9🍬

18 8 0
                                    


بعد نصف ساعة وجدت أمي أمامي.وقد سألت عن صحتي خمسين مرة في دقيقتين فقط.
قالت لي وصوتها لا يزال مرهقًا من البكاء الذي بكته حين رأتي:
-إنخفاض مفاجيء في ضغط الدم ،وظللتِ طوال الأمس نائمة من الإرهاق العصبي.

-نمت يومًا كاملًا؟يالله لم أشعر بنفسي أساسًا.
سَحبت منديًلا من جيب معطفها وأتبعت قائلًا :
-يقين كانت ستموت من الفزع عليكِ وصارت فوضى فالمكان وطلبو الإسعاف ونقلوك لأقرب مستشفى وأتصلوا علي، كاد قلبي أن يتوقف عند سماعي لهذه الفاجعة.

-ماكان عليك القلق كل هذا والله كله بخير
-تقولين أن هذا قلق مبالغ يعني؟.
قلت وانا اضحك بخفة:
-بالتأكيد يا أمي

-انا ولا حاجة قدام الي خطيبك كان هيعملو.
حين سمعت سيرته تلون وجهي بكل الألوان وخرجت الكلمات من حلقي بصعوبة:
-هو  عرف؟عمل اي!.

-كان هيفرج المستشفى كله علينا ، هو مش كان هوا فرج فعلًا ،وصرخ على الدكتور وحتى السكيورتي.

-ياربنا ، وماذا بعد؟

-ركبو لك محاليل في ايدك علشان ضغط الدم يضبط وقالو لي مينفعش ابات معاكي وتعالي الصبح،و معرفتش انام واعيط عند ابوكي فالتلفون كانت ليلة ميعلم بيها الا ربنا.
ابتسمت عندما علمت مدى قلق أمي الشديد علي هممت بالنهوض كي اعانقها لكن المحاليل المعلقة بيدي منعتني من الإقتراب منها كثيرًا ، فطلبت منها أن تقترب مني كي نتعانق.
نحو الساعة الثالثة عصرًا وبعدما أنهيت فحوصاتي بدأت فالإستعداد للمغادرة والعودة للمنزل، كانت والدتي قد عادت للتو وقالت لي وهي تلوح بالأوراق في يدها

-تصريح خروجك يا آنسة

-تشعرينني وكأنني خريجة سجون والله

-والله مافي سجن غير الي في عقولنا
سحبت سحاب الحقيبة :
-صادقة

-ورائي ،بهاء ينتظرنا في الأسفل

-ها؟شدخل؟!؟؟!

-هو اي ، ابن الحلال عرف انك طالعة اليوم قال لازم يوصلنا وحلف عليا ومقدرش اردو مش حد غريب يعني وبعدين تلاقيكي واحشاه مشفتوش بعض من وقت الأمتحانات صح ولا اي.

-يماما دا مش منظر اقابل بيه جن ازرق انا متبهدلة.

-يلا يحبيبتي مش عاوزين نتأخر ع الراجل.

سحبت حقيبتي ورائي ودعوت الله ان تمر الدقائق القادمة على خير ، حين وصلنا لباب المستشفى أدرت رأسي يمينًا ويسارًا
-هل يمكنني أن احملها عنك؟

شعرت بالحقيبة التي بين يدي تُسحب، أدرت رأسي لأرى أبتسامًة ساحرة على وجه بهاء

-مكنش لازم تتعب نفسك يبني
قالتها امي وهي تشد ذراعي لأفسح الطريق كي يمشي بجوارنا

-عليها ألا ترهق نفسها فهي لا تزال متعبة

شعرت بحرجٍ كبير وقلت له (شكرًا لك...)

