♥الثاني والأربعون ♥

2K 88 51
                                    

🌹الثاني والأربعون 🌹

صَلُّوا‬⁩ ⁦‪عَلَى‬⁩ ⁦‪مَنْ‬⁩ عَلّمَنَا اَلْحُبَّ
وَآخَى الْقَلْبُ بِ اَلْقَلْبِ
وَفتَحَ لِلْخَيْرَاتِ كُلُّ دَرْب
صَلُّوا‬⁩ ⁦‪عَلَى‬⁩ ⁦‪مَنْ‬⁩ يُنَادِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ أُمَّتِي أُمَّتِي
اللهم صلي وسلم وبارك على سيدنا محمد

****
استيقظ من نومه  مذاق روعة الحلم يستقر في نفسه فيزيدها رغبة في القرب راكلًا كل شيء لا يفهم ولا يعي شي سوى أنه يريد القرب منها.
هي وحمزة ليسوا على وفاق طريقهم يمتلئ بالحفر وتعيق سيرهم العقبات والأزمات، ما فهمه منه أنهما غير متفاهمين ولا تخلوا حياتهما من الهم والمشاكل، إن كان فراقهما وشيكًا لما لا يحل هو محله، ربما تكون فرصته معها أكبر وأفضل منه..
نفض رأسه بغضب من منحنى أفكاره ووسوسة الشيطان له، تخلل بأنامله منابت شعره وهو يدور في الحجرة كالسقيم الذي يئس الشفاء ويحوم حوله الموت.
منذ وقع بصره عليها وهو يشتهيها كما لم يفعل مع أي أنثى، يتعذب بصورها التي التقطتها لها عيناه واحتفظت بها في ذاكرته ليتعذب كل يوم ويحترق، لا يعرف لما هي من الأساس التي حركت قلبه هكذا، واحتلت تفكيره وتربعت على عرش أحلامه، لا يعرف الكثير عنها، عاد بها حمزة وأخبره أنه تزوجها أخيرًا متجاهلًا الكيفية والتفاصيل، أسقط المعلومات وأكتفى بأنها سارت ملكه وله ، يوم عن يوم يُسقط حمزة الكثير عنه ما يخص علاقته بها وحياتهما ،  فقط بعض الأخبار المختصرة والمعلومات القصيرة غير الواضحة التي عرفها صدفة حينما جاءت للمطعم راجية تتوسله تطلب الغفران وتستجدي الحب.
حاول المضي قدمًا والتجاهل ونزعها من أفكاره وخيالاته حتى جاءت لتعمل معهم ونال النصيب الأوفر من رؤيتها والقرب منها ومراقبتها..
شهية كقطعة حلوى، لاذعة كليمون وناعمة كقطعة شيكولا، تنشر الفرح حولها وتسلب القلوب بعفويتها وبراءتها، ثرثرتها تغني عن العالم وضحكاتها فضاء واسع من الأماني، كل يوم يذكّر نفسه بأنها زوجة لأعز أصدقائه يتخذ القرار بأنه لن يقترب منها وسيبتعد؛ ليجد نفسه تغوص أكثر في تفاصيلها ويستمتع بمراقبتها، لا يكتفي من النظر إليها ولا يمل من ثرثرتها الفارغة الطفولية.
كلمات هند كانت ناقوس خطر استمع له في حالة سكر فظنه موسيقى، كلماتها وصلت لعقله غير المدرك إلاها ورغبته التي تتضخم، التنيه هذيان فارغ وصرخات لا يعرف هويتها ولا مقصدها،
فض رسائل حمزة وتجاهلها كما يفعل، تركها معلقة دون رد وانشغل بوسوسات شيطانه.
