وجودهَا فِي الجوارِ ليسَ الأمرَ الجديد، فقدْ كانتِ تلكَ الحالُ منذُ أنْ كانَ يعقلُ وَ أخبرهُ والداهُ أنَّها لازمتهُ منذُ كانَ في الثالثةِ منْ عمرهِ.

دميةُ العقابِ، كانتِ هديَّةً منْ جدِّهِ، إشتراهَا فِي مزادٍ محليٍّ أقيمَ فِي لندن، مدينة الضباب، كانتِ دميَةً خزفيَّةً، وجههَا ذو ملامحٍ غير دقيقةٍ محشور بينَ يديهَا المعقودتينِ، مصممة للوقوفِ بمواجهةِ الحائطِ مستوحاةٌ منْ العقابِ التقليديِّ للأطفالِ.

ليستِ مصنوعةٍ بغرضِ اللعبِ وَ إنمَا التزيينِ وَ تجذبُ خاصَّةً أولئكَ أصحابِ الأذواقِ الغريبةِ، محبِّي الإثارةِ وَ القلقِ.
جيمين لمْ يكنْ منزعجًا منهَا، بلْ علَى العكسَ لقدْ إستمتعَ بوجودهَا فكانتِ تضفِي رونقًا خاصًّا على غرفتهِ، طابعًا فريدًا.
لابدَّ أنَّ هذهِ الرؤيةَ الفريدَة شيءٌ وراثيٌّ في عائلتهِ.

الدمَى الغريبة وَ حتَّى العاديَّةُ تملأُ المنزلَ، أختامٌ وَ طلاسمٌ غير مفهومة المعنَى و المغزَى محفوظة في غرفَةٍ خاصَّةٍ، الترتيلات وَ التزنيمات بشتَّى اللغاتِ تملأُ البيتَ وَ كأنَّه في معبدٍ.

لكنَّه كبرَ في مثلِ تلكَ الأجواءِ فلمْ يكنْ ضربًا منْ ضروبِ الجنونِ بالنسبةِ إليهِ.
خيِّلَ إليهِ أحيانًا أنَّ تلكَ الدمَى تتحرَّكُ وَ أنَّ شيئًا ما ربَّما يراقبهُ غيرَ أنَّ العرقَ لمْ يبلِّلهُ وَ الخوفَ لمْ يتملَّكهُ فكانتِ لهُ مجرَّد خيالاتٍ منْ كثرةِ الأفلامِ التِي شاهدها و القصص المظلمة التي رويتِ علَى مسامعهِ.

لمْ تكنْ تلكَ الحالُ هذهِ المرَّة، لمْ تعدْ تلكَ الحالُ منذُ بلغَ السابعةَ عشرة منْ عمرهِ، قبلَ أربعةِ أشهرٍ.
الأمرُ لاَ يحدثُ معَ كلِّ الدمَى لكنْ خاصَّة تلكَ المعاقبة.

باتَ وجودهَا في ركنِ غرفتهِ وَ أولَّ ما تلتقطه عيناهُ لمَّا يفيق، ينهض، يدخل، يخرج، يقفُ أو يجلسُ، شيئًا مقلقًا.
حينمَا يلجُ غرفتهُ، يشعرُ بوجودٍ ثقيلٍ حتَّى أنَّ أنفاسهُ تعلقُ في رئتيهِ، تأبَى الخروجِ خشيةَ خطفهَا. 

عندمَا يجلسُ علَى سريرهِ حيثُ يمكنهُ رؤيتهَا، عيناهُ تخرجانِ عنْ سيطرتهِ وَ تلتصقانِ بهَا كأنَّها ألقتِ سحرًا ما عليهِ.
ثمَّ حينمَا يحينُ وقتُ كتابةِ ما يخطرُ علَى بالهِ، يجلسُ إلَى مكتبهِ وَ ظهرهُ، منَ المفترضِ، أنْ يواجهَ ظهرهَا، سرعانَ ما يجدُ نفسهُ يرتعشُ، يكتبُ بسرعةٍ وَ بفوضويَّةٍ، مبتلعًا الكثيرَ من الكلماتِ وَ الأفكارِ كأنَّ هناكَ منْ يلاحقهُ بينمَا هوَ بصددِ هدرِ وقتهِ في الكتابةِ.

- هذِهِ المرَّةُ الثالثةُ التِي أمرضُ فِيهَا هذَا الشهر، وَ هذَا يدفعنِي للتفكيرِ هلْ شفيتُ أصلاً منْ علتِّي السابقة؟ نسيتُ متَى كانتِ المرَّة الأخيرة التِي خطيتُ فيهَا خارجَ البيتِ، وَ متَى كنتُ قادرًا علَى تركِ الفراشِ..
لاَ أريدُ أنْ أفكرَّ في الأمرِ، لكنْ..يبدُو لِي أنَّ هذهِ الدميةَ لاَ تريدنِي أنْ أتركهَا وَحدهَا...

هذهِ دمية العقاب/ Time out doll، غيِّرت القليلَ في وصفهَا لغايات قصصيَّة

Oops! This image does not follow our content guidelines. To continue publishing, please remove it or upload a different image.

هذهِ دمية العقاب/ Time out doll، غيِّرت القليلَ في وصفهَا لغايات قصصيَّة.

أرجو أن تشاركوننِي آراءكم حولَ الفصل❤️
دمتم بخيرٍ~

دمية العقابWhere stories live. Discover now