1 | مُحاقٌ.

128 6 152
                                    

«أتتني مريم في حلمي اليوم.»
عَلا صوتُه وصوتُ اِرتطام رجليه المستعجِلتين بكلّ قطعةِ أثاثٍ أو أداةٍ وآنية مرميّةٍ على الأرضِ.

«وكانت ميّتة، قلبُها ينزف ببطءٍ.»

مرّ من جوار نافذته وفتح بعنفٍ ستائرها المرقّعة، السّماء مصبوغة بتدرّجٍ من الأرجوانيّ للأصفرِ المُحمَرّ.
لا بُدّ من أنّ الشّمسَ تغيب.

لم يحتج لأن يفتح النّافذة ذات الزّجاج المتهشّم لكي يُهوّيَّ الغرفة، لذا مشى بعصبيّة نحو حوضه، غمس رأسه كلّه في وعاء الماء، فرّغ فيه كلّ ما به من هواءٍ كأنّما سيُغرق نفسه.
سكن قليلًا. لكنّه رفعه وأخذ يغسلُ يديه ويكرّر فعلته أعنف كلّ مرّة، مُتابعًا حديثه عبر الغرفة:

«أمسكت يدي بكفّيّها المنقوشتينِ بالحناء—» اقشعرّت يداه وتوقّف، كان عليه التّبرير: «لمستني بيدينِ باردتينِ كما هي جُثّة تنزِف! نظرت إليّ بعينين لا رُوح فيهما ثمّ أمَرتني بأن أعيش.»

توقّف واستدار لمحدّثه: «أخبِرني.»
صورتُها لا تُغادِر عقله:
«ألا يثير هذا حنقكَ كما يفعل معي؟»

لسوءِ حظّ وهج، انعكاسُهُ على اللّوحة الفضّية المعلّقة لم يردّ عليه.
واكتفى بنظرةٍ متأمّلة.

في سنة كهذه، في يومٍ صافٍ ذي ليلةٍ مُحاق، أُعلن اختفاؤها.
«كيف لها أن تجرؤ على أمري بهذا في حين أنّها ماتت اليوم، ألم تفعل؟»

لا ردّ. ليس بحاجةٍ لواحد.

لم يكن ينقص سمعته المشبوهة أن يُشاع عنه أنّه يتجوّل حاملًا صينيّة فضّية.

يستطيعُ سماعهم، يشعر بشيءِ يخِزُه من كلّ جهة، لذا حاول تجاهل النّظرات الغريبة، وحتّى أخذ طُرُقًا فرعيّة ليتجنّب الهمسات المزعجة، ورغم تعوّده على هذه المعاملة -معاملة الجِن- إلّا أنّها تزعجه اليوم بالذّات.
تنهّد عميقًا، خُطواتُه بطيئة وحِمله ثقيل. أسطرلابُه المعلّق بحزامه يضرب قدمه بتردّدٍ مُزعج، ولم يجد فُرصة لاشعال مصباحِه، نور الشّمس يتلاشى والظّلمةُ تبتلعُ ما بقي من خيوطٍ زرقاءٍ في السّماء.

ستكون ليلةً مُوحشة فالجوّ سيبرُد. وهو لم يستعدّ لهذا. هو متأكّدٌ أنّه بخيرٍ مادام داخل البلدة لكنّ ضواحيها التّي يقصد لا ترحم.
سيقتله طقسُ الصّحراء- بل ستقتُله استهانته بِه يومًا ما، إلّم يُنهِ نفسه قبل ذلك.
وضع المصباح أرضًا، ليعدّل ردائه وشاله لكي يحفظ من البرد ما استطاع من جسده المغطّى بالشّامات.
أخرج ضفيرته من الشّال، شعره مازال مبتلًّا أيضًا. سيموت من البرد اللّيلة.

تذكّر أنّه في الواقع ينتمي لجبالٍ ذات قمم مثلجةٍ على مدار السّنة، تساءل إن كان قد يصمد، لو عاد إلى هُناك يومًا ما.
يتذكّر أنّه أحبّ الثّلج. لا يذكر البرد، يذكر فقط أنّه كان سعيدًا لأنّ النّجوم أخبرته أنّ الثلج كان غُبار القمر.

آياكوز. Where stories live. Discover now