***********
جلس هيما جوار خالته يطمأنها قائلًا (روحت وشوفتها هي تمام)
هتفت بنرتها المهتمة في قلق إحتل ربوع قلبها (كويسة يا ولدي؟)
طمأنها هيما بمرحه ومزاحِه ليخفف عنها ما تعانيه (زي القردة ولسانها لسه مترين)
ابتسمت ورد في إطمئنان وراحة قبل أن تسأله بتنهيدة همّ فشلت في مداراتها (هي وحمزة متعاركين يا هيما؟)
لوى هيما فمه منزعجًا يخبرها بضجر من أفعالهما وشجارهما الذي لا ينتهي (أيوة شكله كده، وبيجول أنه هجدد عقده بتلت شهور كمان ومش نازل)
تنهدت ورد بقلة حيلة وهي تخبره بهزيمة مما يفعلانه (هجول بوووو من عمايلهم والله كل واحد راكب دماغه ومعدتش فهمالهم ولا فيا حيال يا ولدي)
اقترح هيما بنظرات حماسية  (بقولك إيه يا خالتي ما تجبيه على ملا وشه، واحبسيهم أسبوع اتصافوا خير وبركة ارتحنا، موتوا بعض خلصنا منهم وبرضو ارتحنا)
ضحكت ورد وهي تضربة بخفة في لوم (الله يحظك يا ولدي)
مط شفتيه قائلا بإمتعاض واستياء (يا خالتي وربنا هتشل طول اليوم يشيروا لبعض أغاني ويكتبوا كلام من الي بيدوخ وأنا إيدي ع اللايك لما وجعتني.. مبعملش حاجه فيومي غير أتابعهم وأعملهم إعجابات)
قهقهت ورد من كلماته وتعبيرات وجهه على ما يفعلانه، ليتابع هيما بغيظ (ما يتكلموا ويقولوا البوقين دول لبعض  وبعدين إحنا مش هنخلص من الخناق دا) زفرت ورد قائلة بيأس (ربنا يهديهم) أمسكت ورد كرات الصوف الملونة وبدأت في عملها بإهتمام وعناية
نظر هيما لما تصنعه خالته بحب، ثم سخر بيأس من حماسها وأملها (بتعملي لعيالهم؟ طموحة أنتِ يارب ميتطلقوش)
عاتبته بنظراتها وملامحها التي تجعدت بالحزن وهي تهمس راجيةً له (متوجعش جلبي يا هيما واستبشر زيي ربنا يهديهم لبعض)
شعر هيما بالآسف لما تركته كلماته في نفس خالته من حزن وخوف ليقترب ويقبّل رأسها معتذرًا (متزعليش يا خالتي مقصدش والله بإذن الله يرجع وتشوفي عيالهم ولو إني أشك برضو) همسها خافتة وهو يرمقها بنصف نظرة مترددة لتزجرة ورد بنظرة معاتبة وتأفُف غارق في الضيق فيضحك ويمسك بكفها مقبلًا له في آسفٍ ومرح. تركت كرات الصوف وأفصحت له بوجع وهمّ يغشى قلبها كسحب قاتمة (تعبت يا ولدي عايزه أشوفه مرتاح ومتهني ويفرح بخلفته هو أنا ليا غيره والعمر بيجري هو مش صغير)
هتف هيما بمزاح يخفف به عليها (ما تجوزيه واحدة تانية تكون عملية وتخلص هتجبلكم العيل فشهرين إنما سكن دي عفريت يطلع عفريت يدخل وشوية عايزة تتربى، وشوية محايلة ومُحن اسمعي يا خالتي ابنك عايز واحدة متهورة)
ضحكت ورد مؤكدة مشاركة له مزاحة(صُح يا ولدي بس هجول إيه بيحبها وهي بتحبه)
جعّد هيما ملامحه بغير رضى قائلا (يلا أما نشوف أخرتها)
اقترح هيما ونظراته تشتعل بحماس (ما تسفريهاله؟)
ضيقت ورد حدقتيها بتفكير عميق بعدما لاقت الفكرة استحسانها، تناقشه (ياريت بس الورج والتأشيرة)
ناقشها بجدية متحمسًا هو أيضًا للفكرة (شوفي هند يا خالتي) ثم قال متمنيًا (يارب ينفع حمزة هيفرح قوي)
قالت ورد بتفكير وبسمة متألقة والفكرة تختمر في رأسها، متخيلة رد فعل ولدها ولو تيسرت الأمور وفعلتها.
