♥️التاسع والعشرون❤️

12.4K 326 29
                                    

المُكثِرُ من الصّـلاةِ على النَّبيِّ ﷺ
يُغـاثُ قلبـهُ من بعدِ قحطِـهِ وجفَافِـه 🦋"

| قال ﷻ : "إنَّ الله وملائكته يُصلّون على النَّبِيِّ يا أيها الذين آمَنُوا صَلُّوا عليـهِ وَسَلِّمُوا تَسْليمـا" | ﷺ
❤️التاسع والعشرون♥️
مالت ناحيته تحاوط عنقه من الخلف وهي تلصق جانب وجهها بوجهه ليبتسم هامسًا بتأثر لم يستطع إخفاؤه :(صح النوم ياحلوة)
سألته متضايقة وهي تراقب انهماكه والعرق المتصبب على جبينه:(صاحي ليه يا حمزاوي)
أجابها وهو يعمل بجد: (بجهز الأكل قبل ما أنزل بكره عشان أرجع بدري ومغيبش عنك)
عاتبته ومازالت تضمه: (مصحتنيش ليه أساعدك)
أجابها بنصف ضحكة :(لما بتجعدي جنبي بتشغليني ومبعرفش أعمل حاجه منك مببجاش عارف أخد بالي منك ولا من اللي بعمله ابصلك وأشبع منك ولا أبص للي بعمله ليبوظ يا سكن)
تركته لتجلس أمامه قائلة بضيق: (ماشي براحتك)
عقدت ساعديها وشردت، لينقّل نظراته بينها وبين ما يفعل متسائلًا: (مالك؟)
أجابته بفتور ونظرات ضائعة :(مفيش)
ثبتت نظراتها عليه لثواني قبل أن تنهض وتسحب بضع مناديل ورقية وتقترب منه، انحنت أمامه تجفف له جبهته ووجهه ثم مررت كفها تلملم خصلاته المبعثرة، اشتبكت نظراتهما في حديث صامت همس بقلق: (سكن مالك؟)
أجابته بتهدج ومازالت تغرق في لجتيه الحائرتين، بعد أن ثُقب قارب نجاتها (بتتعب ياحمزة، وأنا مش عارفه أساعدك ولا إنت جابل دِه)
ترك ما بيده، مسح كفيه وجذبها بعد أن حرك الكرسي للخلف قليلًا، أجلسها فوق فخذيه وهو يضم خصرها قائلًا بإبتسامة: (وأنا اشتكتلك؟ شايله همي ليه؟)
سألته بضيق ونظراتها تطوف فوق ملامحه المجهدة/ (أمال اشيل هم مين غيرك)
قالتها وأناملها ترتفع لخصلاته تلملمهم بمتعة ليخبرها :(هم نفسك بس وحياتك وراحتك)
سقطت نظراتها لعينيه، تعمقت النظر فيهما حد الذوبان وهي تهمس بتنهيدة متأثرة: (حمزة إنت حتة من الجنة على الأرض)
قطب يسألها يشجعها على التكرار بدهشة وصدمة تركت أثرها على ملامحه :(إيه؟)
ضمت وجهه بكفيها تهديه همسها بإبتسامة وقلب يكاد يمزق صدرها من شدة الخفق:(إنت حتة من الجنة)
تنفس بقوة يجمع شتاته الذي تبعثر من كلماتها ليهمس بقلب مرتجف :(وإنتِ إيه لما أنا حتة من الجنة؟ )
أزاحت بعض خصلاته خلف أذنه وهي تهمس برجاء حقيقي صادق :(يكفيني ابجا حتة من جلب حمزة )
تطلع إليها مبهوتًا مازال تأثير همسها ووصفها يطربه ويغيبه في عاطفة عميقة، هز رأسه متسائلًا (وهو إنتِ مبجتيش ؟)
برمت شفتيها تتأمله قبل أن تصارحه بحيرة (مش عارفة) دفعها عنه بغيظ قائلًا (جومي كملي نوم)
تأففت منزعجة بغيظ (خلاص مش عايزه حتت يا عم خليهولك)
اتجهت للباب منقبضة ضائقة ليوقفها مناديًا (سكن)
(نعم) قالتها بملل،ليردف بحزن (إنتِ صاحبة أي كلام يا سكن علشان مش عايزة تفهمي صاحبك)
همست بحزن: (ماشي ياحمزة أنا عارفة دِه)
رفع وجهه إليها يحتوي نظراتها الضائعة في عناق وهو يهمس (لو جولتلك إنك خدتيه كله تصدجي؟ ولو جولتلك حمزة عايز تديله كل جلبك وعجلك توافجي؟)
ضحكت بتألق، بترت حزنها واندفعت تعانقه هامسةً في مراوغة ومشاكسة  :(هفكر يا حمزاوي) ترك ما بيده وبادلها عناقها قائلًا (يلا اجعدي وساعديني بس من غير ما تطلعي عيني يا سكن)
ابتعدت عنه قائلة :(حاضر)
أردفت تسأله وهي تقف جواره تتابع بنظراتها ما يصنعه بنشاط وإتقان وتقلده (حمزاوي اتعلمت ِده كله فين وكيف ومتِى؟)
صمت قليلًا يفكر، يريد التغاضي والتجاهل خاصة أن جزء من الإجابة سيكدرها أو يصيب قلبها بالحزن، لكن الحماس المفترش ملامحها وبريق الإعجاب بعينيها حمله لأن يجيبها بإبتسامة شجن (لما جينا هِنا يا سكن ورد تعبت جوي ومكنتش بتجدر تتحرك ونايمة فكنت بشتغل أنا وأعمل كل حاجه لوحدي)
قالت بحنو وهي تطالعه بنظرة مشفقة (كنت بتدرس كِيف؟ وتشتغل إيه؟)
ابتسم متذكرًا سالف العهد (فالأول اشتغلت كل حاجه عامل فسوبر ماركت ودليفري وأي حاجه كويسة ووجتها يناسب الدراسة وأمي)
شجعتها بنبرتها الدافئة ونظراتها المنبهرة بما يقول وتتلقف حديثه بلهفة (وبعدين يا حمزاوي؟)
قال بنبرة مبحوحة من تأثير المشاعر والحنين الذي غمره مع الذكرى (عرفت صاحبة جدعة زيك، بتحب المطبخ والطبخ وتعمل أكل لجيرانها وأصحابها، اتعلمنا وأخدنا كورسات ودورات واتدربنا، بس هي كانت الأشطر، ونزلنا شغل وحلمنا والحلم كبر واتحقق وبجا مطعم صغير وبعدين كِبر بمساعدة هند وحسن وبجا فرع واتنين)
همست بحزن عتيق نقبت عنه نبرته وشجنه وأخرجته، متأثرة بما نطق ونظراته التي تتهرب منها (مرام يا حمزة؟)
طالعها طويلًا مترددًا قبل أن يخفض رأسه هامسًا بخفوت (أيوة)
همست ودموعها تنساب على خدها (الله يرحمها)
ترك ما بيده وهمس بحزن (أجولك حاجه يا سكن وتفهميها وتجدريها)
هزت رأسها بإبتسامة وهي تغتال دموعها بأناملها وتطالعه بتفهم (جول يا حمزة)
تنهد بحزن ثم أخبرها بإمتنان (مرام ليها فضل كبير فالي وصلتله فسامحيني عمري ما هجدر أنكره وأنساه، هي كانت معايا فأصعب وجت وشريكة فالنجاح حتى وهي ميته)
ابتسامة مرتعشة جاهدت لتطفو فوق ملامحها، لتهمس بتفهم رغم غيرتها المتأججة بصدرها(حجها يا حمزة وأنت ابن أصول متنكرش الفضل ولا تنساه)
ابتسم هامسًا بعشق ونبرة دافئة (عارفه يا سكن أنا بحب جلبك جوي، جلبك الي بيفكر جبل عجلك، وبحبك لما تفهميني وتحسي بيا)
اتسعت ابتسامتها وقالت محاولة طرد حزنها والتمتع بقربه وهمسة وملء دلو روحها من عاطفته الصادقة (ماشي)
عادل للعمل بجد قائلًا (جوليلي بجا أكتر حاجه نفسك فيها إيه؟)
قالت وهي تواصل بنظراتها متابعته وتقليده بجهد (اجولك وتفهم وتحس بيا؟ )
ازدرد ريقه بقلق وتوقف عن مواصلة ما يفعله وهو يطالعها بنظرات مرتعشة تضم ملامحها بإرتباك (جولي يا سكن)
أخبرته وصدرها يضيق بألم وحزن (ساعات بحلم إن يكون أبويا لسه عايش وساعات بتمنى أروحله) ترك ما بيده وضمها لصدره مانعًا معترضًا يهمس بنبرة مرتعشةً: (بعيد الشر عنك يا سكن متجبيش سيرة الموت تاني)
ابتسم له ممتنةً متفهمه، قبل أن تردف
(وساعات اتخيل إن كل الي ماتوا رجعوا من تاني)  
