II

185 11 4
                                    

- أخبرنِي أبِي أنَّ لاَ خوفَ عليَّ إنْ تركانِي مع الدمَى بمفردِي فهيَ لنْ تتحرَّك، حتَّى إنْ كانتِ قادرة على ذلكَ فهيَ لنْ ترتعشَ حتَّى لأنَّني موجود في الجوار.
أخبرنِي أبِي أيضًا أنَّ دمية العقاب، لنْ تفتحَ ذراعيهَا، لنْ ترفعَ رأسهَا وَ بالتأكيدِ لنْ تديرَ ظهرَها للحائط فهيَ صممتِ هكذَا، لأنَّها معاقبة وَ ليسَ بوسعهَا فعلُ شيءٍ...

كتبَ جيمين بيدٍ ترجفُ وَ عيناهُ تراوحانِ بينَ النظر للدفترِ أمامه ثمَّ إلى الدمية الواقفة بإستقامة، تحدِّق فيهِ بأعينٍ داكنةٍ ووجدَ نفسهُ يتسائل أيعودُ ذلكَ لشدَّةِ سوادِ الطلاءِ أم أنَّ هناكَ شيئًا آخرَ...؟

- لماذَا هيَ تخالفُ العقاب إذن؟ ألَا ترهبُ ما هوَ أعظم من الوقوف قبالة الحائط..؟
أنَا خائف حقًّا وَ جدًّا الآن..هلْ عليَّ الخروج؟ أظنُّ أنَّ عليَّ الهرب حالًا!!

تنهدَّ جيمين ببطئٍ واضعًا دفترهُ وَ قلمهُ جانبًا وَ تجنبَ النظرَ للكيانِ في الغرفة بينمَا صبَّ إهتمامهُ على البابِ أمامهُ، يفكرُّ كيفَ سيخرجُ دونَ أن يثيرَ شبهةَ الدمية.
" أعلمُ أنَّك تفكرُّ بالهربِ."

صوتٌ خشنٌ منخفضِ الطبقةِ قالَ وَ خطفَ في الحين أنفاسَ الشابِ التِي أخذتِ تتسابقُ هربًا لرئتيهِ.
تنهدَّ جيمين ثانيةً، متجاهلًا ما حدثَ، متجاهلًا العرقَ البارد الذي أخذَ يتصبَّبُ عليهِ وَ متظاهرًا بالهدوءِ.

" أنتَ تشعُرُ بالخوفِ منِّي، قلبكَ يعزفُ تلكَ السمفونية التِي أعشق كونِي المايسترو فيهَا، آه، كم إشتقتُ لشعورِ العظمةِ هذَا.."
تكلَّم الصوتُ ثانية وَ أحسَّ الشاب أنَّه على حافة الإنهيارِ، على حافة البكاء.

جلُّ ما يريد فعلهُ هو مغادرة الغرفة أولًّا.
" أظنُّ أنَّ عليَّ دخول الحمام! ندمتُ على شربِي ذلكَ الكمَّ من الماء منذ قليل.." قالَ جيمين بصوتٍ عالٍ، كافحَ لجعلهِ ثابتًا وَ مسترسلًا، حتَّى يبلغَ مسامعَ الدميةِ وَ آملاً في أن يحبطَ مزاعمهَا.

إستقامَ الشاب من الفراشِ بصعوبةٍ إذْ شعرَ بجسدهِ متصلِّبًا.
" أعلمُ أنَّكَ ترانِي وَ تسمعنِي..لستُ بالضعفِ الذي تتخيَّلهُ بارك جيمين.." إقتربتِ الدميةُ أكثرَ منَ البابِ وَ لمْ يفهم البشريُّ كلَّ ما نبستِ بهِ فإذْ بصخبِ قلبهِ المرتعدِ يبتلعُ بعضَ كلماتهَا.