********
سألها عمها وهو يراها تجلس متربعة أمام طبقًا من الشعرية سريعة التحضير (عاملة إيه النهاردة يا بت الغاليين؟)
ابتسمت لقوله الذي دلل نبضات قلبها ومنحها السعادة والفخر، أجابت بحيوية وعافية أخذت طريقها لوجهها النضر (الحمدلله يا عم فأحسن حال)
نظر لما تتناوله معترضًا بضيق (مش هتبطلي تاكلي الشعرية بتاعتك دي؟)
هزت رأسها برفض والضحكات الرائقة تتعلق بثغرها (لاااه بحبها)
سألها بإهتمام ونظراته تتجه لهاتفها المستكين بصمت جوارها (مكلمتيش حمزة؟)
سحبت ضفيرتها لتستقر فوق كتفها قائلة (لااااه مبجاش ينفع في التليفون لازم يرجع ويبقى الكلام في الوش)
هز رأسه موافقًا مستحسنًا قرارها لكنه نصحها برفق (زين بس بس فهميه كدِه متسيبهوش لدماغه تودي وتجيب والمسافة بيناتكم تكبر)
أمسكت بهاتفها قائلة في اختصار  (خليها على الله يا عم ربنا يهدينا)
ابتسم بقناعة ورضا وهو يربت بحنو فوق كتفها داعيًا لها بصلاح الحال.
نهضت في استعداد تلف حجابها قائلة (هروح أطمن على ورد وحشتني وأرجع )
هز رأسه موافقًا ونظراته تتوهج ووجهه يضيء كأن في اسمها عقارًا يمنح حيوية الصبا يعيد تألُق الشباب ،ابتسمت لإهتزاز جسده الطفيف ونظراته اللامعة،انحنت تهمس بشقاوة فاضحةً من ناله من الشوق ( الاسم وحده رجعك شباب طب والشوفه ياعم؟ ورضاها؟)
تعلقت نظراته بها يمرر على خاطره كلماتها ويتخيلها بمذاق الاسم الذي نُطق للتو لو كان للرضا مذاق لقال أنه أعظم نكهة نفشل العمر كله في طهيها جيدًا على نيران الصبر،لا نمل التكرار ونسعى جاهدين لضبط مقاديرها، هو رجل نال المذاق وتنعّم به، قدور صدره تمتلىء به على الدوام لكنه يتمنى رضًا برائحة الورد، سكن كانت الطبخة التي أوقد عليها ليناله لكنه حصل على شيئًا آخر طعمًا فريدًا لأبوة ضائعة بعد جوع شديد للونس
لكنه مازال ينتظر ذاك الذي بمزاج الورد ورائحته.
أرخى أهدابه متهربًا يخبرها بحشرجة (لما تشوفي حمزة وبعدها لو إلتجينا أوصفيلي أنتِ)
أغرورقت عيناها بالدموع هامسةً مستشعرة لذة الوصول وقد جربتها مرارًا (رضا حمزة وشوفته من نعيم الدنيا يا عم)
منحها دعواته وهو يصرفها بإشارة من يده(يلا الله يحرسك يا بتي ويسلم طريجك)
انحنت تقبل رأسه في تقدير عزيزًا عليه لطيفًا على قلبه، انتفض جسده مصعوقًا من فعلتها العفوية  كأن شفتيها لامست قلبه العليل، فعلتها العفوية أضاءت ما أظلم في روحه وأخذت بمجامع ضعفه وانكساره، هتف ما بين الدهشة والامتنان (واه يا سكن يا بتي على جلبك الحلو)
جلست على ركبتيها أمامه تهمس والدموع تطفر من عينيها (ربنا يديمك ليا يا عم وميحرمنيش منك أبدًا)
أغمض عينيه منهزمًا بمشاعرها القوية الصادقة مرتجف الجسد فربتت على كتفه متفهمة وغادرت ليسمح له كبريائه أخيرًا بالبكاء هو رجل أثقلته الهزيمة وأخذت بهامته الخسائر واليوم ينتصر ويفوز بقلبٍ ماسي جميل منحه شعور  الأبوة وصالح بطمأنينتها وضحكتها ماضيه وحاضره.
