8 - داخلي ينزف!

188 24 34
                                    

8 -

طرقةٌ خافتة على بابِ الغرفة، جعلتني أنهض وأُكفكف عبراتي بباطن يدي اليُمنى، سامحةً للطارقِ بالدخول، والتي لم تكن سوى "لورا"؛ مساعدتي الشخصية، التي ما إن رأت حالتي تلك؛ حتى هرولت نحوي بخوفٍ، نابسةً بقلقٍ: « نوالا، ما بك؟ »

- « يود قطع أجنحتي، وإجباري على الزواج منهُ.. فقط لأنهُ يُحبني! .. أنا لا أبادله ذات الشعور، لورا. » نطقتُ بنبرةٍ باكية، وقد ظهرَ ضعفي لها.. هي تعلم بكُلِ شيءٍ عني، إنها بئرُ أسراري وأماني الذي لم أجدهُ يومًا بين جدران منزلِ أبي!

احتضنتني لورا، تمسد على ظهري بحنانٍ بالغ، محاولةً إيقافي عن البُكاء، وأنا لا أستطيع.. قلبي يؤلمني حتى وهو فارغٌ من مشاعرِ الحُب اتجاه أي أحدٍ، وعقلي يتصارع مع تزاحمِ الأفكار داخلهُ، ولم أجد إلى الآن مرسى لذاتي، فبكيتُ أكثر، وأنا أردد:

- « أود الرحيل.. لا أريد هذا الزواج »

كنتُ أشبه بطفلٍ صغير، لا يود الافتراق عن والدتهِ والفُراق أمرٌ محتوم ويجب أن يُنفذ، وهي كانت تعانقني بقوةٍ، وكأنها تبادلني ذات الشعور؛ الخوف من أن أفقدُ ذاتي بعد أن تتم هذه الزيجة!

- « قاتل، ويداهُ ملطخة بدماءِ الأبرياء ودماءُ مَن يستحقون، يُشبه أبي.. أنا أكره رؤية كليهما. »

غريبٌ أن أبوح بكُرهي الدفين لأبي، لكنني أمقتُ أفعالهِ.. وأكره أوليفر المتناقض، قاطع بكائي صوتُ طرقةٌ واحدة على بابِ الغرفة، تبعها دفعُ البابِ برفقٍ، وظهور أبي الذي يضع كلتا يديه خلف ظهرهِ بحركةٍ اعتيادية منهُ، ويناظرني بعينين تفيضان منهما مشاعرًا عدة.. ولكنها بالكاد تظهر لي أنها مصطنعة!

- « لا أريد رؤيتك.. لا أود النظر لك حتى، اذهب، واتركني.. في جحيمٍ آخر غير جحيمك. »

نطقتُ بحدةٍ وأنا أبعدُ عينايَّ عنهُ.. أُعطيه ظهري، وأضم كلتا يداي إلى صدري، متصنعةً القوة كعادتي حينما تتم مثل هذه المواجهات، ومن ثمَ تنهدتُ مشيرةً لـ لورا أن تعرض لي فستانَ الزفافِ والذي قام أوليفر باختيارهِ لي، متجاهلةً قولِ أبي وهو يردد بنبرةٍ مُحملة بصيغةِ الندم الكاذبة:

« ابنتي، أنا لن أحيا لكِ كثيرًا، ذات يومٍ ستفنى روحي.. وإن تركتكِ بلا شخصٌ يحميكِ؛ ستتعذب روحي كثيرًا بعد مماتي. »

ضحكتُ ضحكةً ساخرة صاخبة، ومن ثمَ التفتُ إليه، ناظرةً لهُ بحاجبٍ مرفوع لثوانٍ، ومن ثمَ رددتهُ بسخريةٍ: « أبي.. روحك ستتعذب حتى وإن تزوجتُ أنا، أنتَ قاتل.. لا تنسى هذا! »

طالعني أبي بغموضٍ، وأوليتهُ أنا ظهري، عاقدةً يداي أمام صدري بسخطٍ، وأنفاسي الهائجة لا تهدأ، أشعر بأن روحي ستُسلب مني ما إن يتم هذا الزواج، وأنا لا أود ذلك.

استمعتُ لصوتِ إغلاق الباب بقوةٍ غاضبة، فعلمتُ أن أبي قد خرج، لذا تنهدتُ بحزنٍ بالغ، أتمتم وأنا أرى لورا تتأهب لمساعدتي على ارتداء فستانِ الزفاف: « سيقطع لي أجنحتي بمَقصٍ حاد، أشعر بأن نهايتي وشيكة. »

حجرة ومقصحيث تعيش القصص. اكتشف الآن