المشهد الثالث

3.5K 170 1
                                    


تجاوزت الحافلة ممرًا مورقًا على جانبيه بالأشجار، والنخيل، والشجيرات القصيرة، لينتهي بها المطاف عند سور حجري ضخم، يصل ارتفاعه لثلاثة أمتار، في نهاية حافته تتدلى المزيد من أغصان الأشجار، لتخفي عن الأعين ما هو موجود بالداخل. قام السائق بالسير بمحاذاة السور، باحثًا على البوابة الرئيسية التي تسمح له بالمرور. في تلك الأثناء، تكلمت "ياقوت" في إعجابٍ، وقد بَهَر نظرها الطبيعة الخلابة للأرجاء المحيطة بها:

-ماشاءالله، المكان شكله تحفة.

ردت عليها إحدى الشابات في شيء من السخرية:

-مع إنه ما يبانش على "سندس" إنها غنية، ومن عيلة.

حزنت من جملتها غير الموفقة، وقالت في صوت مال للجدية:

-الحاجات دي شكليات، كل الل يهمنا إننا نشاركها فرحتها، وتحس بده مننا.

ضغط السائق فجــأة على المكابح، لتندفع الشابات للأمام في قدر من الفزع والتوتر، وصوت أحدهم يجلجل وهو مشهر لسلاح آلي:

-وقف عندك!

سرعان ما تفشى الرعب في نظراتهن، وقسماتهن، وحاولن الاحتماء ببعضهن البعض. تجمدت أعين الجميع على ذلك الغليظ الذي ظهر أمامهم ومن خلفه آخرين يمسكون بنفس السلاح، ليتساءل في صوت خشن وصارم:

-على فين يا أخ؟ هي وكالة من غير بواب!

اضطرب السائق، وتلبك، فلم يعتد على رؤية ذلك الكم من الأسلحة أمامه، في التو تولت "ياقوت" دفة الكلام من تلقاء نفسها، وخاطبت ذلك الرجل:

-كلمني أنا لو سمحت، احنا جايين لصاحبتنا "سندس".

وقتها تبدلت تعابير وجه الخَفِير، وهتف:

-الست "سندس"؟!

لم تعرف إن كان يردد نفس العبارة أم أنه يتساءل ليتأكد مما سمع، لهذا ردت عليه بعدما اعتبرت كلامه تساؤلًا:

-أيوه.

تساءل آخر من خلفه بنبرة جهورية:

-مين إنتو؟

أجابت عليه أيضًا في هدوء رغم الاهتزازة المحسوسة في صوتها:

-احنا زمايلها في الكلية، ممكن تقولها إننا هنا.

أخبرها الخفير الأول في صوت آمر وهو يشير لزملائه بالانصراف:

-ماتتحركوش من إهنه لحد ما ندي الجماعة خبر.

هزت رأسها قائلة في طاعةٍ، وعلى شفتيها بسمة صغيرة:

-أوكي.

من ورائها تكلمت إحدى الشابات في دهشةٍ:

-إيه أجواء خط الصعيد، والحمشنة دي؟

ضحكت أخرى بخفةٍ، وأضافت:

-كأننا داخلين ثكنة عسكرية مش قصر عادي.

ردت عليهما "ياقوت" في جدية طفيفة:

-الظاهر إنهم مش متعودين على زيارات الغرب.

استعتبت وصفها التلقائي، وقالت في اعتراضٍ:

-هو احنا غُرب؟ ده احنا زمايل كلية وكافيتريا وأكل.

من جديد حذرت "ياقوت" رفيقاتها بنفس اللهجة الجادة:

-لو سمحتوا وطوا صوتكم، بدل ما يطخونا عشان الدوشة اللي عاملينها دي.

كاد كل شيء يسير على ما يرام لولا أن ظهر "عتمان" من بين الأشجار، وفي يده بندقية قديمة الطراز، أشهرها تجاه جانب السائق وهو يلعنه بوقاحةٍ مهينة:

-إنت يا جالوس الطين!

التفت الجميع جهة مصدر الصوت، و"عتمان" لا يزال يكمل وصلة تعنيفه الحادة:

-أيوه بكلمك إنت يا راس البهيم!

لحظتها ترجل السائق من حافلته ليرد عليه في حمئة وتشنج:

-أما إنك (...)، بتغلط فيا يا (...)؟

وضع "عتمان" البندقية في وضعية الاستعداد، بعدما رفعها في وجهه مهددًا إياه علنًا:

-اتشاهد على نفسك، النهاردة هنطلعوا بيك القرافة!

حينها ارتفعت الصرخات الأنثوية المستغيثة في الأجواء بشكلٍ مفزعٍ للغاية:

-يا لهــــوي، الحقـــونـــا!


يتبع >>>>>

بين عشية وضحاها - قصة قصيرة كاملةNơi câu chuyện tồn tại. Hãy khám phá bây giờ