توقفت بإرتباك فشجعها بنظرته لتواصل رغم الحزن الراكد في نظراته مما نطقت
فأشاحت وصارحته بحرقة (بس خوفت لو الأمنية دي اتحججت وجتها هترجع مرام واتحرم منك وأرجع لوحدي تاني)
انقبضت ملامحه بألم لأجلها، فقالت بغصة بكاء مريرة وجسد يجلدها ويلومها بالإرتجاف على ما فكرت فيه: (خلتني متمناش أبويا يرجع يا حمزة)
فغر فمه بذهول مما نطقت، ضمها بقوة  أكبر يحميها من تلك المشاعر التي تهاجمها وتحارب ثباتها، يؤازر جسدها المرتجف بثبات جسده،أنفاسه الدافئة لثمتها فأردفت : (كفاية أشوفه فالحلم ولو مجاش هفتح عيني الصبح وأبص فوشك هبجا كأني شوفته وكأنه معايا وجنبي)
أبعدها نظراته تتوسع على وجهها الباكي لا يصدق ما تفوهت به،تلك المكانة التي وضعته بها وتوجهت بها داخل قلبها ليتنعم بذلك العشق
شاكسها مستنكرًا يصرف عنها سوء ما أغتنمته روحها من الذكرى (شيفاني أبوكي يا سكن؟)
طالعته ببلاهة لا تفهم مغزى سؤاله، ليردف بسخرية (والله عال يا سكن الأول جولتي حمزة دِه أكبر مني وزي أخويا ودلوجت أبوكي)
سألته (مِتى جولت حمزة أكبر مني؟)
ضربها على جبهتها برفق هازئًا (جولتي للواكل ناسه)
فغرت فمها بذهول سرعان ما لفظته (سمعتني)
هز رأسه لتبرر بإستياء متذكرة هشام وأفعاله  (كان خاوتني كل شوية يسأل عنك واتجنن لما مجولتش إنك تعبان وخبيت عليه)
ابتسم وهو يداعب خدها ويطالع عينيها اللامعة بحنو (مجولتلوش ليه؟)
نفخت تخبره بضيق : (مشمتوش فيك يا حمزة، ولا أجوله على الي حصلك عشان يفرح)
شدها حمزة من أنفها ساخطًا عليها يوبخها بسخرية ومرح (وعذبتي حمزة ليه وإنتِ كل دِه فجلبك ليه يا ملكومة على رأي جدي)
ضحكت ضحكة رائقة وهي تبعد كفه وتمسد أرنبة أنفها متدللة (كنت بحاول وفشلت يا حمزاوي)
أخبرها بتأفف وإنزعاج مفتعل بمرح (لما بتحكي ببجا عايز اضربك يا سكن على الي عملتيه فنفسك وفيا)
ضحكت على كلماته قبل أن يرن هاتفها وتبتعد عنه قائلة: (تلاجي عاليا هروح أكلمها وأرجعلك)
عاد لعمله قائلًا (ماشي ياحلوة بس متتأخريش عليا)
طبعت قبلة سريعة على خده وغادرت لترد
هتفت عاليا ضاحكة تستفزها ما إن أجابت سكن (اتأخرتي فالرد ليه مشغولة يابت مع حمزاوي ولا إيه؟)
أجابتها سكن بعدم فِهم (لااه هنشغل معاه فأيه ؟)
قالت عاليا بضحكة: (أقسم بالله بجرة كبيرة  يلا مش مهم طمنيني مفيش حاجه في السكة؟)
هتفت سكينة بضجر: (حاجة إيه وسكة إيه؟)
كان دور عاليا لتتأفف منها ومن غبائها (الله يكون فعون الدكتورة والله)
سألتها سكن بإهتمام متجاهلة قول عاليا وثرثرتها الكثيرة (عاملين إيه مع العروسة؟)
أجابت عاليا بضجر واختناق : (من يوم ما جات والبيت حريجة، خناج ومشاكل مع أمي والهانم كل شوية تجبلنا حد تبعها وحاجه آخر جرف)
قالت سكن بشماتة :(أمك تستاهل ذنب حمزة وأمه)
هتفت عاليا بضيق وتوبيخ من قولها الذي لامس شيئًا في قلبها المنهك بما يحدث حولها وتنغمس فيه رغمًا عنها (جصي لسانك يا هبابة)
سألتها سكن بمصمصة شفاه متعجبة (يعني كدبت؟)
تنهدت عاليا قائلة بحزن وانهزام (لااه مغلطتيش شكله كدِه صُح)
تبدلت نبرة سكن ورفقت بها قائلة بحنان وإشفاق (ما تيجي يا عاليا إنتِ ومودة)
صرخت عاليا مستنكرة عائدة لمرحها ومشاكستها : (لحجتي تزهجي من الدكتور يا بت؟)
همست لها بإبتسامة عاشقةً وهي تطلق من صدرها تنهيدة هيام :(لوعالدكتور فهو ميتشبعش ولا يتزهج منه يا بت)
تسللا ذراعيه لخصرها فانتفضت متفاجئة ضمها لصدره يهمس قرب أُذنها بعشق (ولا إنتِ يتشبع من جربك يا سكني)
ارتبكت، صمتت متأثرة بقربه المهلك وأنفاسه الدافئة المتعثرة في عاطفته التي تتبعثر حولها ، قلبه الخافق بجنون تكاد تسمعه يضرب ظهرها يطرق أبواب قلبها لتفتح وتستقبل عشقه اللامحدود، أراح ذقنه فوق كتفها يهمس لها (اتكلمي)
عادت لعاليا التي صرخت متعجبة (روحتي فين؟)
أجابتها وأنامله تتجول فوق بشرة جيِدها وكتفها مفتشةً عن الخربشات، مستكشفة فتململت بخجل مرتعشة من لمساته وبرودة أنامله التي تدغدغها
أجابت بتوهة  (مفيش عادي)
ابتسم مستمتعًا بإرباكها وتشتيتها، أدارت رأسها تزجره بنظراتها ليبتعد الآن ويتركها لكنه ابتسم مستفزًا يتابع ما يفعل… دفعت كفيه بكتفها فعاد من جديد إليها يكتم ضحكاته، فهتفت رغمًا عنها بتهور(حمزة إبعد مش وجته)
صمتت تستوعب ما نطقت به وضحكات عاليا وكلماتها التي تلت دهشتها وصمتها لثواني مستمعة لسكن (خلاص هكلمك بعدين يا بت)
أنهت الإتصال بسرعة ورمت الهاتف فوق الفِراش ثم استدارت غاضبة تصرخ بوجهه (في إيه؟)
تصنع البراءة قائلًا (مفيش بس الخربشة زايدة فبشوفها)
دبدبت بقدميها معترضة تهتف حانقةً (كنت استنى يا حمزة) ثم نفخت بسأم قائلة بإحباط (عاليا هتستلمني أسبوع)
ضحك قائلًا وهو يضمها بين ذراعيه (على فكرة انهردا يومي المفروض متكلميش غيري ولا تنشغلي بحد غيري وبعدين تستلمك ليه أنا جوزك )
ابتسمت قائلة وهي تبتعد عنه قليلًا (عيب هتجول علينا إيه؟ وبعدين إنت كنت بتشتغل)
أمسك بأنفها وجذبه قائلًا (عادي تجول أي حاجه وبالنسبة للشغل اجعدي جنبي، هيهون عليا تعبه وجلبي يرتاح بشوفتك وجربك)
اتسعت ابتسامتها متناسية ما حدث وهتفت بفرحة طفولية (ماشي هعمل كِده يا حمزة)
سحبها من كفها قائلًا (يلا جربت أخلّص و ننام عشان الوجت اتأخر)
انهمكا في العمل والثرثرة حتى صلاة الفجر، أدوها بخشوع ثم تجاورا متسطحين فوق الفِراش يسلمان جفنيهما للنوم بعد تعبٍ وإرهاق 
*********
في اليوم التالي
نهض بعدما أنهى عمله واضعًا الجهاز فوق الآريكة، وصله صوت الأغاني المنبعث من الحجرة فنهض يستكشف ما تفعله تلك المجنونة، اقترب من باب  الحجرة وأمسك بالمقبض يحاول فتحه لكنه مغلق من الداخل فتأفف وابتعد قليلًا يطرق مناديًا (سكن)
أخفضت صوت الهاتف قليلًا وسألته من خلف الباب بأنفاس متقطعة: (إيه يا حمزاوي)
سألها بضيق مستنكرًا فعلتها: (جافله الباب ليه؟ وإيه الأغاني دي؟ مش ورد منبهة عليكِ؟)
فتحت الباب وأطلت برأسها مبتسمة تخبره من بين أنفاسها المتقطعة (إنت مش كنت مشغول جولت استغل دِه)
عقد ساعديه أمام صدره يسألها بإستنكار (تستغليه فأيه يا آخرة صبري)