كانتِ الساعةُ تشيرُ للحاديةَ عشرةَ صباحًا، غيرَ أنَّ النافذةَ أطلَّتِ علَى سماءٍ قاتمةٍ قد تلبَّدتِ في كبدهَا السحبُ الداكنةُ، حاجبةً نورَ الشمسِ.

أغمضَ جيمين عينيه بينمَا عقلهُ يختلقُ الكذباتَ وَ يحاول تفسيرَ ما يحدث حتَّى لاَ يتلفَ فيجنَّ صاحبهُ.
" أريدُ أن تحرِّرني بارك جيمين." أردفَ الصوتُ الخشنُ بلهجةِ الآمرِ لينتشلَ الشابَ منْ متاهةِ أفكارهِ.

تقدَّم ذو السبعة عشرة ربيعًا ناحيةَ البابِ وَ يعيدُ علَى نفسهِ أهميَّة الخروجِ حالاً، أهميَّة الإبتعادِ عنْ الدميةِ.
إختلطَ صوتُ الرعدِ بصوتِ لطمِ البابِ أمامَ جيمين فلمْ يدْرِي أيهمَا جعلهُ ينتفضُ منْ مكانهِ ليجدَ نفسهُ بمواجهةِ الدميةِ.

" حتَّى إنْ هربتَ منَ البابِ فلنْ تهربَ منِّي.."  قهقهَ الصوتُ وَ أخذَ الكيان يقتربُ منَ البشريِّ الذِي أخذَ يتنفسُ بصعوبةٍ منَ المرضِ وَ الخوفِ.
الضوضاء التِي أحدثتهَا أطرافهَا الخزفيَّة بينمَا هيَ تتحرّك تجاهَهُ، جعلتهُ يذرفُ الدموعَ.

تناولَ جيمين المزهريَّة الموضوعة علَى الرَّف ليضربَ بهَا رأسَ الدمية الذي تهشمَ وَ تناثرتِ قطعهُ أرضًا.
زفرَ جيمين بنوعٍ منَ الرَّاحةِ لكنْ سرعانَ ما عادَ القلقُ لتملُّكهِ.
أسرعَ ناحيةَ البابِ ليفتحهُ فلَمَّا خطَى خارجَ الغرفةِ، ألمٌ عظيمٌ إنبثقَ من قلبهِ ليبلغَ كلَّ أطرافهِ وَ وجدَ الشاب نفسهُ منكمشًا حولَ نفسهِ، عاجزًا عنْ الحركةِ بينمَا فمهُ يطلِق الآهاتَ.

"هلْ ظننتَ أنَّ هذهِ الحركة الضعيفة قادرةٌ على إبعادِي؟ على قتلِي؟ لوْ كانَ الأمر بتلكَ السهولةِ لمَا ظللتُ محجوزًا في هذَا الجسدِ المهترئ!" عادَ الصوتُ مجدَّدًا للحديثِ وَ منْ زاوية نظرهِ، تمكنَّ جيمين من رؤيةِ قطعِ الرأسِ كبيرهَا لحدودِ الشظايَا منهَا و هيَ تجتمع منْ تلقاءِ نفسهَا.

" نحنُ مرتبطونَ الآن، لاَ سبيلَ لأيٍّ منَّا منْ دونِ الآخرينَ، كمَا تشعرُ فإنَّ حياتكَ بِيدِي الآن.. إمَّا أن تحرِّرنِي أو تفقدهَا."
أردفتِ الدمية واقفةً أمامَ جيمين الذِي فقدَ الوعيَ أخيرًا بعدَ أنْ فاقَ الوضع إستيعابهُ وَ تجاوزَ الألم قدرةَ تحملِّهِ.

لمعَ البرقُ خارجَ النافذةِ وَ أضاءَ الوجهَ الخزفيَّ المبتسمَ بطريقةٍ تتقشعرُ لهَا الأبدانُ.
"إستعد أيُّها العالم لإستقبال سيِّدكَ."

__
أعتذرُ كونَ الفصول قصيرة~
شاركونِي آرائكم منْ فضلكُم❣️

 

دمية العقابWhere stories live. Discover now