III

109 9 8
                                    

فتحَ جيمين عينيهِ ليجدَ نفسهُ على الأرضِ، تمامًا أينَ وَ كيفَ سقطَ مغشيًّا عليهِ.
تطلَّبَ منه الأمر بضعَ ثوانٍ لتذكرِّ ما حدثَ، قبلَ أنْ ينتفضَ منْ مكانهِ، باحثًا عنْ الدميةِ ليجدهَا في مكانهَا المعتادَ..قبالةَ الحائطِ الموازِي لمكتبهِ، على هيئتهَا الأصليَّةِ وَ لاَ شيءَ يدلُّ على حراكهَا.

هلْ كانَ يحلمُ إذنْ؟ هلْ كانتِ تلكَ مجرَّد هلوساتِ منْ فرطِ الحرارةِ التِي يعانِي منهَا أم أنَّ أفكارهُ إبتلعتهُ لحدِّ عيشِ الحقيقةِ؟
كادَ يصدِّقُ أنَّ ما حدثَ ليسَ سوَى ضربًا منْ ضروبِ الخيالِ، كادَ يكذِّبُ حتَّى قلبهُ الذِي لازالَ يطرقُ أضلاعهُ، يصرخَ أنَّ هناكَ خطرًا فِي الجوار! أنَّهُ ليسَ بمفردهِ في الغرفةِ رغمَ أنَّ العكسَ هو الظاهر.

كادَ يعودُ لفراشهِ وَ يستلقِي كمَا كانَ، لوْ لمْ تقع عيناهُ علَى المرآة الصغيرة الموضوعةِ علَى المكتبِ بجانبِ الفراشِ.
كانَ منَ المنطقيِّ أنْ يتحققَ منْ جسدِهِ لمَّا إستفاقَ، أنْ يكشفَ عليهِ وَ يتأكدَّ أنَّه بخيرٍ وَ حينهَا يمكنُ الجزمُ أنَّ لاَ شيءَ حدثَ ربَّما.
كانَ منَ الغبيِّ تجاهلُ ذلكَ، تجاهلُ الألمِ الشديدِ وَ لومُ نزلةِ البردِ.
فهاهوَ يقفُ بآثارٍ زرقاء وَ بنفسجيةٍ حولَ عنقهِ، كدماتٍ في معصميهِ، جاهلاً أصلهَا.

لمْ يكنْ الأمرُ مجرَّد وهمٍ أو هلوسةَ حمَّى وَ إنَّما ماضيًا لاَ يعلمُ حاضرهُ.
هذَا يعنِي أنَّ هناكَ فعلًا ما يربطهُ بالدميةِ، ما يجعلهُ حبيسًا عندهَا وَ ما يضعُ حياتهُ على المحكِ، لكنْ وحدهُ هذَا الكيانُ المريبُ منْ يعرفُ الحقيقةَ.

كانَ بإمكانهِ سؤالُ الدميةِ وَ محاولةِ الحصولِ على إجاباتٍ، لكنَّه إكتفَى منَ الترهيبِ لهذَا اليوم وَ أصبحَ هدفه الأسمى الخروجَ من الغرفةِ وَ في مرحلةٍ متقدمة الخروجَ من البيتِ.

تناولَ جيمين دفترهُ وَ قلمهُ وَ توجهَ على جناحِ السرعةِ إلَى قاعةِ الجلوسِ، تلكَ المخصصةِ للضيوفِ، حيثُ الزينة عاديةٌ وَ لاَ تجعلُ قلبهُ ينقبضُ بينَ الثانيةِ وَ الأخرَى.

لازالَتِ السماءُ داكنةً لكنَّ المطرَ توقفَ عنْ الهطولِ، وجدَ جيمين نفسهُ ينزعجُ أكثرَ فأكثرَ منْ هذَا الطقسِ، وَ يقتنعُ أكثرَ بالمعتقداتِ التي ظنَّهَا يومًا غبيَّةً.
فتحَ التلفازَ ليجدَ الإرسالَ مقطوعًا.
مشهدٌ كلاسيكِي في صناعة الرعب.

" الطاقةُ الشريرة، السلبية، الأرواح إلخ هيَ ما تعطل الموجاتَ الكهرومغناطسية وَ تقطعُ الإرسال عنْ الحواسيب وَ التلفاز..هاه وَ لمَ لاَ تظهرُ هذهِ الترهاتِ إلَّا حينَ تهبُّ الرياحُ وَ تهطلُ الأمطارُ؟ غباء."
قالَ جيمين وَ قهقهَ بسخريَّة، هزًّا رأسهُ للجانبينِ منْ شدَّة سذاجةِ منْ يصدِّقهَا.

والداهُ كانْ منْ بينِ أولئكَ، الذينَ آثروا تجاهلَ العلمِ وَ ما يؤكدُّه منْ منطقٍ وَ الركضَ وراءَ الأساطيرِ وَ الحكايا المتوارثة.