قالت بضحكة ممزوجةً بخجلها (في ممارسة هوايتي المفضلة)
فكرّ قليلًا مضيقًا نظراته بإستفهام فوق ملامحها المتلونة بالخجل، سرعان مازال استفهامه حينما تذكر كلماتها عما تحبه فقال مزدردًا ريقه بتوتر (بترجصي)
صمتت علامة الموافقة، ضرب جبهته بصمت وقلة حيلة مغمغمًا (هتجلطيني يا بعيدة)
رفع رأسه يطالع ملامحها المترقبة قائلًا (مش ورد جالتلك متسمعيش أغاني؟)
تركت الباب وولجت لداخل للحجرة تسخرمن قوله ورغبتهما (أيوة وهرجص ازاي على أغاني دينيه)
دخل خلفها مبتسمًا على سخريتها، قال وهو يقف خلفها (مترجصيش بسيطة)
استدارت تهتف بغيظ وحنق، لا يروقها ما يقول (لااه جولتلك دي أكتر حاجه بحبها يا حمزة ومعنديش استعداد أبطلها)
قال بجدية كاذبة يستدرجها بها لتنتبه وتصدقه وهو يقترب منها أكثر بعدما تصنع التفكير (عندي فكرة طيب تريحك وتريحني وتريح ورد)
التمعت عيناها واندفعت تسأله بلهفة واهتمام منها كما أراد (إيه هي؟)
حك لحيته قائلًا بحماس مخبأ وهو يكتم ابتسامته (وريني رجصك ياسكن لو عجبني أوعدك أطبل والله )
اتسعت نظراتها فوق ملامحه بذهول، قبل أن تصرخ به مستهجنة (حمزة أنا كنت بجول عليك مؤدب ومحترم ومتربي سبع مرات بعد الي بيحصل هغير فكرتي عنك)
ضحك قائلًا بمرح وهو يسحبها لأحضانه ويقيد جسدها بذراعيه (لازم تغيريها يا سكن، وبعدين مش حرام حمزاوي ميشوفش زي الناس مش هو أولى برضو يا سكني؟)
دفعته بخفة منسلة من بين ذراعيه تهتف بغباء (أولى بأيه الدكتور؟ أنا مبرجصش غير جدام حريم بس)
تنهد قائلًا بآسف وسخرية (لو أعرف هتبجي من نصيبي يا بجرة كنت رجعت بدري وربيتك على يدي وعلمتك كل حاجه بنفسي، بس ملحوجة الله يعيني)
خرج من الحجرة قائلًا (يلا اعمليلي شاي وهاتيه بره)
تابعته حتى خرج، ثم رفعت الهاتف تكتب لهيما وبعدها خرجت تفعل ما طلبه منها.
وضعت كوب الشاي فوق الطاولة وجاورته متسائلة،وهي ذراعها حول ذراعه تجذب انتباهه بكلماتها المرحة، وهي تلتصق به تأخذه من شروده (حموزتي)
خطفت قلبه بتدليلها له بتلك الطريقة وبذلك الدلال الرائق الذي يليق بها، لكنه أخفى شعوره بها وواصل ما يفعله على الهاتف قائلًا (خير)
سألته بإبتسامة واسعة وهي تضع رأسها على ذراعه (عندكم ملاهي.؟)
رمقها بنظرة غامضة وهو يتأملها متسائلًا (أيوة، ليه؟ )
رجته بنبرة طفولية بريئة تسلب لبه وتضعف مقاومته (وديني يا حموزتي نفسي أروحها)
عاد بنظراته للهاتف ساخرًا (إنتِ جاية تحججي أحلامك هنا؟ ولا أنا المارد بتاع الفانوس مثلًا)
مطت شفتيها مستاءة من كلماته قبل أن تبتعد عنه معاتبة (خليك جدع ووديني )
اعترض منشغلًا بما يقرأ متجاهلًا يصدها عنه وهي بكل هذا الدلال (لا.. مش فاضي.. سني ميسمحليش أروحها)
هتفت ثائرة ممتعضة (دا إنت كلك ٣٠سنة يا بائس يا كئيب)
رمقها بنظرة مستهينة باردة قبل أن يعاود النظر لهاتفه قائلًا بلا مبالاة (ماشي)
دبدب بقدميها قبل أن تنفخ بسأم وتغادر لحجرتها مغلقة خلفها بغضب..
رفع نظراته عن الهاتف يشيعها بإبتسامة واسعة.. لم يدم الوقت طويلا كان يعرف أنها تكره العزلة وتعشق الثرثرة.. عادت من جديد وجاورته مبتسمة بحيوية تطلب بإستجداء وعطف (طيب وديني السينما يا حمزاوي عايزه أشوفها)
سألها وهو يضع الهاتف جانبًا ثم يستدير ليعطيها وجهه وانتباهه (مروحتيش ليه سينما فقنا.؟)
سخرت بفظاظة وهي تخلع نظارته الطبيه من على وجهه(عمتك لو كنت قولتلها أروح سينما هتسيبني حية أرزق.؟ كانت وأدتني )
نهض واقفًا يخبرها بغلظة امتزجت بسخريته(وأنا مش مطالب بتحجيج أحلامك وفك عجدك الطفولية والنفسية)
غادر للمطبخ وتبعته هي وقفت تمنعه من التحرك وهي تهتف (إنت لها.؟ وبعدين فكيت كتير جات على عجد الطفولة)
عقد ساعديه أمام صدره يخبرها بإنزعاج كاذب (كنت مضطر دي لا)
أقتربت ملتصقة بصدره ترجوه بشقاوة (خليك جدع بجا للأخر ياحمزاوي)
أبعدها عنه قائلًا يفك سحرها بالتجاهل والمثابرة على دلالها الذي يؤثر فيه (هفكر، أو ارجعي لأمك وريحيني أسهل)
تصلبت مكانها انحسرت ابتسامتها وانطفأ وهجها طأطأت رأسها تخفي خزيًا تعلق بنظراتها الخاوية على ذكر أمها والعودة، عاد الخطوة التي تقدمها تأملها بإستكشاف قبل أن تهمس (هو إنت ممكن ترجعني يا دكتور؟)
هاله ما رأى غشيه همٌ عظيم بما نطقت.. شاركها الأحساس بالخوف والفقد والإرتعاب من هجرها له لكنه، ابتسم يخبرها برفق ولين وهو يحيط كتفيها بكفيه(أنا لاااه يا سكن بس لو فيوم حسيتي إنك مش عايزه عمو حمزة وإنك عايزه تسبيه وترجعي هرجعك يا سكن مش هجبرك)
عاتبته بدموع (وتستغنى عني عادي؟)
أوضح برقة (مش استغناء بس مجدرش أغصبك على وجودك معايا)
تنفست بعمق قبل أن تهدية نظراتها موضحة وكفها يرتفع لموضع قلبها (هنا بيوجعني جوي من كلامك دِه يا حمزة)
تعلقت نظراته بما أشارت فارتجف وبعد أن منحها عناقًا في نظرات، ضمها بقوة هامسًا معتذرًا (متزعليش يا سكن أنا آسف)
أحاطته بذراعيها متشبثة به تتوسله ببكاء (أوعى تعمل كِده يا حمزة ولا تسيبني حتى لو أنا جولت اضربني كسر دماغي بس متسبنيش وتبعد عني تاني موتي أحسن)
همس متأثرًا نادمًا (متجوليش كِده بعد الشر عنك ربنا يخليكِ ليا يا سكن وتفضلي كِده تحبيني دايمًا ومتبعديش عني) 
همست وهي تتمسح فيه كقطة (وإنت كمان)
رنين جرس الباب جعلها تقفزمبتعدة عنه بحماس أثار شكه وأدهشه، هتفت وهي تركض (هروح افتح)
أوقفها وهو يتبعها (استني)
دار حولها يشير بسبابته في امتعاض (هتطلعي كدِه)
أفصحت بعفوية(دا هيما يا حمزة)
رفع حاجه متسائلًا (عرفتي منين)
أنّبت نفسها بعضة شفاه لائمة كعقاب على تسرعها، فراوغت (خمنت لإن محدش بيجي غيره)
تأفف من كذبها الواضح، صرفها بإشارة منه (يلا البسي  وأنا هشوف)
انصرفت بسرعة للحجرة فتح هو الباب ليجده أمامه مبتسمًا يهتف (عمهم إزيك)
دخل المنزل ليغلق حمزة ويسأله (جاي ليه؟)
ارتبك هيما وأجابه وهو يجلس فوق الآريكة يخبره بحاجبين يتراقصان غيظًا وكيدًا فيه (سكينة وحشتني ولقيتها بتكتبلي تعالي يا هيما وحشتني نفسي أشوفك)
استنكر حمزة وهو يقف في استعداد واضعًا كفيه في جيبي بنطاله مترقبًا مجيئها (والله!)