على بعد أمتار قطعتها مغادرةً لمنزلها
لمحت حسن يقف أمام سيارته في تردد، يتطلع حوله مفتشًا برغبة لم تعرف كنهها، تعجبت قليلًا لكن سرعان ما تجاهلت فسيبقى حسن غير ذي عوج أو شخصًا تخافه، صديق زوجها المقرب وإن كانت تشعر ناحيته بنفور غريب وبعض الضيق أحيانًا الذي تتعجب له ولا تعرف سببه، هي تحب كل ما يحب حمزة وتقدر الأقربين منه لكن حسن به شيء غامض يرهبها أحيانًا ويجعلها تنشيء الحواجز ولا تمنحه حديثًا برضا أو معاملة لطيفة بطلاقة، متحفظة دائما
اقتربت منه مبتسمة بتكلف تلقي بتحيتها (إزيك يا شيف حسن؟)
رفرف قلبه بين ضلوعه بفرحة وهو يستدير قائلا ببسمة واسعة وراحة تخللت ملامحه (إزيك يا سكن؟)
بادلته الإبتسامة بأخرى مُرحبةً استلتها من حقائب المجاملات (الحمدلله إزيك أنت؟  بتدور على حد ولا إيه؟)
حك أنفه قائلا بحرج نابع من تأنيب ضميره الدائم له (لا أبدًا كنت جاي أطمن عليكم ومحرج أطلع)
أشارت له بتفهم (طيب اتفضل فوج مفيش إحراج أمي هتفرح بشوفتك)
تراجع في رغبته الكاذبة متعللًا (خلاص مش مهم اهو أطمنت عليكم)
إعترضت مجاملةً له متمنية أن يرحل وتنتهي تلك الوقفة التي تجذب أعين المارة وفضولهم (لا أزاي أنت مش غريب وأمي هتزعل لو مشيت ومسلمتش عليها)
إبتلع ريقه بإرتباك محاولًا الهرب منها وفك قيود إصرارها فيكفيه أنه رأها  (لا لا بلغيها سلامي وخلاص)تهرب بالسؤال وهو ينظر حوله بقلق غريب
(ليه مبتنزليش الشغل؟  ) ثم رفع نظراته متأملًا وهو يسألها بقلق (أنتِ كنتِ تعبانة يا سكن وشك تعبان ؟)
أجابته نظرتها الحادة الرادعة لسؤاله الجريء الذي تخطى ما بينهما من حواجز،لتعقد حاجبيها في ضيق نفضه عنها بسؤاله المرتجف المُلحّ عليها  (مش هتنزلي تاني المطعم ولا إيه؟)
لم ترتح لأسئلته الكثيرة واهتمامه المبالغ فيه لكنها رجحت أن يكون ذلك نابعًا من صداقته الشديدة لحمزة فلن يكون غير ذلك، حمزة يعتبره أخًا ويثني عليه وهي نثق في رأي حمزة، فلتنفض كل تلك المشاعر المتوجسة منه وتركن سوء ظنها وشكها بعيدًا الآن
نظرت له قائلة بسخرية من نفسها (ياعم أجي إيه كنت مبوظالكم نص الخامات)
ضحك وهو يخبرها بلطف وحنو بالغ (ولا يهمك ارجعي وبوظي براحتك كلهم بيسألوا عليكي وباعتين لك السلام)
ابتسمت بإمتنان وشكر (سلم عليهم كلهم بإذن الله أنزل تاني)
زفرت بقلة صبر وهي ترى المارة يرمقونهما بتساؤل وتكهن  (تعالى يا شيف حسن مينفعش الوجفة دي تعالى أشرب حاجة)
فتح باب سيارته وأخرج منها صندوقًا ومنحه لها بإبتسامة جذابة قائلا (جايبلك حاجة بسيطة)
قطبت مستفهمة والرفض يلوح في نظراتها مستنكرة فعلته (إيه دِه؟)
أجابها ونظراته ترجوها القبول (هدية)
ارتدت قناع الجدية والحذر وهي تسأله (بمناسبة إيه؟)
غرس أنامله بين خصلاته قائلا بإرتباك (من غير مناسبة عادي دا طبق حلو هتحبيه بما إنك ليكِ في الحلويات)
ابتسمت بمجاملة موضحة ( آسفة والله يا شيف مكنتش حابة أكسفك بس ملوش داعي ومش هجبله )
هتف محاولًا معها (طيب خديها دوقيها وقوليلي رأيك )
ضمت شفتيها بضيق من إصراره، لتهتف ببعض الحدة والجدية (لاااه شكرًا ليك، هتتفضل ولا أطلع أنا يا شيف)
لملمت الخيبة ابتسامته فقال بحرج (لا شكرًا يا سكن، آسف لو ضايقتك)
تجاهلت ما قال وتخطته قائلة غير مهتمة بحدتها  (مفيش حاجة عن إذنك)
