4 | بُهْر.

62 3 184
                                    

لم يكن قسم المُصادرة بمخفر الشّرطة المركزيّ مهتاجًا هكذا، كخلية النحل، منذ السنة الأولى بعد بناء الحدود.

رنين الاتصالات لا يتوقف، والبلاغات من الأرياف والمدن الحدوديّة تتدفّق تباعًا. رائدو القسم يتقاذفون الأوامر ذات اليمين وذات الشمال لوحداتهم، والممرات ممتلئة بالمُلازمين المُسرعين لحالة طارئة هنا أو هناك.

«في العادة الناس تقول: السلام عليكم، وعليكم السلام، يسألون عن الحال، ومن ثمّ يدخلون في صلب الموضوع. كم خطوةٍ أغفلتِ؟ أتلومينني؟ حسنًا حسنًا أخبرتكِ! سأكون بالمنزل غدًا، أسمعتِ؟ الخطوط مشغولة والقسم لدي في حالة فوضى— أتسمعينني؟»

لكن بالنسبة للنقيب رضوان، الأفضل في القسم بين ذوي رتبته، لم يكن خلل الحدود المفاجئ هذا مشكلته الوحيدة. قرّب سماعة الهاتف إليه ما استطاع، وأغلق أذنه الأخرى من أي ضوضاء تصله للمكتب. رائد القسم، ورئيسه، كان قد دلف المكتب سلفًا في خضمّ محادثته مع زوجته، دون أن ينتبه النقيب.

«على الأقلّ أخبريني بحال الصغيرة— أسميتِها؟ تمزحين! كيف لم تخبرينني؟ حسنًا فهمت، توقّفي. لكن ما زلتُ والدها وما زال من حقّي أن أسمّيها، كان عليكِ الانتظار حتى ولو كنتُ مشغولًا— يا صبر الأرض— طيّب طيّب، أيّ اسمٍ اخترتِ؟ اسم والدتكِ؟! أجادّة أنتِ؟!» رفع رضوان رأسه، ينتبه لتوّه للرائد الواقف في ابتسامةٍ واسعة تعلو وجهه مزدحم التجاعيد، ما كان له إلا أن يُغلق السماعة في وجه زوجته مُحرجًا. وإن كان جانبٌ منه شاكرٌ لتلك الفرصة كي لا "يخرب بيته".
هذا باِفتراض أنّها ستتفهّم أسبابه لإنهاء المكالمة، ومقاطعة حديثها دون إنذار.

نهض النقيب من فوره مؤديًّا التحية العسكرية ومعتذرًا، الرائد العجوز أومأ له محتفظًا بابتسامته الأولى. ثمّ تخيّر له مجلسًا قبالة طاولة المكتب العاجّة بأعقاب السجائر وفناجين القهوة، جميعهم حظوا بيومين حافلين خاليين من النّوم أو حتى العودة للمنزل.

نظّف الرائد حلقه: «قد أكون متطفّلًا، لكن ماذا سمّت ابنتكَ؟» اغتاظ رضوان قليلًا مؤكّدًا أنّه تطفّل، لكنّه ابتلع غيظه على عجل. «سلمى.» زيّف ابتسامةً. الرائد غمغم.

«اسمٌ جميلٌ، مباركٌ لك. لابدّ أنّ التوفيق بين العمل والمنزل صعب، أليس كذلك؟ لا شيء كامل، الترقيات المبكّرة تسلب منكَ أوقات الفراغ، وأنتَ لا زلتَ في بداية شبابك.»

«ربّما. لكن بالنظر للوضع الحالي— كانتِ الأمور لتتسهّل أكثر إن حلّ العرش مسألة الخلل بسرعة. لِمَ يتأخّرون في طلَب الشعانذة؟» لم يرد رضوان أن يظهر بمظهر ضابطٍ متذمّر، لكنه أراد وبشدّة إدارة دفّة الحديث بعيدًا عن مشاكل بيته وترقيته هذه. ابتسامة الرائد اتّسعت.

«هذه الأمور لا نوغل أيادينا فيها، حضرة النقيب. وفوق ذلك، أوكِلت لكَ مهمّة من الدرجة الأولى.» ألقى الرائد ملفًّا أمامه. «مهاجرٌ غير شرعي، ساكن سماء. فُضح وجوده بإحدى ضواحي الشّمال اليوم. ولا أثر له منذ العصر.»

لقد وصلت إلى نهاية الفصول المنشورة.

⏰ آخر تحديث: Apr 29 ⏰

أضِف هذه القصة لمكتبتك كي يصلك إشعار عن فصولها الجديدة!

آياكوز. حيث تعيش القصص. اكتشف الآن