تنهد هيما قائلًا بهيام مفتعل (بنت خالي عليها واحدة وحشتني ميتقلهاش لا أبدًا)
عض حمزة باطن شفتيه ونظراته تتوعدهما سويًا، ليردف هيما (إلا مجيتوش مع خالتي ليه يا حمزة؟)
حك حمزة جانب رقبته بصبر قائلًا (تعبان، مش جادر)
عاتبه هيما وهو يكتم ضحكته (كنت ابعت سكينة ونام إنت ولا بتوزع خالتي يا عمهم ولا إيه؟ )
تنهد حمزة بضيق وإستياء قبل أن يجيبه بفظاظة (احترم نفسك بدل ما هزعلك)
اتكأ هيما بأريحيه قائلًا: (تعالى اقعد واقف ليه؟)
خرجت سكن قاطعة الممر بحماس، حين لمحت هيما جالسًا هللت بصخب (هيما وحشتني)
نقّل هيما نظراتها بينها وبين حمزة المستشيط غضبًا ونقمة، قبل أن ينهض ويتجه ناحيتها فاردًا ذراعيه ليثيره أكثر (بت خالي الغالية)
قبل أن يصل كان حمزة يقف أمامه محذرًا يهمس له (هعلجك اصبر)
تراجع هيما، لتقترب سكن وتمد كفها لكن حمزة باغتها بضربة مؤلمة على كفها معترضًا بغضب(فيكِ لسان اتكلمي بيه)
ابتعدت متألمة تفرك كفها مستاءة من فعلته، عاد هيما للجلوس ليجاوره حمزة ويشير لها بنظرات مشتعلة كي تجلس جواره.
سألته بضيق وعبوس مستفهمة (في إيه؟)
من خلف ظهر حمزة مال هيما يغمزها، ليعود حمزة بظهره متعمدًا يضغط ذراع هيما الذي تألم قائلًا (خد بالك دراعي)
هتف حمزة بإبتسامة متشفية فيه وهو يجيبه (خد بالك إنت دي مراتي)
سحب هيما ذراعه متألمًا، لتهتف سكن ضائقة (في إيه؟ )
أخرج هيما من جيب بنطالة شيئًا مُغلفًا ومنحه لها قائلًا بإستياء (خدي علشان همشي قبل ما جوزك يعملي عاهة)
التقطتها بسرعة من بين أنامله قبل أن يتحرك حمزة ويأخذها، لينهض هيما قائلًا بضجر (اشبع بيها)
غادر مغلقًا خلفه بقوة، ليدير حمزة جسده لها ويسألها بغضب(طلبتي منه إيه؟ وإيه الي وحشتني وحشتني علطول دِه ما تتأدبي شوية)
رمشت قليلًا بعينيها فوق ملامحه الغاضبة، تستوعب قوله قبل أن تهب واقفة تهتف (أنا مؤدبة يا دكتور ودِه ابن عمتي وأصغر مني فعادي يعني)
وازاها وقوفًا يهتف برعونة (لااه مش عادي واتكلمي معاه بأدب)
حملقت فيه مستنكرة قوله وغضبه (يعني إيه بأدب هو أنا مش مؤدبة يا حمزة؟)
لمعت الدموع بعينيها منتظرة إجابته التي تأخرت وماتت على أعتاب شفتيها رميًا برصاصات التراجع والندم،رمت ما بيدها على الآريكة وغادرت حين طال صمته وأشاح بنظراته متهربًا.
غمغم وهو يجلس ملتقطًا ما رمته (ماشي يا هيما الكلب)
فتح التغليف لتظهر علبه صغيرة فتحها ليجد خاتمًا فضيًا رفعه ليقرأ الكلمات المحفورة عليه  (إني أراك بعين قلبي جنة يامن بقربه مر الحياة يطيب)
من الدخل كان منقوشًا اسمه واسمها يفصل بينهما قلبًا.
اتسعت ابتسامته وهو يضعه بباطن كفه يقرأه مراتٍ ومرات أغلق عليه أنامله ونهض متجهًا لها بعدما شعر بالندم، مقررًا أن يعتذر لها ويراضيها .
وجد الباب مفتوحًا وهي تجلس فوق الفِراش صامتة ببؤس، منحها نظراته فتهربت وأشاحت بحزن، اقترب منها وجاورها هامسًا (سكن)
همست بصوت مبحوح منفعل وهي تمسح دموعها (إيه؟ في حاجه تاني هتجولها؟)
فرد كفه أمام وجهها يسأل(إيه دِه يا سكن؟)
تهربت بكذب، زاهدة في مراضاته (معرفش)
ابتسم هامسًا (جومي هطلعك)
مالت بجسدها قليلًا مبتعدةً عنه تخبره بجفاء وحدِّة (لااه مش عايزه وهنام)
ضمها معتذرًا بحنو (خلاص أنا آسف متزعليش)
تململت تحاول التملص من بين ذراعيه، ليثبتها بقوله التالي الذي خرج صادقًا مغلفًا بحنو نظراته (بغير عليكِ يا سكن أنا برضو مبحبش تتكلمي مع حد غيري ولا تهزري مع حد غيري ولا تجولي لحد وحشتني غيري أنا)
بهتت ملامحها، فغرت فمها غير مصدقةً قوله واعترافه لتلتف ناحيته تسأله (حمزة بتتكلم جد؟)
ابتسم مؤكدًا وهو يداعب خدها بأنامله ونظراته ترتشف من رحيق قربها (طب أنا كنت كل ما تجوليلي وحشتني وافتقدتك بتاخدي جلبي بيهم، أعمل إيه دلوجت لما تجوليهم لأي حد غيري ويحبك)
فسرت بتوتر تستوعب  فيض مشاعره ومنطوقه تبرر (بجولهم عادي يا حمزة)
عاتبها برقة وهو يقرص ذقنها (كنت عندك زي هيما وزي أي حد؟)
أرخت جفنيها مُفكرة بإضطراب قبل أن تشرق نظراتها من جديد فوق وجهه وتخبره بعاطفة  (لاااه ولا عمر حد هيكون زيك عندي ولا هيكون نصيبك فجلبي زي أي حد)
اتسعت ابتسامته، وهو يضع جبهته فوق جبهتها يضم رأسها بكفيه مداعبًا خديها بإبهاميه  (مش عايز نصيب يا سكني عايز جلبك كله ليا لوحدي زي ما عايزك تبجي كلك على بعضك ليا لوحدي كتير دِه على حمزاوي حبيبك )
همست متأثرة من بين أنفاسها المرتجفة(مش كتير خالص، جولي أعمل إيه وإنت عايز إيه وهعمله يا حمزة عشانك)
شكرها بإمتنان (شكرًا عالهدية تعبتي نفسك ليه؟)
ابتعدت قليلًا تسأله بفرحة طفولية ونظراتها تتعلق به متصيدة رد فعله تبحر في نظراته بين ضفتي كتاب روحه لتقرأ ما كُتب بأحبار عشقه(عجبتك يا حمزاوي)