تركته وصعدت للأعلى، نافضة من ذهنها ما حدث للتو غير مفكرة فيه ولا تترك له مساحة ليشغل فكرها الممتلئ بحبيبها الصامت في انتظار لقولها وإجابات أسئلته
************
عصرًا
جاء هيما فاستقبلته بوجهها الملطخ بالبن، ضحك هازئًا منها (مالك شبه فنجان القهوة كدا؟ )
لوت فمها ممتعضة من سخريته،متجاهلة سؤاله في ترفّع ونظرة زاجرة ليسأل هيما خالته (بت أخوكي مالها؟)
أخبرته في يأس من عنادها ورأسها الصلد (بتسفّ في البن بتاع حمزة)
ضحك إبراهيم قائلا (يا جمالووووا، إدمان؟  لا للمخدرات)
لكزته ورد رادعةً له قبل أن تعلّق نظراتها بها هامسةً بأمنية قلبها(يا ما نفسي يتهدوا ويرجع يعملها فرح ويفرحها)
جلست سكن منكبة على فستان أختها بينما انشغل هيما بالثرثرة بأُذن خالته وموافاتها بتفاصيل ما يحدث في العمل لتطلق ورد تنهيدة هامسة (ماشي يا هيما)
شاكسها هيما(أنا شغال مخبر ليكِ ولولدك)
قطبت ورد متسائلة (حمزة بيسألك عن إيه؟)
أخبرها بمصمصمة شفاه (عايز يعرف بيقولولها إيه عن مرام)
رفع هيما هاتفه وهو يصدر صفيرًا بفمه لسكن لتنتبه فقال (إلبسي الطرحة يابت وريني)
ضحكت بشقاوة وهي تنهض فورًا تلبي رغبة نبتت بنفسها قبله، وضعتها على رأسها وثبتتها وبعدها مالت قليلًا في دلال ليلتقط لها العديد من الصور بوقفات مختلفة ثم أرسلها لزوجها متعمدًا
***********
في اليوم التالي
عادت للعمل مع هند متجنبة حسن قدر المستطاع، كلما رأته تشعر كأن غرابًا كالذي كان يقف عند نافذتها بقنا ويوقظها بنعيقه البائس المحذر، ينعق الآن في أُذنها ويحذرها كلما وقعت نظراتها صدف على عيني حسن المهتمتين على الدوام، أنهت عملها وخرجت قليلًا مع بعض زملائها وقفت معهم تحكي وتثرثر بحساب،اقترب حسن مقتحمًا، نظراته مسلطةً عليها،تتحرك مبتعدة عن مجال رؤيته فيتبعها ويتشارك معها الحوار والمشاكسة التي يريد بها رضاها، وقبولها البقاء لا الهرب كلما رأته في محيطها
جاب جلال بنظراته أركان المكان وزواياه، فتش حتى عثر على حسن... وقف جلال مكانه متجمدًا، مستمتعًا بما يراه أمامه، ينظر إلى حسن كصقر متصيدًا ضحكته الرائقة ونظراته اللامعة التي تخص تلك الواقفة أمامه، مشاكسته لها وحنوه البالغ في معاملتها، أصراره على الوقوف قريبًا منها كلما تحركت مبتعدة
اقترب منهم ملقيًا التحية يسجل كل ما تقع نظراته عليه منهما
(السلام عليكم)
إستدار حسن محتفظًا بضحكته التي تحولت على الفور حين رأي جلال، بهتت وإستقرت الجدية على عرش ملامحه التي شابها بعض الزعر والضيق  (وعليكم السلام)
همسها بتوتر ونبرة باردة وهو يكتم تأففًا حارق. لكنه سلّم عليه بترحاب شديد رغمًا عن رغبته، ليسأله جلال ونظراته تركض للواقفة المنشغلة بالحديث مع الباقين(المدام؟)
ارتبك وتوتر، هربت نظراته إليها بأمنية خفية وحلم، ليقول بإحباط ويأس ملأ صدره  (لا دي سكن مرات حمزة يا جلال)
ضاقت نظراته، واندهش.. هتف محتفظًا ببروده الظاهري وثباته الإنفعالي، يحرج الآخر موّصلًا له استياءه مما يحدث بتهكم (غريبة من نظراتك ليها ومعاملتك فكرتها مراتك يا حسن)
وصلها صوته حين اقتربت منهما ونطق  اسم بحمزة، نُطق اسمه كان كفيلًا أن تنتبه لما يقوله هذا الواقف انحسرت ابتسامتها ، رمقت الواقف مفرقعًا كلماته فوق رأسيهما بذهول، محملقة تنقل نظراتها بينهما مستوعبة ما نطق به وأعادهما لكارثية الإدراك وعظيم ما قال فجأة بهزة عنيفة
