الفصل الرابع

53 7 4
                                    

–«أفكّر في السّفر إلى سوريا...»
غادرت هذه الكلمات شفتيّ على حين غرّة.

هشامٌ، الذي كان مستغرقًا في لعبة على هاتفه المحمول، رفع بصره عن الشاشة ناظرًا إليّ باستغراب. وإذ به يسألني باهتمام:

–«تسافرين إلى سوريا؟ لِم؟»

–«لأصدقك القول، إنّي قلقة حقًّا على أخي مؤمن، هاتفت أيمن حينما كنتُ في العيادة فأخبرني أنّ حاله النّفسية سيئة، وأنّه شبه منهار لما حدث.» وأردفتُ قائلة: «إلى جانب أنّي أريد رؤية ظروف وفاة والدتي عن كثب.»

–«ولكن هكذا فجأة؟ بعد ستة عشرة عامًا...» بدا زوجي غير مرتاح للفكرة، بيد أن ذلك لم يكن يعنيني في شيء، كنت مصرّة.

–«بربّك ماذا سيحدث، أفواجٌ شتّى من النّاس تروح وتجيئ كلّ يوم إلى هذا البلد، لم يعد الأمر يشكّل خطرًا كما كان... كما أنّني أفكر في أخذ لينا معي...»

قال وقد بدت عليه أمارات الانزعاج: –«وماذا عنّي أنا؟ من سيقوم بأعمال المنزل؟»

–«لا تضحكني، ليس وكأننا نراك أكثر من يومين في الأسبوع، ماذا سيحدث لك؟ الأزواج يرسلون زوجاتهم وأطفالهم إلى سوريا ليرسلوا لهم المصاريف من هنا، وانتَ لا تطيق أن أتغيّب شهرًا واحدًا.» ارتفع صوتي دون قصد، لقد كنت مستاءة من زوجي منذ فترة، ولم أجد شيئًا أعبّر به عن هذا السّخط الغير مبرّر.

فقال مغاضبًا: –«إذن فلتفعلي ما يحلو لكِ...» وقام من على الأريكة مغلقًا باب غرفة المعيشة بقوّة.

رائع، لقد تشاجرنا ثانيةً.

***

–«تقولين نذهب إلى سوريا؟ هذا مضحك يا أمي.»
غمست لينا أصبع بطاطا مقليّة في صلصة الطّماطم، حيث أتبعت كلامها بضحكة صغيرة.

–«وما المضحك بجاه النّبي؟ ألن توقفي سخافاتك؟ أنا أتحدث بجديّة!»

كان هذا مثالًا بسيطًا عن محادثتنا اليوميّة أنا وابنتي، ولسبب ما... كنت أحبّ ذلك، فبقدر ما كانت محادثاتي مع زوجي باردة ومملّة، فإن محادثتي مع ابنتي كانت على النّقيض تمامًا.

–«أعني يا أمّاه، ألستِ أنتِ من كنتِ تقولين أنّكِ طلقتِ سوريا بالثّلاث، وأن هذا البلد لا يستحقّ أن يُعاش فيه ثانية واحدة؟ ما بالك وقد غيرتِ رأيكِ فجأة؟»

أسندت لينا وجهها على كفّها الأيمن كمن تنتظر تبريرًا مقنعًا.

–«إنّي ما زلت عند رأيي، لم أغيره، لكن الأمر طارئ هذه المرّة... من واجبي أن أذهب وأخوايَ يقطنان هناك...»

–«هذا معقولٌ إلى حدٍّ ما، لكن لماذا تريدينني أذهب معك؟ لا أعتقد أنّه ثمّة حاجة إليّ، بل على العكس قد أعيق طريقكِ.»

–«حسنًا، في الحقيقة لم أخبر والدكِ بهذا خشية أن يعارض، لكنّه وقت التقدّيم والمفاضلة إلى الجامعات، وأنا أريد بصراحةٍ أن تكملي دراستكِ الجامعيّة، فلا أمل أن تجدي مقعدًا للدراسة هنا في السّعوديّة، هذا كلّ ما في الأمر.»

–«وهل تعتقدين أن أبي سيقبل بهذا؟ وعند من سأقيم؟» ابتسمت لينا ابتسامة ساخرة.

–«لديّ خطّة غير واضحة في ذهني بعد، لكن بكلّ الأحوال حتى لو لم نوفق إليها، أريدكِ أن تكوني معي... فوجودكِ... كي أكون صريحة... يؤنسُ وحدتي...»

عندئذٍ اتسعت ابتسامة ابنتي واستحالت سخريتها إلى تعبيرٍ لم أدرِ ما كنهه، بيد أنّي كنت قد خبرتُه من قبل عليها، أذكر ذلك جيدًا، وفي ذات الوقتِ أشعر بأنّه موقفٌ بعيدٌ لا تطاله يداي.

وقبل أن تتاح لي الفرصة وجدتُ ذراعي ابنتي تحيطني في عناق.

أغرورقت عيناي بالدّمع.

–––
٢٠٠٠ كلمة.

You've reached the end of published parts.

⏰ Last updated: Feb 16 ⏰

Add this story to your Library to get notified about new parts!

هكذا كان الحبّWhere stories live. Discover now