فتح كفه من جديد أمام نظراتيهما يخبرها بسعادة (جدًا، كفاية إنك فكرتي ودورتي وكلمتي ابراهيم عشاني)
أزاحت خصلاتها خلف أذنها قائلة (معرفتش أجبلك إيه؟ ودي عجبتني لما شوفتها جولت اكتبلك عليها الي نفسي أجوله وتفضل دايما شايفه جدام عينيك وعشان متنسانيش يا حمزة) قالت جملتها الأخيرة بخفوت وطأطأت رأسها بخجل، فعاتبها وهو يضم وجهها براحتيه في حنو (مصرة تعذبي جلبي يا سكن وتفكريني بعملتي المهببة معاكي جلبك أسود يابت)
غمغمت بضيق (مش جصدي بس…)
سألها بحنان (جوليلي أعمل إيه وتنسي إنتِ؟ انساكي كِيف وأنا مبفكرش غير فيكِ، وبالي مشغول بيكِ، حياتي كلها بجت إنتِ تبدأ بيكِ وتنتهي عندك)
ضحكت برقة قائلة وهي تهاديه بنظراتها المتألقة العاشقة (ماشي يا حمزة هنسى)
ترك وجهها والتقط الخاتم الفضي قائلًا (يلا لبسهوني)
امسكت به وفرد هوكفه فالبسته له وقالت بحماس طفولي وسعادة  (حلو جوي يا حمزاوي)
نهض قائلًا (جومي البسي يلا هنروح نجيب ورد)
قفزت مهللة بصخب، تصفق موافقةً متشجعة (بجد طيب يلا عشان وحشتني)
قفزت من فوق الفِراش أرضًا ليختل توازنها وتميل تجاهه فيضمها ويسقط بها فوق الفِراش الآخر، تأفف قائلًا (أنا أجول لأمي لاااه وعمايلك تجول آه دلوجت)
ابتسمت بخجل من وجودها مشرفةً عليه بهذا الشكل، همست متسائلة (إيه هو الي لااه ودلوجت)
ضم جسدها وتقلب ليصبح مشرفًا عليها، تنهد وهو يمرر نظراته فوق وجهها(إنتِ حلوة جوي يا سكن، بحتار أحب فيكِ إيه ولا إيه، جلبك ولا روحك ولا عنيكِ ولا شفايفك الحلوة دي)
قالها وأقترب أكثر يلثمهما بقبلات ناعمة رقيقة
بادلته إياه على استحياء مكافأة له على كلماته التي اخترقت قلبها وتربعت في صميمه.
انتقل لخديها منحهما تقديره وإعجابه بحمرتهما الشهية ثم انتقل لجيدها وتعمق، أغمضت عينيها مستسلمة مستمتعة، قبل أن تضيق أنفاسها وتُحتبس داخل صدرها، تنفست بصعوبة بالغة…
حركت رأسها تريد التقاط أنفاسها وسلب ما تحتاجه من الهواء لكن لا فائدة، شيء ثقيل يجثم على صدرها، وخيال أسود يطير حولها ويقف فوق جسده جعلها تفزع وكلما تعمق أكثر تاهت هي واشتعلت بحرارة غريبة لا تستطع احتمالها، تنميل ودبيب يكتسح جسدها مع كل لمسة منه لجسدها.
ابتعد لاهثًا عيناه غائمة بشتى المشاعر، نظراته تركض فوق وجهها بترقب قبل أن يغادر تاركًا كلماته (البسي يا سكن بسرعة واطلعي هستناكي بره)
اعتدلت جالسة تلملم ملابسها وخصلاتها، كانت اللحظة بين نقيضين من المشاعر، تنعمت بقربه وتعذبت به، رفعت نظراتها المشوشة بفعل الدموع الكثيفة تطارد الخيال الأسود وهو يتنقل على الجدران بعد أن سلب منها أنفاسها وألقى الزعر في قلبها فشهقت مفزوعة حين اقترب منها حد التلامس، صرخت بقوة واضعةً كفيها على عينيها في خوف قبل أن تغيب عن الوعي.
أفاقت بعد مدة على همسه الدافيء وربتاته الحانية ومشاعره التي تغمرها (سكني)
تشبثت به أكثر في خوف، تحتمي بوجوده وقربها منه، لملم خصلاتها جانبًا وحط بشفتيه فوق جبهتها متسائلًا (حصل إيه يا حبيبي؟)
تذكرت ما حدث فارتجفت وبكت، بللت صدره بدموعها الحارة فربت عليها يهدأها (بتبكي ليه طيب حصل إيه؟)
أبعد وجهها قليلًا ليتثنى له رؤيتها بوضوح وقراءة نظراتها وما يدور بخلدها، متسائلًا هل ما فعله السبب، لمح الخربشات ظاهرة أسفل أذنها بوضوح فصمت عاقد الحاجبين في ضيق مرر أنامله فوقها متنهدًا لا يريد اخبارها بما يرى فيثير فزعها أكثر ويخيفها.. جاهد حتى خرجت ابتسامته مهزوزة وهو يهمس (بس يا سكن متوجعيش جلبي بالبكا دِه)
مسح لها دموعها بأنامله وهو يقول لها (جومي هساعدك لغاية ما تلبسي وبعدين نطلع)
نهضت رغم التعب الشديد والألم بأنحاء جسدها المنهك، ساعدها حتى ارتدت عباءة سمراء مناسبة ولفت حجابها، ثم خرجا متجهين لباب الشقة سحب الحذاء خاصتها وانحنى يساعدها في ارتدائه ضاربًا بإعتراضاتها ورفضها عرض الحائط
(هلبسه أنا يا حمزة ابعد)
انتهى بصمت وتصميم، عقد رباط الحذاء وارتفع واقفًا يبتسم لها مشجعًا وهو يلف ذراعها حول ذراعه (يلا يا بت بطلي غلبة)
خرجا واستقلا السيارة وفي الطريق وقف أمام السوبر ماركت قائلًا (هنزل أجيب شوية حاجات للبنات وابراهيم متخافيش)
أومأت بتعب وأراحت رأسها للكرسي منتظرة مجيئه، عاد بعد دقائق بحقائب كثيرة وضعها بالخلف ثم عاد لمقعده قائلًا وهو يمنحها كوب العصير (عارفك بتحبي عصير الجصب خدي اشربي)
أخذته منه شاكرة بإبتسامة ممتنة (شكرًا أنا فعلًا بحبه ربنا يخليك ليا يا حمزاوي)
بادلها همسها بإبتسامة دافئة (ويخليكِ ليا يا حلوة وميحرمنيش من وجودك وضحكتك الجميلة)
بعد دقائق كانا يقفان أمام الشقة تستقبلهما خالته بترحاب شديد وسعادة، ما إن دخلت سكن ولمحت ورد واقفة حتى اندفعت تجاهها وعانقتها بشدة هامسةً (وحشتيني يا أمي)
ضمتها ورد بسعادة، مبتسمة ضاحكة مما نادتها به الصغيرة وقوة عاطفتها الصادقة.
