الفصل الثامن

10.8K 696 121
                                    

الفصل الثامن...

فُرضت قيود الصمت على ألسنتهم، وغُلفت بعض الأفئدة بالحزن لهيبة مشهد وداعها، بينما البعض الآخر اكتفى بطي العداوة المنبثقة بقلوبهم في بئر النسيان، فلم يعد مجالاً للكراهية الآن، غادرت ميرڤت بجبروتها وقسوة قلبها وجحود طباعها لعالم آخر تجني به ثمار ما زرعته طوال حياتها.
مسحت "نهى" قطرات الدمع المتساقطة فوق صفحات وجهها الحزين والإنكسار يغزو روحها، لم تستطع وداعها بعدما فشلت في التقرب منها وبث الهداية بقلبها، حيث رفضت والدتها مقابلتها عدة مرات، واتسعت طرق الفراق بينهما، فأغلقت صفحات محاولاتها معها ووضعت كلمات النهاية بالدعاء لها، وكعادته معها ساندها "خالد" بإحتوائه ودعمه المستمر لها، مربتًا فوق جوارحها بهمساته الحانية، طالبًا منها الدعاء لها، فهي في أمس الحاجة إليه، هزت رأسها وهي تبكي، سامحة لصوتها بالتسلل للعلن:

-ربنا يرحمها، ويغفر لها.

ثقلت كلماته بلسانه، بعدما حارب عقله مشاعره التي حاولت التكيف مع مشهد وداع زوجة عمه، فلم يتذكر لها سوى القسوة والبغيضة التي ولدتها بقلبه نتيجة أفعالها معه، ولكنه أجبر نفسه على الدعاء لها، ثم حمحم بخشونة عندما لاحظ سليم وأخويه ينتظرون عند باب المقابر الخارجي، فقال لنهى بنبرة غلب عليها التخبط:

-ولاد خالك بقالهم كتير مستنين.

التفتت نصف التفافة تنظر إليهم، وبسمة ساخرة تعلقت بشفتيها الباهتة نتيجة لإرهاقها المستمر في شهور الحمل، ثم عادت بنظراتها الشاحبة نحو قبر والدتها تنظر إليه وكأنها تعاتبها، فلم يستطع لسانها الصمت كثيرًا وهمست بأسى متخيلة أن زوجها الواقف بجانبها لم يسمعها:

-أكتر ناس كرهتيهم وعادتيهم هما اللي حضروا جنازتك، اخدتي أيه من اللي عملتيه؟!

سؤالاً تمنت دومًا الإجابة عليه، علها تجد مبررًا للسواد القابع بقلب والدتها اتجاه أولاد خالها، وتحديدًا سليم، لم تتوقع أبدًا حضوره ولا تأديته لصلاة الجنازة عليها، والأغرب هو من دفع كافة تفاصيل دفنها، اخترق حزنها بتصرفاته واحتارت فهم طباعه، ولكن الشيء المؤكد لديها أنه عكس ما كانت ترويه والدتها عنه، طوال الأشهر الماضية لم يكف بالسؤال عنها سواء هو أو شمس زوجته والإطمئنان على صحتها، عرض مساعدته لها دومًا لأي شيء يخصها أو يخص خالد، ودون أن تشعر نمى بقلبها شعور بالامتنان له.
تركت قبر والدتها بقلب مكسور وحزين، وتوجهت لهم، تتلقى عزائهم بوجهٍ مرهق، وأنفاس ثقيلة نتيجة لإرهاقها وأول من لاحظ ذلك هو يزن، فقال بأسلوبه اللبق:

-متهيألي يا خالد تيجوا تريحوا الليلة دي عندنا، نهى شكلها تعبانة.

-أنا شايف كده بردو.

أكد سليم على حديثه ولم يخفي إهتمامه بابنة عمته الوحيدة فشعوره نحوها بالمسئولية زاد الضعف، ولكن نهى سارعت بالرفض ممسكة بيد خالد بقوة:

You've reached the end of published parts.

⏰ Last updated: Mar 05 ⏰

Add this story to your Library to get notified about new parts!

غَنَاء الروح Where stories live. Discover now