الطيف الثاني

1.5K 80 8
                                    

#لطيفها_عاشق
الطيف الثاني
"وجع.. كلمة من ثلاث حروف قادرة على وصف انتفاضات القلب وارتعاشاته، شاهدة على كل ما هو مميت ومضني، فحين الفقد تجدها شاهدة حين تُهشم الخواطر، وقتما تحل الأسقام حتى عندما تُزلزل المشاعر تجدها شامخة تطالعك من علو وكأن كل ما مرَّ أمامها لم يقلل من كبريائها شي"

تململ على فراشه بجسد يتوسل النوم ليسكنه من فرط إجهاده، ولكن كيف لجسده الأناني أن يلوذ بالنوم بينما قلبه الهزيل يتدحرج كالكرة على درج القلق.

الليلة هي ليلة الجمعة، تلك الليلة التي يقضيها كل أسبوع بهذه الطريقة، كيف لقلبه أن يهدأ بها وهو يعلم أن صغيرته ينفرد بها ذكور فاقدي الوعي والرجولة، لا يعلم ماذا بإمكانه أن يفعل كي يخلصها مما يحدث لها، لقد حدَّث والده بل ترجاه العديد من المرات بأن يجعلها تبيت هذه الليلة برفقة بنات عمهما الأصغر ولكن والدها الذي هو أبعد ما يكون عن الأبوة يأبى ذلك بل يمطرها بوابل من الشتائم والركلات ظنًا منه أنها اشتكت إلى عمها، تقلَّب إلى الجهة الأخرى من الفراش متذكرًا تلك الليلة التي طرقت على باب منزلهم فيها بالساعة الثانية بعد منتصف الألم وسبقت طرقاتها صراخها المتألم، أخبرتهم مرتعبة بأنَّ والدها رفع السكين الذي مرره على النيران أمام وجهها وهرول مصرَّا على إحراق يدها لأنها تجرأت ورفضت الخروج إلى أصحابه السكارى خوفًا من مناظرهم، والله لقد كاد أن يتهور وقتها ويجذب السكين من والدها ويفعل به ما يريح فؤاده فقد كانت تلك الدقائق التي رأى بها هلعها أشبه بشعورٍ جمع أوجاع العالم أجمع، حاول انتزاعها من ذاكرته ولكنَّها الحمقاء تتشبث بعقله وكأنَّه وليدها الذي تأبى مفارقته فيضيع بدونها، لن ينسى كيف عزم ليلتها على الاتصال بالشرطة وإخبارهم بما يحدث في منزل عمه الذي فشلت جميع العائلة في ردعه ولكن تذكر كيف أغلق الاتصال في الثانية الأخيرة بعدما خطرت هي على باله، فإن تناسى أن سمعة العائلة ستتضرر إن أتت الشرطة إلى منزلهم لأخذ عمه ورفاقه بموادهم المخدرة فلن يمكنه عقله من تناسي أنه سيدعس على سمعتها وكرامتها بفعلته.

تمتم مستغفرًا بعدما استمع قرآن الفجر الذي صدح بمسجد البلدة عازمًا على قضاء فرضه السادس إلى أن يحين موعد الفجر علَّ الصلاة تضمد بعض آلامه كما تفعل دائمًا، توضأ بعقل مشغول بحالها الآن ولكن حاول طمأنة قلبه بأنه لم يتبقَ سوى القليل وستكون تحت حمايته وينعم فؤاده بالراحة ناسيًا بأنَّ الأقدار ربما تخالف هوانا فتجعل الواقع أشدُّ قسوة من أحلامنا التي نخرس بها ضجيج القلوب!!

**********

بوهن نهضت من فراشها لتجيب ذاك الذي يطرق على باب المنزل بقوة مزعجة، كل جزء من جسدها يؤلمها ولكن ماذا ستفعل؟ فوالدها من المحال أن يستيقظ مبكرًا بعد سهرته التي أثقلت  رأسه بالأمس، فتحت باب المنزل دون أن تنتبه لتلك العلامات الزرقاء التي ملئت وجهها  وسرعان ما رفعت كفيها الرقيق منتفضة على وجها  بعدما استمعت إلى شهقة زوجة عمها المرتبعة، ضغطت على قبضة يدها من الخجل الذي لاتدري أمصدره  وجهها الذي لا يليق ما فُعل فيه بآدمي أم من والدها الذي لا يليق عقله بالأفعال الآدمية، تساقطت أولى دمعاتها  وهي تشعر بيد زوجة عمها التي أبعدت كفها بقوة ومررت أناملها على  وجهها ولسانها يردد بكلمات  مثل
" حسبنا الله ونعم الوكيل في أبوكي" 
"ربنا ينتقم منه"
"يا حبيبتي يا بنتي"
"حقك عليا أنا يا روحي إحنا اللي غلطانين والله احنا اللي غلطانين"

لطيفها عاشقحيث تعيش القصص. اكتشف الآن