نصف ضحكة منحها لهما حمزة وهو يردد خلفها مندهشًا (أمي)
ابتعدت سكن تؤكد وهي ترتشف من ملامح ورد ما تهديء به شوقها لها (أيوة أمي)
طالعتها ورد بنظرة لامعة متراقصة بالفرح وهي تسألها عن حالها (إنتِ كويسة يا جلب أمك؟)
أخبرتها سكن وهي تعاود ضمها بحب (أيوة وبجيت أحسن لما شوفتك)
ضربها حمزة بخفة معاتبًا لها (محسساني إني كنت بعذبك ولا حابسك)
انحنت ولثمت كف ورد قائلة بصدق بعدما انتصبت مستسلمة لذراعه التي تضمها (لااه بس هي وحشتني متعودتش على غيابها)
سألها بلوم مشاكسًا لها (أنا مش مكفيكِ يا سكن؟)
طالعته بنظرة عاشقة وهي تهمس برقة (إنت الدنيا الحلوة يا حمزة) ثم عادت بنظراتها لورد متممة (وأمي ضحكتها الي تخطف الجلب)
ابتسمت ورد داعية لهما بتضرع (ربنا يباركلي فيكم ويحفظكم)
أبعدها حمزة قائلًا(طيب أوعي أنا أمي وحشتني كمان) عانق والدته قائلًا بمرح (وحشتيني يا ورد كدِه تسيبيني للبجرة دي تطلع عيني)
هتفت خالته من خلفهما متأثرة (اجعدوا يا حبايبي نورتوا)
جلست ورد ليمسك بها حمزة من ناحية وسكن من ناحية، جاء هيما من الخارج قائلًا (العريس هنا ليه أمال أنجزت المهام بدري ولا زهجت)
نهض حمزة ودفعه محذرًا (اكتم)
أمسكه حمزة من أذنه يسحبه قائلًا بتحذير (ولا كلمة)
استنجد هيما بورد متوسلًا (قوليله يسيبني)
لامته ورد وهي تمسك به (سيبه يا حمزة)
تركه حمزة قائلًا بتهديد وتحذير (اترزع ساكت)
لوّح بذراعيه مغمغمًا بإستياء وهو ينسحب لحجرته مغلقًا خلفه بضيق.
عاتبته سكن تلك المرة (مالك بيه يا حمزة)
أشار لها لتصمت قائلًا (سبيه دجيجتين وهيرجع)
خرج هيما كما توقع حمزة جلس قائلًا (لو مكنتش بس بحبك؟ يلا)
انتقل حمزه جواره، لف ذراعه حول عنق هيما قائلًا (وإنت تجدر)
سخر هيما بتهكم مستفزًا له ( اعتبرني سكن وبوسني يا حمزاوي)
ضربه حمزة علي رأسه وهو يوجه كلماته لورد (شايفه بيجول إيه؟)
ضحكت ورد على خجل ابنها وحرجه الذي يدفعه ليعاقب إبراهيم، قالت هي الأخرى تشاكس ولدها (هو مكدبش يا حمزاوي)
عاتبها حمزة بإبتسامة واسعة (أنا مش مشكلة شوفي الي جنبك دي شوية هتختفي)
دفع حمزة هيما قائلًا (جوم يلا ساعد أمك وهات ضيافة بت خالك)
نهض هيما وتركهم ليقترب حمزة من والدته يضمها قائلًا (هتيجي معانا يا ورد)
رفعت له نظرات لائمة فقال بإصرار (برضو هتيجي معانا أنا اصلًا نازل الشغل)
تنهدت ورد بيأس وإحباط بعدما فهمت مغزى كلمات ولدها ورده على سؤالها الغير منطوق، لتضم سكن ذراع ورد مؤكدة (لو مجتيش هفضل معاكي هِنا)
ضمت ورد شفتيها بضيق، قبل أن تهمس (ربنا يسهل)
انتهت الزيارة وعادوا للمنزل، انسحت سكن بهاتفها شاعرةً بالتعب يشتد والألم يكتسح جسدها فقررت الذهاب للفِراش والبقاء به.
انعزلت ورد بولدها، جاورته متسائلة (محصلش يا حمزة؟ )
أخبرها حمزة بعدم اهتمام (لاااه)
سألته والدته بضيق امتزج بعتابها الحنون (ليه يا ولدي؟)
ابتسم ليطمئنها ثم التفت يخبرها (لسه بدري يا ورد سكن محتاجة تاخد عليا الأول وتطمن أنا مش مستعجل)
صمتت ورد منكسة الرأس بتفكير عميق قبل أن ترفع نظراتها إليه تطلب لحاجة في نفسها لا تريد اخباره بها (عيزاك تجرب وتتمم جوازك يا ولدي مفيش حاجه تمنعك والبت روحها فيك مش هترفض)
أوضح بهدوء (سكن مش عارفه حاجه يا ورد وأنا مش عايزها تخاف ولا حاجه تزعلها أنا ما صدجت بجت كويسه، لما هحس إنها بخير هتم جوازنا)
ربتت ورد فوق ركبته هامسةً بحزن (طيب يا ولدي ربنا يختار الخير ويولف جلوبكم جوم نام جنبها )
قبّل حمزة رأسها وغادر للحجرة، ليجدها نامت منكمشة تحت الغطاء، أبدل ملابسه وجاورها أخذًا لها بين ذراعيه، ليس أحب إليه من اقترابها من اكتماله بها لكنه ينتظر لتفيق من تأثير ما فعله ومعروفه معها كما تظن وامتنانها له الذي تريد أن ترده له، ينتظر حتى تقف على أرض صلبة حينها سيطلبها، سيخيرها وهي بكامل وعيها وفي أتم عافيتها، حتى تهبه ما يريد عن رضا وقناعة ليس إجبارًا ولا أجرًا له.
*********
قرب الفجر نهضت متألمة، تشعر بالإختناق الشديد والتعب، رمت نظرة سريعة عليه قبل أن تركض للخارج لا تطيق الجلوس والبقاء جواره ،شيء ما يجذبها ويدفعها لتبتعد عنه لتترك دفء ذراعيه هاربةً لبرودة الخوف والوحشة في إجبار، كأنها مُقيدة مرغمة تنفذ همسات خافته بأذنها.
خرجت وأغلقت الباب خلفها، جلست أمام المطبخ باكية والخيال الأسود يطاردها كأنها ترى كابوسًا بعينين مفتوحتين،يلف حولها فتتبعه بنظراتها مرتجفةً الجسد.
الخربشات المتناثرة تحرقها وتشتعل مما يدفعها لإحتواء جسدها وضمه بذراعيها..
تعالت شهقات بكائها وبدأت قوتها تضعف  مقاومتها تنهار..
خرجت ورد من الحجرة متجهةً للمرحاض لتتفاجيء بها ملقاه أرضًا تشهق بفزع، يحتل الضياع نظراتها، اندفعت ناحيتها بخوف و جلست جوارها تسألها(في إيه يا حبيبتي؟)
أشارت مستنجدة من بين أناتها الغريبة بعدما استنفذت طاقتها كلها في البكاء ولم تعد تقدر سوى على الأنين (ماشي ورايا يا مرت خالي، مش جادره أنام وخايفه أصحي حمزة يأذيه)
شهقت ورد متسعة العينين تهمس بذهول (يأذيه؟)
توسلتها بإنهيار تام وضعف (خليه يمشي يا مرت خالي أنا شيفاه)
تنفست ورد بقوة وهي تضمها لأحضانها تربت عليها، قبل أن تنهض وتسحبها لحجرتها قائلة (تعالي جنبي جوا مش هيجي)
دخلت بها وأغلقت الباب سحبتها خلفها للفِراش فتسطحت سكن وتدثرت حتى رأسها، جاورتها ورد تضع كفها على رأسها تاليةً الأذكار والآيات القرآنية حتى هدأت ونامت قريرة العين مطمئنة البال في راحة
***************
في الصباح
خرج ليجدهما يفترشان الأرض ويجلسان أمام التلفاز، هتف بإبتسامة وهو يقترب جالسًا فوق الآريكة (صباح الخير)
منحته عناقًا دافئًا بنظراتها اللامعة وهي تهمس فرِحةً لاستيقاظه (حمزاوي)
قبّل رأسها ورأس والدته ثم سألهما وهو يوزع نظراته حول ما يفعلانه (بتعملوا إيه؟)
هتفت سكن بحماس طفولي وهي تريه ما صنعته (بص يا حمزة عملت إيه؟)
قطب مستكشفًا بنظراته قبل أن يشاكسها (دِه صباع محشي ولا ساندوتش يا سكن)
ذمت شفتيها بضيق غير راضية سخريته منها، لينصحها وهو يضربها بخفة فوق رأسها (بصي زين لأمي وجلديها مش عاملة صابع فايش وتجولي بص يا حمزة وفرحانة)
رمت ما بيدها فوق الصينية الدائرية قائلة بإعتراض واستنكار (إنت بتتريج عليا يا حمزة؟)
أراح ظهره للآريكة قائلًا بإبتسامة (لااه بانصحك)
نهضت واقفة تخبره بإستياء وهي ترمقه بنظرات حادة غاضبة (طيب مش هعمل)
هز كتفه مستهينًا بلا مبالاة (براحتك يبجا أحسن هي مش ناجصة سدة نِفس)
صرخت سكن ببوادر بكاء (شايفة يا أمي بيجول إيه)
ضرب حمزة ساقها بقدمة معترضًا (متجوليش لأمي يا أمي هي عمتك ومرت خالك أمك فقنا)
ضمت شفتيها مزمجرة لتهتف ورد بإبتسامة (صاحي رايج يا حمزة وهتعفرتها أكتر ماهي معفرته وشعنونة)
عاندته وهي تقف أمامه متخصرة (هجول غصب عنك وهجعد واعمل معاها ومتاكلش)
نهض واقفًا يخبرها بتهكم وسخرية (هاخدك المطعم تشتغلي توفريلي، بدل ما الواحد يطلب طبج نحطله واحدة محشي كرمب وواحدة ورج عنب هيشبع واسمي المطعم سكن للتوفير)
انفلتت ضحكاته الساخرة وهو يغادر لتهتف بتوعد وغيظ منه(ماشي يا دكتور البهايم يا كئيب ليك روجه)
عادت لتجلس أمام ورد متربعة تقضم اظافرها مفكرةً لتضحك ورد ناصحةً لها (متديهوش فرصة يضايجك اعملي المحشي ولما هياجي بالليل هو الي هيطلبه وهياكله لوحده اسأليني أنا)
رفعت نظراتها لورد مستفهمة، مشككة في كلماتها لتضحك ورد مشجعة لها (اعملي بس وبالليل لما يرجع هتشوفي وابجي جولي ورد جالت)
عادت سكن للعمل من جديد بحماس، خرج حمزة مرتديًا ملابس الخروج، لينحني ويقبل كف والدته وهو ينظر لتلك التي تحترق مكانها وتدّعي عدم الاهتمام والتجاهل، هتف ليثيرها أكثر (هتوحشيني يا أمي، مش هوصيكي متخليش بت أخوكي تكمل حشو أنا كدِه هجفل من المحاشي كلها)
نفحت بسأم من كلماته وضحكاته التي تغيظها، وحرمانها من احتضانه وأخذ قبلتها منه قبل أن يغادر،تنهدت بخيبة وضيق قبل أن تلتهي فيما تعمل وتنغمس في الثرثرة مع ورد.