هتفت بحدة مملوءة بالفخر (أنا مرات حمزة يا حضرت) قالتها تصحح وضعًا لا يليق بها
تنفس حسن بقوة مسيطرًا على انفعاله الذي لاحظه جلال ولم يستسيغه وأثار غضبه وضيقه، يرسل إليها توسلًا خفيًا ركلته فسأل جلال وهو يتابعهما بفطنة (وفين حمزة يا بقا يا مراته؟)
تقدمت قليلًا عاقدة الذراعين في كبرياء تخبره (حمزة مسافر)
وضع كفيه في جيبي بنطاله متسائلا بسخرية(لما مسافر أنتِ نازلة ليه؟)
أجابته بإرتباك(عادي دا شغله ودول أصحابه)
نظر للواقف خلفها بنظرة حارقة تفاداها حسن بإشاحة لرأسه في غضب مكتوم ليعود إليها ببصره ضاغطًا حروفه (تمام)
استدار في استهانة وضيق لتستوقفه بعرضها(ممكن أرن لك عليه لو عايزه أو أكتبلك رقمه)
توقف جلال مرة أخرى جاب ملامحها المتوترة بحزن بنظرة ثاقبة  قبل أن يبتسم ويخبرها (ماشي أكون شاكر بس ياريت تستنيه لما يرجع وبعدين إنزلي)
ثبتت قبعتها بعفوية وإبتسامة باشة وهي تخبره بموافقة (تمام شكرًا ، استناني دجيجة، هجيب لحضرتك الرقم)
هز رأسه بإماءة بسيطة لتغادر هي وتبقى نظراته مسلطة على حسن المرتبك الذي خشي المغادرة خلفها وبقي مكانه يهرب منه في ضيق وإنزعاج.
عادت بعد قليل منحته ورقة مطوية، ليفتحها ويطالع الأرقام بسرعة ثم يشكرها بإبتسامة ودودة (شكرًا)
عادت للداخل ليلحق بها حسن مستفسرًا بفضول لتحرجه قائلة (متشغلش بالك يا شيف)
رمت كلماتها كسهام مسمومة وغادرت للمطبخ لاعنةً، بدأت تشعر بأن الأمر جلل نظرات حسن تجاهها ومعاملته المختلفة لها ليست عادية كما ظنت بل صح ظنها فيه، يخصها بالنظرات ويستثنيها بالقول والفعل، يقترب منها ويكثر الحديث معها.. ابتسامته حملت لها أشياء مرعبة انغرست في صدرها كأشواك، سؤاله عنها الدائم يضرب داخلها جرس إنذار حاد ونزولها المطعم أصبح يحمل لافتة احترس خطر.
قول جلال نبأها أنها ليست وحدها من تلاحظ وأن أمر الصديق أصبح مكشوفًا
عافت نفسها الغداء، دفعته بعيدًا في شبع وزهد، أوجعتها كلمات جلال هذا،شعرت بالذنب أنها تجاهلت حسن وما يحدث منه واستمرت في المجيء للعمل، لكنها أحسنت الظن به وظنت ما تشعر به هواجس أو محض خيالات لكنها يومًا بعد يوم تتأكد لكن كيف له أن يخون حمزة أن يستبيح النظر لها هكذا ويترك مشاعره تقوده وتطغي على صداقة العمر،  خلعت مريولها ورمته بعيدًا ونهضت مقررة الذهاب دون عودة، لن تبقى حتى يزداد الأمر سوءًا ويخترق سهم الغدر قلب حبيبها
لن تكون لقمة سائغة بتجاهُلها لحسن، لن تكون طعنة غافلة غادرة لزوجها أو سببًا في تدمير صداقتهما، حمزة يكفيه ما ينال منها وما يعانيه
دفنت كل أفكارها في بئر بعيد داخل روحها ونهضت مقررةً المغادرة.
أثناء خروجها قابلته قطع عليها طريقها متسائلا (رايحه فين)
نهرته نظراتها التي تطاير منها شرر الغضب، لتجلده بسياط لسانها (وأنت مالك مروحة)
إبتلع ريقه متفاجئًا من عواصف نظراتها إحتمى خلف ابتسامة بائسة مرتجفة وهو يسألها بصبر (استني أوصلك أو لما يجي هيما أو قولي لهند )
رمقته بنظرة حانقة ووجه ممتقع وهي تتخطاه قائلة(لا شكرًا هعرف أرجع)
وقف مكانه لا يجرؤ على إيقافها ثانية ً أو الضغط عليها شي ء ما تبدل بعد كلمات جلال، ربما أوقظ معرفتها النائمة في غفلة.
