14 - وحش الآثام.

49 14 0
                                    

14 -

حينما يعود الغائب إلى الغابةِ من جديد، تكون هُنا العَائِقة، و"روزابيلا" قد عادت إلى بيتها مرةً أخرى، والدافع الوحيد هو الانتقام.

نظرتُ لنوالا المُضطربة، ثم ابلتعتُ لعابي، وتركتُ ما في يدي، محتضنًا يدها بدعمٍ، قائلا لها: « لا تقلقي، لن تفعل شيء. »

« قتلتُ ابنها، ستقتلني أيضا، لن تتركني وشأني. »

قالت بصوتٍ مُنهكٍ، تحاول التزام الثبات والقوة، ولكنها ظهرت بهيئةٍ ضعيفة أمامي، وجلست كما كانت، تضع يدها على قلبها، وتنفي ما قفز لعقلها من أفكارٍ قاتلة، فتنهدتُ، وأخبرتُها: « سأتولى أنا الآمر، اصعدي للغرفة، و.. »

« لا أريد الهرب الآن، سيُقال أني ضعيفة، ولن أُعطي لهم فرصة قول ذلك. » قاطعتني بقولها هذا، ثم نهضت ماسحةً دمعاتها بقوةٍ، ووقفت بثباتٍ إلى جواري، مشيرةً لي بأن أتقدم، ولا أدري ما تكون تلك الـ"نوالا"، وما تشعر؟ متناقضة دائمًا، وأنا إلى جانبها لا أفهم ما تحاول صنعه!

مددتُ يدي لها، فتمسكت بها، وسارت معي على نهجِ خطواتي للخارج، حيث الضوضاء العارمة، وأصوات الصراخ المخترقة لجميع القلوب، ولسوء الحظ، لأول مرةٍ، أشعر بالشفقةِ اتجاه أحد أعدائي؛ لم تستحق روزابيلا كل هذا، باتت وحيدة، ونحن مَن فعلنا ذلك.

« اتركني يا هذا، اتركني. » اصطدمت أذناي بتلك الكلمات ما إن أصبحتُ بالخارج، قالتها روزابيلا وهي تحاول التخلص من قبضة أبي، متابعةً بحُرقةٍ وغضب: « سأقتل لك وريثك، سأحرق قلبك أخي. »

دفعتهُ عنها بقسوةٍ غاضبة، مخرجةً سلاحها وأشهرتهُ في أوجه الجميع، صارخةً فيهم بصوتٍ مرتفعٍ مَلِيء بالألمِ جراء فقدٍ مرير: « تسبب وريثك في موت فتاتي، وتسببت زوجته في قتل ابني، قُتلوا.. انتهت عائلتي الصغيرة لأنك خبيث الروح أخي، أمقتُ رؤيتك. »

بصقت في وجههِ بسخطٍ، والتفتت ما إن تسلل إليها صوت شهقات نوالا، فضحكت بصخبٍ واختلال، مقتربةً بخطى هائجة من موضعِ زوجتي، حاقدةً عليها بقولها الحاد: « قتلتِ إرثر؟ أيتها الـ.. »

لم تتحرك نوالا لثانيةٍ، رغم أن نبضات قلبها المضطربة تصل لي وتؤلم قلبي، فوقفتُ قبالتها كحائلٍ قوي بينها وبين روزابيلا التي كانت على وشك صفعها، ثم أبعدتُ يدها عنها، ناطقًا: « وولدك اختطفها، ماذا كانت تفعل؟ »

« وأنتَ مَن زرعت بقلبه كل ذلك الحقد، أنتَ مَن تسببت في قتل شقيقته، أنتَ مَن تستحق الموت، وليس هو.. »

رفعت فوهة سلاحها في وجهي، فسحبتُ نفسًا آخر بصعوبةٍ، أتذكر راسيل وما حلَّ بها، أستمع لصراختها وهي تتوسل لي أن أتركها، ولم أفعل سوى أني نزعتُ رداء الإنسانية عن روحي، وقتلتُ براءتها بوحشيةٍ، فقتلتْ روحها عمدًا، دون أن تلتفت لأي شيءٍ، حتى لأحلامِها الوردية التي تُحِب، وحينما تُنتهك حقوق المرأة تفتقد عيناها لجميع معالم الحياة، وتموت الألوان الزاهية بداخلها، فيظل إثمُها معلقًا بروح الفاعل، ويتعذب طيلة حياته؛ هكذا أخبرتني والدتي حينما هرولتُ لها، أتوسل لها أن تساعدني على خلع وحش الآثام عني، فلم تستطع.

حجرة ومقصحيث تعيش القصص. اكتشف الآن