***************
*في المساء بقنا *
دخلت عاليا لحجرة جدها ممسكةً ببعض أغراضها فقد اعتادت في الآونة الأخيرة المبيت بقربه لمراعاته والإهتمام بشئونه ورعايته الصحية،القت تحية المساء على جدها المتسطح فوق الفِراش (مساالخير يا جدي)
اعتدل الرجل باسمًا يرد لها تحيتها بحنو (مساالخير يا بتي)
افترشت الأرض بجانب فِراشه ككل مساء وهيأت المكان للجلوس والسمر أولًا ثم النوم أخرًا، جلست متربعة واضعة حولها بعض السناكس والمُقبلات والقليل من الفاكهة،قشرت موزة ومدت يدها بها له قائلة (خد يا جدي جبتهالك من بوجّ الأسد)
اقترب جدها بجسده وتناولها منها قائلًا (عفارم عليكِ)
تناولت طبق صغير به بعض حبات العنب تحكي له بمرحها المعهود ولطافتها وسخريتها من الأمور (نبدأ الآن نشرة أخبار التاسعة مساءً)
ضحك جدها بحشرجة لتتابع هي متسليةً متندرة على ما يحدث بالمنزل (أبويا جه مش طايج حد، مسك فأمي خناج عالفاضي، مرت أخوي أكلت كل البط الي أمي ربته فوج عالسطوح وأمي هتتجلط جريب،أخوي سعد زي جلته، وجدتي بتولول على خيبتها وحظها العِفش)
صمتت عاليا لدقائق قبل أن ترفع رأسها محاربةً ظنونها وشكوكها باليقين (جدي هو صُح الي بيحصل دِه ذنب مرت عمي ورد وحمزة)
انتبه الجد لكلماتها التي رمت حجرًا ثقيلًا في مياه الذكرى الراكدة، ارخى الرجل جفنيه قليلًا متنفسًا بحشرجة قبل أن يتنهد بوجع قائلًا (كنه صُح يا بتي وأنا مخايفش غير من وجت رد الحجوج)
اقتربت عاليا من الفِراش تستند عليه بمرفقيها هامسةً (هي أمي عملتلها إيه يا جدي خلاها مشت وهجت هي وحمزة)
ربت الجد بأنامله المجعدة فوق خدها قائلًا (شوفي مرت أخوكي بتعمل ايه مع أمك وهتعرفي، عيب البني آدم إنه مبيعملش حساب الدنيا واصل، ولا بيعمل حساب إنها دواره)
أغرورقت عينا عاليا بالدموع وهي تسأله بإرتجاف وخوف (أبوي جتل عمي صُح يا جدي؟)
تنهد الرجل بوجع حقيقي استقر في صميم قلبه ليهمس لها بنظرات شاردة (أبوكِ كان الشيطان الي وسوس ورتب)
مسحت عاليا دموعها متسائلة (هي الدنيا تستاهل نعمل فبعض كِده يا جدي)
ابتسم الجد بألم وهو يخبرها بقناعة (ولا تستاهل يا بتي بس الإنسان غرور وبينسى إن ربنا موجود وفي موت وحساب)
شاركته جزءًا من خوفها وحزنها العالق بنفسها (أنا خايفة زيك يا جدي من الي جاي)
ابتسم الجد يزيح عنها ثقل نفسها بتفهمه وحنوه
(ربنا يكرمك وتتجوزي وتمشي من هِنا، والشر بياكل صاحبه يا بتي زي النار)
مسحت دموعها ململمة ضايع أفكارها وحزنها الشريد، داعية الله أن يلطف بها، يهوّن عليها القادم إن كان قدرًا محتومًا.
عادت لجلستها مستريحة بظهرها للحائط خلفها تخبره بفكاهة (والله يا جدي إحنا حلنا الوحيد تتجوز وأروح أعيش معاك  )
زفر جدها قائلًا بضيق وامتعاض واضح على ملامحه وهو يخبرها بزهد (كرهت الصنف خلاص) طردت الحزن بضحكة عالية مؤكدة قوله (حجك يا جدي والله)
أراح الرجل ظهره للفِراش مستوحشًا الفراق(اتوحشت البت سكينة وحمزة وجعدتهم الحلوة هما ومرت ولدي وأمك واللمة)
ابتسمت بشجن مؤكدةً على قوله (صُح يا جدي والله كانت لمة حلوة تشرح الجلب)
هتف الجد بما في نفسه (نفسي حمزة يرجع ويعيش وسطينا يعوضنا غياب الغالي ويفضل مكان أبوه)
تعذرت له عاليا بتفهم (شغله ومصالحه وحاله هِناك يا جدي ربنا يجويه، بكره يخلفوا ويجبولك حفيد يفرحك)
تهلل وجهه بالبشرى وضحك كطفل يعِدوه ويمنوه فيبتهج قلبه (دِه يوم المنى)
دس الجد كفه تحت الوسادة مُخرجًا أوراق مطوية فتحها بكفٍ مرتعش مرر نظراته فوق سطورها مطمئنًا يمتع ناظريه بقراره قبل أن يمنحها لها قائلًا (خدي يا عاليا خلي دول معاكي يا بتي، دسيهم بعيد لغاية ما يأذن ربنا)
تناولتهما متسائلة قبل أن تُسقط نظراتها فوق الكلمات المصطفة قارئة (ايه دول يا جدي؟)
أخبرها بوهن وشرود (حج من ضمن الحجوج)
قرأت بصوت عالي لتُبعد نظراتها قائلة بدهشة (عجد بيع المزرعة والبيت دِه لحمزة يا جدي)
فسرالجد (البيت دِه أولى بيه حمزة يفتحه ويعمره ويخلف أبوه، والمزرعة حج يا بتي ولدي حكيم كان بيشتغل ويتعب فيها مكانش ولدي كان صاحبي وأخوي يده بيدي فكل حاجه عملناها، دا اللي مالوش حج صُح هو أبوكي)
طوتهما بعناية ثم دستهما تحت وسادتها قائلة (لو عرفوا هيولعوها حريجة يا جدي)
أخبره بحزن عميق (لما أموت أبجا يعرفوا)
سألته عاليا مفكرةً(حمزة هيرضى يا جدي ياخدهم)
ابتسم الجد بشجن قائلًا (ربنا يهديه ويمكن وجتها يكون الحال اتغير ويرجع يستقر هِنا)
قهقهت عاليا قائلة  (جدتي لو عرفت هتعمل منِك شاورما)
لوّح الجد بإمتعاض وقرف مستهينًا  قبل أن يتذكر ويضحك قائلًا (هكون موت خلاص ومش هتلحجني)
هتف الجد بحماس وملامحه تزهر بنضارة الرغبة (عندك رصيد اكلم حمزة يا بت؟)
ابتسمت وأخبرته ببشاشة ورضا محققةً له رغبته (أيوة يا جدي أرنلك عليه؟)
دبت العافية في جسده ورمى الدثار متحركًا لحافة الفِراش يشير لها بلهفة (أيوة كلميه يلا)
نقرت فوق الهاتف موافقة (ماشي يا جدي)
ما إن جاءها صوت حمزة حتى أعطت الهاتف لجدها الذي هتف بلهفة وشوق (ازيك يا واد الغالي)