-لا شكر بيننا
كنت أستطيع رؤية شبح إبتسامة على وجهة بطرف عيني ، قادنا نحو سيارة رمادية اللون جلست أمي بجوار مقعد السائق وجلست بالخلف كانت الأحاديث تدور بينهما ولا تتوقف، كنت لازلت أشعر بالأرهاق  أملتُ برأسي على النافذة وأغمضتُ عيني وغصتُ في عالم آخر
***
كانت غفوة قصيرة فقد كان الطريق قصيرًا اساسًا لكن راودني حلمُ جعل عيناي تدمعان فقد رأيتُ جدي يمشي نحوي وقد كنت منصدمة حين مد لي ذراعه وكأنه يريد أن يحتضنني
لكن انقطع حلمي على صوت بهاء وهو ينادي علي
-وصلنا منذ دقائق وقد سبقتك والدتك

-آسفة ،لقد غلبني النوم

-لا تشغلي بالك
قمت بفتح باب السيارة للخروج ففوجئت به سريعًا يغادر مكانه  ويقف أمامي وهو ممسك لحقيبتي ويقول
-اذا شعرتِ بالتعب اخبريني
رسمتُ ابتسامه صغيرة على وجهي وقلت له وانا أمد يدي لآخذ الحقيبة

-صدقني أنا بخير لا داعي للقلق
ناولني الحقيبة ووقفت امامه
قال وهو يحك وراء رأسه وينظر للأرض
-اذا شعرتِ بالتعب يومًا ،أعلمي والدتك وسأصطحبك للمستشفى على الفور

-شكرًا لك على ما قدمته
قال وهو يتوجه نحو باب مقعد السائق:
-بل الشكر لك يا ملاذ،اصعدي كي. لا تقلق عليكِ والدتك الآن.

شعرت بالطبول تُقرع في قلبي حين ذكر أسمي ،شعرت بسعادة غامرة قلتُ له الي اللقاء وصعدت  عمارتنا ، حين دلفتُ للمنزل لاحظت أن أمي نائمة فأخذت حمامًا دافئًا وفكرت في الحوار القصير الذي دار بيننا وغمرتني السعادة مرة أخرى حين تذكرت طريقته في نطق أسمي ،حين أنتهيت أرسلت ليقين فلا بد انها كانت قلقة علي تحدثنا قليلًا ثم خلدت للنوم.
***
قُبيل مغادرتنا كان من المفترض أن أقوم باحتضانه كالعادة ، لكن يومها أستعجلت الرحيل وسلمتُ عليه سريعًا وغادرت، كيف لو أخبتركم أن هذه كانت فرصتي الأخيرة في إحتضانه وقد فوتها.
في يوم الأربعاء الخامس والعشرون من مارس الساعة الرابعة والنصف عصرًا كنت أتسوق انا وأمي لنكمل باقي مشتريات العيد ، وردنا أتصالٌ دولي كان والدي ، كان يمكنني سماع صوته من الطرف الآخر كان يبكي نظرت لأمي التي سكتت للحظات ونظرت لي وقالت " جدك مات"
لم أستوعب ما قالته نهائًيا، مات؟كيف مات؟ كان حاضرًا أمس كان بتنفس بثقل كما العادة ، كان يحرك عينه ويتفحص وجهي كان حيًا، أمات فعلًا؟.
طلبنا أول سيارة تاكسي كي نرجع للمنزل ،أخبرتني أمي أن والدي حجز اول مقعد في اول طائرة ستأتي غدًا لمصر ، لم أعرف هل أحزن أو أسعد لفقدان جدي ام لرؤية والدي
لا اعرف كيف نمت يومها لم ادمع حتى ،رفضت حضور الجنازة رفضت ان اراه مرة اخيرة
كنت اشعر بالخيبة والعار ولا ارغب في رؤيته.
توالت الأيام بعدها ، وفي أول زيارتنا لبيت جدتي بعد وفاة جدي ذهبت لغرفته نظرت لسريره الفارغ ، تجولت بالمنزل كاملًا ،كنت أعلم اني لن أجده فقد غادرنا لكني كنت افتح ابواب الغرف وانظر فيها بلا هدف.
سمعتُ من عمتي كلامًا أذاب قلبي فقد حكت لنا أن مِنبر المسجد الذي في الحي كان من تصميمه،شعرت بوخز في قلبي وقتها وتوجهت للشرفة جلست على ارضها وبكيت يومها بصمت
تمنيتُ لو أحتضنته مرة أخيرة ،خفتُ ألا يكون راضٍ عني
شعرت بألم شديد وندم ، وقررت تحويل كل ذلك الوجع لشيء مفيد الدعاء له فليرحمه الله ويغفر له ويسكنه فسيح جناته في الفردوس.

الديمُومة💗(قيد التعديل)Wo Geschichten leben. Entdecke jetzt