3 | شُهْب.

69 4 93
                                    

«هل حقًّا ستتركُه كما يشاء؟» رفعت عينيها الفضّيتينِ له، تبرقان بفضول. همهم واضعًا يده السّوداء على رأسها:
«آه. لا، كنتُ أُراعيه فحسب، اعتذارًا.»

لمحت لمعةً خبيثةً في عينيه، تابع بصوتٍ مستمتعٍ كالفحيح: «جرّبنا طريقة السّيّد، الآن سنختطفه رُغمًا عن أنفه.»
ابتسمت نفس ابتسامته ذات الأنياب.

-

كلّ خطوةٍ يصعدها على الدّرج أصعب من سابقتها، الجاذبية نفسها تعاكسه. صدره، رأسه وعيناه وحتّى رُوحه كلّ شيء يحمله ثقيلٌ عليه.
عليه أن ينام. وعندما يصحو سيكون كلّ شيءٍ بخيرٍ.

سيصحو ويعود لفقاعته الرّمادية وذاته التّي لا تشعر بشيءٍ.
ليس عليه أن يشعر بالنّدم ولا الذّنب، ولا تلك الغيرة المقيتة. كلّها تجعله يرى نفسه كالحشرة.
يودّ سحق تلك الحشرة، وسيحلّ هذا كلّ مشاكله.

كم السّاعة الآن؟
لا يهتمّ. فقط ليرتح. ليرتح ويأمل أن يعود كما كان، ليصبح سريره نعشًا من جديد، فالحياة صعبة جدًّا عليه.

وصل، ووجد باب حجرته مفتوحًا. اتّضح أنّه لم يغلقه بالفعل، هذا سيّء، عليه ألّا يكرّر هذا—
وضع يده على المقبض، كاد يدفعه ثمّ سمع حفيفًا في الدّاخل جمّده كالتّمثال.

كان ليكون أكثر حذرًا في العادة، لكنّه لم يفكّر هذه المرّة.
دفعه بسرعةٍ ليتعامل مع أيًّا ما كان بالدّاخل فورًا ولا يفاقم شعوره الحقير ذاك.

تناثرت أوراقٌ تمتزج مع خيوط شعاع الشّمس المتطفّلة عبر ستارته.
ضجيجٌ آخر.
وتحيّة.

«تأخّرتَ عليّ كثيرًا.»
من هذا الآن؟

جسدٌ أصغر منه. جالسٌ على كُرسيّه، بلباسٍ فضفاضٍ فاخرٍ وداكنٍ بلونِ أزرقٍ ملكيّ، قبّعة بريشةٍ بيضاءٍ وجوهرةٍ بحريّة. رِجل على الأخرى، يدٌّ تلعب بخنجر، تلفّه من حلقته بإصبع واحدٍ وتغيّر جهته كلّ دورةٍ.
استرجع وهج انتباهه من تلك الحركة سريعًا، من هذا الشّخص؟ إنّه ملثّم بغطاء رأسه فلا يرى من وجهه غير عينيه اللّوزيّتين.
النّبرة مختلفة لكن الصّوت مألوف. أين سمعه؟

«اِلتقينَا أخيرًا، يا ساكن السّماء وَهَج.»
فجأة لم يعد يمانع أيّ اسمٍ آخر.

«بعد كلّ ذلك العناء الذّي تكبّدته في البحث عنك، أكان عليك جعل المدينة تغلي بذِكرك؟»
صينيّته خلفه معلّقة في مكانها، وقد تكون أغلى شيءٍ في هذه الغرفة بالنّسبة لأيّ شخصٍ عاديّ، إذًا هذه ليست بسرقة، كان بإمكان هذا الشّخص اختلاسها والهرب. هو الهدف إذًا.
يريد أن ينام، هذا كثير، ألم يتم تهديد حياته اليوم بالفعل؟
الدّخيل -الأنيق- أمسك خنجره مقاطعًا الدّوران، وقف ووجّهه لوهج، بسرعةٍ قطعت خُصلة شَعرٍ بين عينيه تمامًا: «لكن أشكركَ، كلّ ذلك الحديث قادني إليكَ قبل الجميع.»

تراجع وهج غريزيًّا والمقتحم الوقح يتابع بكلّ جدّية:
«ولستُ وحدي، يا ساكن السّماء.»

آياكوز. Where stories live. Discover now