صرخت مآقيها بالدمع،نثرته كلؤلؤ على خديه في إنكار لتلك الخسارة التي ستكون هي سببًا فيها، استقلت سيارة للمنزل لكنها لن تذهب لورد الآن حتمًا ستكشفها أو ستنهار هي وتخبرها 
أو ستقرأ صفحات نفسها كما تفعل دائما،  لذا إختارت أن تذهب لعمها بعدما راسلت ورد وأخبرتها بذلك.
فتحت باب الشقة بعدما رنّت الجرس ودخلت منادية ًعليه في استنجاد، جلست أرضًا بعدما تأكدت من خلو الشقة منه تنتظر عودته
أخرجت هاتفها من الحقيبة وكتبت له توسلًا خاص جدًا حمل في كل حروفه لهفتها و حاجتها له (إرجع يا حمزة وكفاية)
قرأ وصمت، بل صمت منذ وقتٍ طويل عن عتابها ولومها، بعدما تركته يتخبط في التأويل وتدور برأسه الأسئلة كنسور جارحة تنقر بمخالبها هدوء باله وراحة نفسه، لم تجيبه حتى الآن على أسئلته تركتها معلقة حتى إشعارًا آخر وهذا أغاظه وأوجعه (هيفرق إيه معاكي؟  إحنا كدِه أحسن)
عضت شفتيها في قهر وهي تكتب له (عيزاك جنبي يا حبيبي وعمري ما هكون أحسن وأنت بعيد عني)
كتبت بحروف تقطر خيبة من نصلها الحاد،وحيرته من أفعالها تشتد(مش عارف أصدجك ولا بجيت عارفك قريبة ولا بعيدة ولا فاهمك)
كتبت بلوعة (هفهمك والله يا حمزة بس أنا ليا طلب بسيط)
سألها بإهتمامًا وصبر(طلب إيه؟)
كتبت برجاء حار ملتف بعاطفتها (ترجع ونتكلم مش في التليفون يا حمزة عيزاك جدامي إيدي فأيدك وأنا بتكلم وعيني فعينك)
سخر في فظاظة وغلظة (دي حجة؟  صح مش لاجيه رد فتهربي بأي كلام)
كتبت والهم يستوطن خافقها والعجز يصوب رصاصاته الغاشمة لروحها (لا والله يا حمزة صدجني)
نقر فوق هاتفه بعصبية شديدة محترقًا بظنونه (أصدجك أزاي؟  وأنت ولا اهتميتي تكلميني ولا تردي طنشتي وكأنه مستنيه أنسى وأرجع وخلاص)
كتبت والألم يسحقها بين فكيه (والله أبدًا بس حسيت الكلام الي هجوله مينفعش في التليفون)
كتب في عصبية (أنا بجدد ورجي يا سكن ومش هنزل دلوجت واعملي الي تحبيه واختاري راحتك وأنا تحت أمرك)
قفل باب الحديث والنقاش بينهما، أغلق على أفكاره وهواجسه بعدما فشلت كلماتها في طردها من نفسه، كلماتها التي جاءت متأخرة جدًا بعدما فقد لهفته وحماسه وملّ الانتظار .
تركت الهاتف جانبًا وإنغمست في لهيب حزنها وتخبطها في تيه واحتياج.
دخل عمها الشقة ليفزع من رؤيتها هكذا، أغلق الباب راميًا ما بيده وأقترب منها يسألها بحنو وهو يربت على رأسها بعطف (مالك يا بتي؟)
رفعت وجهها الغارق في الدموع قائلة بإنهيار وحروف متخبطة (مش عارفة يا عم)
جلس بالقرب منها محتويًا شتاتها بنظرة حانية ومازال يربت بكفه على رأسها يمنحها السكينة ويغدق عليها بالمؤازرة (روجي وجوليلي حصل إيه؟  مش كتي في المطعم جيتي ليه وليه عامله فنفسك كده؟  حمزة زعلك؟)
سلبت نفسًا قويًا من أعماق رئتيها وقالت بحشرجة (حمزة هو الي زعلان وأنا استنيته يروج بس كنت غلطانة يا عم مكانش ينفع اسيبه زي ما جولتلي  )
لامها بحنو (جولتلك يا بتي فهميه)

ملاذ قلبي سكن Tempat cerita menjadi hidup. Temukan sekarang