**********'' ''
عاد مبكرًا من عمله، دخل ينادي والدته أولًا كعادته حين تطأ أقدامه أرض المنزل كأنها هي المنزل،صوتها يُرسي دعائمه وركائزه ويُبنى البيت داخله وحوله، أمانه وسلامه يتلخص في رؤيتها أمامه تبادر بإستقباله(ورد)
هي عدته وعتاده زخيرته وقت الحرب وكل ما يملك في دنياه، في استقباله لم تكن وحدها بل كانت الأخرى السكينة والسكن للمنزل، الجزء الناقص في حياتهما والمتمم، ألوان الطيف في سماء قلوبهما (تعالى يا حمزة)
جاور والدته يضمها مشتاقًا، يقبل رأسها بكثرة قبل أن يبتعد ويرمق الصغيرة المنزعجة المتصنعة مدعية الخصام (ازيك يا سكن)
أشاحت عنه في ترفّع وهي تهمس بنبرة غير مهتمة (تمام)
سألته والدته بحنو ولطف (جيت بدري يعني؟)
رمى نظراته تجاه الجالسة قائلًا بإبتسامة رقيقة (جيت الحج المحشي جبل ما سكن تخلصه)
قالت بضيق من كلماته (حد جالك مفجوعة)
ربتت ورد فوق ركبته قائلة وهي تنهض واقفةً (غير هدومك يا ولدي وأنا هجهز العشا)
قامت سكن بكبرياء، وهي ترمقه بنظرة مستهينة، سحبها من ذراعها لتسقط فوق فخذيه فيحيطها بذراعيه هامسًا (سكني عاملة إيه؟ موحشتهاش انهردا ولا إيه؟)
رفعت رأسها في صلابة وشموخ، وهي تهتف هازة كتفيها بلامبالاة (لااه)
لثم خدها معترفًا بتنهيدة (طيب إنتِ وحشتيني جوي ومجدرتش اكمل ورجعت بدري)
رفرف قلبها بين جنباتها حبًا وعشقًا وشوقًا، ابتسمت لكن سرعان ما محتها
وهزت كتفها مرة أخرى تخبره بجدية (عادي براحتك)
انحدرت نظراته لساقيها قائلًا في سخرية واستياء (بتلبسي الحاجات دي لأمي وأنا لاااه)
وانتبهت لما ترتديه ويقف فوق ركبتيها بقليل، فشهقت بخجل وهي تخبره ببراءة (خدت عجلي يا حمزة ومركزتش)
لثم خدها مرةً أخرى ضاحكًا، يسألها (كنتِ هتغيِريه ولا إيه؟)
تملصت من بين ذراعيه، تململت تريد الهرب، لكنه أخبرها (بوسة وهسيبك)
منحته واحدة سريعًا ففك أسرها وتركها تركض للداخل لمساعدة والدته في إعداد العشاء.
بعد دقائق كانوا يلتفون حول السفرة الصغيرة، بحث حمزة بشوكته في أطباق المحاشي بإهتمام وجدية، نظرا كلًا من ورد وسكن لبعضهما قبل أن تسأله والدته بدهشة واستياء من فعلته الطفولية(مالك يا ولدي بتدور على ايه؟ بوظتلنا المحشي)
أجابها وهو يتابع البحث بنظراتها (عايز الي عملته سكن، بدور عليه عشان أكله راح فين؟)
قهقهت والدته بينما كتمت سكن ضحكاتها على ما قال والذي وافق قول والدته صباحًا وتنبؤها
رفع نظراته متسائلًا وهو ينقل نظراته بينهما وجهيهمًا مستشفًا (في إيه؟)
سحبت ورد إناء مغطى من جانبها وقدمته له ضاحكة (خد كنت عامله حسابي وسويته لوحده وعارفه هتسأل عليه وجهزتهولك يا جلب أمك)
سحبت سكن من أمامه الإناء معترضةً في عناد (هات متاكلش منه بعد ما اتريجت)
أمسك به معترضًا في عناد (سيبي يا سكن لو خدتيه مش هتعشى وهجوم)
حركت كتفها بعدم اهتمام ولا مبالاة مستخفة بقوله (عادي براحتك)
نهض متزمتًا بطفولية، رماها بنظرة أخيرة حانقة وغادر للداخل ، جلست محبطة حزينة تلوم نفسها وعنادها، تنفخ بسأم فطمأنتها ورد بحنو وتفهّم (شوية وخديله الوكل ووكليه)
بقيت حتى انتهت ورد ولملمت معها الأطباق ثم جهزت صينيه ودخلت بها الحجرة وضعتها أرضًا واتجهت ناحية الفِراش هامسةً بدلال (حموزتي)
تجاهل همسها، وتابع النقر فوق هاتفه بعدم اهتمام؛ التصقت به معاتبة (ما إنت زعلتني الصبح ومتكلمتش يا دكتور البهايم )
سألها ببرود (ايوه وعايزه إيه؟)
أراحت رأسها على ذراعه هامسةً (اتعشى معايا أنا متعشتش)
نفض ذراعه لتبتعد عنه لكنها تشبثت بها فهتف بفظاظة (ابعدي مش عايز اتعشى)
نهضت واقفة، ذهبت للصينية والتقطت طبق المحشي وجاورته من جديد قائلة (لاااه يا حمزاوي ميهونش عليا زعلك ولا تنام من غير عشا)
صمت متجاهلًا لا يهتم، فهمست (المحشي بتاعي بايظ يا حمزاوي وشايط عشان نسيته، أنا رحمتك على فكرة)
غرست الشوكة بواحدِ وقّربته من فمه قائلة بمرح (هوكلك اهو فرصة مبتتكررش يا حمزاوي)
طالعها بنظرة مشتعلة بالعشق وهو يهمس أمام فضاء عينيها (ربنا يخليكِ ليا سكن وتتكرر مرة وعشرة)
تناول بشفتيه ملتهمًا متلذذًا وهو يطلب (وكليني بيدك مش بالشوكة هيبجا أطعم)
تركت الشوكة ورفعت أنامل ممتلئة بالمحشي، فتناولها وهو يسأل بضحكة(وورد عاقبتك كِيف؟)
مالت بجسدها قليلًا تخبرها بإمتعاض وانفعال (تصدج جبرتني اقرأ كتاب علم نفس يا حمزة)
ضحك قائلًا وهو يرفع أناملها لفمه ويتناول منهما الطعام متسائلًا بإستمتاع (وخلصتيه؟)
همست بخفوت أمام نظراته الملتهمة لها بشغف (قرأت شوية ومستنياك تكملي الباجي ياحمزاوي زي كل ليلة)
تاأوه بصوت عالي وهو يمنحها تلك المرة الطعام بفمها (آه بتصالحيني عشان تستغليني)
عادت لإطعامه قائلة بحماس شديد وضحكة منتشية (بدأت أحب الموضوع عشانك وشكلي هحب القراءة)
انتفض يسألها مضيقًا نظراته على وجهها (سكن اوعي تكوني بتجصدي تتعاقبي عشان اقرألك؟)
مالت توشوشه في أذنه بمرح وطفولية (أيوة ومتجولش لورد يا حمزاوي أنا خلاص أدمنت صوتك)
#انتهى

ملاذ قلبي سكن Where stories live. Discover now