" لأنَّ كلَّ ما ذكرتَ ينجذبُ لهذَا الطقسِ الذِي يجدهُ البعضُ كئيبًا." صوتٌ عميقٌ أجابَ، عميقٌ لكنْ هادئٌ، وَ حضورُ صاحبهِ لمْ يرهبْ جيمين إنَّما بعثَ في قلبهِ طمأنينةً عجزَ الآخرُ عنْ تفسيرهِ.

الصوتُ ليسَ مألوفًا لكنَّ قلبهُ آلفهُ، وَ سماعُ صوتٍ يحدِّثكَ بعدَ ذلكَ اللقاءِ الغريبِ مع الدميةِ، بينمَا يخلو البيتُ منْ شخصٍ غيرهِ هوَ دونَ شكٍّ سببُ وفاةٍ مقنعٍ.
معَ ذلكَ، جيمين وجدَ نفسهُ مرتاحًا وَ إستدارَ على مهلٍ بحثًا عنْ مصدرِ هذهِ المعلومةِ.

هناكَ أمامَ الدرجِ، وقفتِ دميةُ العقابِ بوجههَا الخزفيِّ الجامدِ وَ ذاتِ الملامحِ الحادةِ، ذراعاهَا منبسطتانِ إلى جانبهَا، زامَةً شفتيهَا وَ تحدِّقُ في الشابِ بحدَّةٍ.
" أ..أ.." إبتلعتِ أنفاسهُ الكلماتَ وَ أخذَ عقلهُ يردِّد عليهِ ما حدثَ سابقًا ذلكَ اليومَ.

" تنفس وَ إهدأ..أنَا لنْ أؤذيكَ." قالتِ الدميةُ وَ ظلَّتِ واقفةً في مكانهَا.
لمَ سيصدِّقهَا؟ لقدْ أذتهُ منذُ قليلٍ، لقدْ كانتِ ستقتلهُ منذُ قليل.
هوَ بالفعلِ يشعرُ بإختلافٍ ما، ليسَ نفسَ الصوتَ، ليسَ نفسَ الطاقةِ..؟

ربَّما تكونُ منْ تلكَ متعدِّدةِ الكيانات..أو شيءٌ منْ هذَأ القبيل..
لقدْ قرأ وَ سمعَ أنَّ الدمَى، التماثيل، الصور وَ أيُّ شيءٍ أجوف يملكُ قابليَّةً ليكونَ مضيفًا وَ بالطبعِ، وجدهُ شيئًأ ساذجًا نوعًا ما.
لمْ يسكنونَ الدمَى بينمَا البشرُ متوفرُّونَ..؟

" أنْتَ محق..أنَا لستُ نفسَ الكيانِ السابق..نحنُ إثنانِ، عدوانِ فِي الواقعِ وَ عالقانِ في جسمٍ واحدٍ."
أردفتِ الدميةُ لمَّا لاحظتِ إنتظامَ نسقِ أنفاسِ البشريِّ أخيرًا.

" ك..كيفَ؟ ماذَا تريدَانِ منِّي.؟" سألَ جيمين وَ أحكمَ القبضَ على الأريكةِ، مخففًا التوترَ.
" مَا أريدهُ هوَ عكسُ مَا يريدهُ مين هيونكِي..أريدُ أنْ تختمنَا مجدَّدًا."

" أختمكُم..؟ أتذكرُّ أنَّه أرادَ أنْ أحرِّرهُ..وحدهُ."
تمتمَ جيمين وَ طأطأَ رأسهُ مفكرًّا لتجيبَ الدميةُ بإيمائةٍ ثمَّ أردفتِ.
" هذَا ما يريدهُ، رغمَ صعوبتهِ فهوَ أمرٌ ممكنٌ وَ سأغدُو حينهَا في عداد الأموات وَ تضيعُ جهودِي سدًى."

" لمَ ذلكَ..؟ أيُّ جهودٍ هيَ هذه..؟"
" مَا رأيكَ لوْ نجلسُ بطريقةٍ مريحةٍ أولًّا؟ القصَّةُ طويلةٌ كمَا تعرف." قالتِ الدميةُ وَ رمشتِ حانيةً رأسهَا إلى الجانبِ في مشهدٍ غريبٍ.

إبتلعَ جيمين وَ أومأَ سامحًا لهَا بالإقترابِ، بالجلوسِ على الأريكةِ، بينمَا صوتُ إحتكاكِ أطرافهَا الخزفيَّةِ يثيرُ القشعريرة.
" مرحبًا أنَا مين يونغِي، سأشرحُ لكَ اليومَ وَ بإختصارٍ الوضعَ الحرجَ الذِي وقعتَ فيهِ."

___
هلْ تستمتعونَ بالقصَّة؟ ✨️

دمية العقابМесто, где живут истории. Откройте их для себя