الفصل الثالث

137 8 7
                                    

أسرعت بإنهاء أعمالها المنزلية في هذا الوقت الثمين الذي يكون طفلها نائما فيه ..
من حسن الحظ أن اليوم زوجها لن يخرج لعمله سوى في المساء بعد أن قضى طيلة الليل ساهرا في أحد الأكمنة الأمنية على الطريق لحفظ الأمن والأمان في محيط المحافظة
حملت أكوام الغسيل المتسخ ودستهم داخل الغسالة الأتوماتيكية
تفكر بجدية هل تغامر وتبدأ في تشغيلها الآن استغلالا للوقت أم تنتظر حتى يستيقظ زوجها وطفلها كى لا يصحو الطفل الصغير أو يتذمر الطفل الكبير المتمثل في زوجها بصوت الغسالة
قررت أن تلقى نظره عليهما أولاً قبل القيام بأى عمل قد تندم عليه ..
تحركت على أطراف أصابعها حتى غرفة نومها ودست رأسها إلى داخل الغرفة تمط عنقها نحو الفراش الذي يفترشه زوجها بجوار طفلهما بنفس الوضعية
وقد استراح كلاهما على ظهره وأحد أذرعه ممدة بجواره والأخرى تستريح فوق بطنه
من يراهما يتأكد أنهما أب وابنه دون اللجوء لأى نوع من التحاليل من منظر نومهما المتطابق ناهيك عن الطبع المتذمر طوال الوقت
ضحكت بخفوت وأخرجت هاتفها المحمول من جيب سترة منامتها المنزلية واقتربت تلتقط لهما بعض الصور وهي تكتم ضحكاتها وليتها لم تفعل
فقد تململ الصغير وبدأ في تجعيد أنفه ورفرفة جفنيه قبل أن يفتح عينيه بتكاسل
تقلب بعدها على بطنه يناظر والده بإمعان قبل أن ينهض جالسا فوق الفراش ورفع كفيه عاليا وأسقطهما فوق وجه والده مداعبا وهو يتفوه ببعض الحروف الغير مفهومة
تأوه مدحت جزعا وفتح عينيه متذمرا يبحث حوله عن المزعج الذي أرق نومه ليتفاجأ بطفله الصغير يصفق بكفيه الصغيرين فرحا
وخلفه تقف فرح تكتم فمها بكف يدها لتتحكم في ضحكاتها الصاخبة
ثارت ثائرة مدحت وزعق في وجهها بنرفزة
:- بتضحكى على إيه يا هانم سايبة ابنك يضربنى وأنا نايم ..
خدى ابنك من وشى واطلعوا برا حالا .. أنا عاوز أنام
أسرعت بجذب الصغير إلى حضنها الذي فرح بحضن والدته فأصدر أصوات سعادة مهللة وهي تقبل وجنته وتضمه إليها تهدهده بصوت طفولى مصطنع
:- تعالى يا فيدو لحسن بابا هيكلنا أحنا الأتنين لو مكملش نوم وانتخة
ناظرهما بحنق وجذب وسادة صغيرة وتقلب موليا ظهره نحوهما واضعا الوسادة فوق رأسه يهمهم بغضب محاولا النوم من جديد
تحركت نحو الباب تداعب طفلها وتهدهده بهمس ثم توقفت عند الباب
وغمزت لطفلها قبل أن تصيح بصوت مرتفع حتى يصل إلى آذان زوجها
:- دودح .. على فكرة الساعة اتناشر يعنى المفروض تقوم بقى وكفاية كسل
صرخ من تحت الوسادة بسخط
:- حرام عليكم أنا سهران في الشارع طول الليل يا ظالمة أنتِ وابنك
هزت كتفها بلامبالاة لا تخلو من الدلال قائلة ببساطة
:- وأنا مالى أنت قولت عاوز تصحى الساعة اتناشر .. متجيش بعد كده تزعل وتقول سبتينى أنام ليه .. أنا بقولك أهوه
زفر بحنق مستغفرا وهو يعتدل جالسا فوق الفراش يناظر زوجته بغيظ وهي تحمل ابنه على خصرها وعلى الرغم من عشقه لهذه الصورة المحببة لقلبه ..
خاصة بعد انتظاره سنوات طويلة حتى حصلا على أول طفل لهما وفاء لعهده مع حماه حتى تنهى زوجته سنواتها الجامعية
لكن حاليا رغبته في الانتقام كانت أقوى فأمسك بالوسادة الصغيرة وقذفها نحوهما لتفر فرح هاربة بابنها ضاحكين
ومدحت يهب من مكانه قافزا من فوق الفراش ورائهما ليفترسهما معا
بعد وقت قصير كان مدحت يجلس يداعب طفله فادى وأمامه على طاولة صغيرة كوب من الشاى الساخن
بعد أن تناول إفطاره وبجواره جلست فرح تثنى إحدى ساقيها تحتها وتسأله باهتمام
:- هو ممكن ينقلوك المرة ديه في حركة التنقلات الجديدة
التفت إليها يناظرها بتفكر ثم وضع الطفل في حجرها قائلا بمشاغبة
:- خدى ابنك بقى خلينى أشرب الشاى بمزاج
تلقت الطفل منه بحرص وهي تقول بدلال وميوعة
:- ابنى .. دلوقتى بقى ابنى يا سى دودح
مال عليها مغازلا يقتنص قبلة من وجنتها الخمرية
:- أحلى ابن لأحلى أم في الدنيا كلاتها
ابتسمت بخجل على مناغشته لها ببعض الكلمات التي بات يستخدمها من قاموس اللهجة الصعيدية لطول معاشرتهم معا ثم قالت برجاء
:- قولى بقى .. بلاش تهرب من الإجابة
ارتشف بعض رشفات من كوبه الساخن ثم انتبه لها بكليته قائلا بجدية
:- مش عارف يا فرح .. بس أنتِ عارفة أنا المفروض كنت اتنقلت في الحركة اللى فاتت لولا إنى رفضت وصممت أكمل هنا لأنك كنتِ لسه والده فادى وكنتِ محتاجة تكونى وسط أهلك ..
دلوقت خلاص لو جيه النقل في أى مكان لازم أنفذ
مد كفه يقبض على كفها بقوة حانية يطمئنها بوجوده الذي يملأ عليها كيانها
:- وبعدين أنتِ خايفة من إيه .. مادام هنكون مع بعض مفيش حاجة تخوف ولا إيه!!
هزت رأسها ببطء بابتسامة خفيفة وأطلقت سراح ابنها الذي يتلوى بين يديها رغبة منه في الانطلاق والنزول إلى الأرض وقالت موضحة قلقها
:- مش حكاية خوف .. بس لسه هنبدأ من جديد ونكون شقة جديدة ومش هنبقى عارفين حد في البلد اللى هنروحها
أكمل ارتشاف كوبه وأعاده إلى مكانه فوق الطاولة القصيرة وقال ببساطة
:- يا ستى خلى عندك أمل .. مش يمكن اتنقل القاهرة على طول ونبقى جنب أهلى
:- ماهو ده اللى مخفونى
قالتها في عقلها فوالدته رغم تناغمهم الظاهرى إلا أن فرح لا تنسى إنها رفضتها في البداية وتقبلتها على مضض من أجل مدحت فقط
وبعد الزواج اقتصر اللقاء بينهم على الزيارات المتبادلة القليلة نظرا لبعد المسافة
جذبها إلى أحضانه حين لاحظ شرودها وقال يطمئنها باحتواء
:-أنتِ عارفة من الأول طبيعة شغلى وكويس أوى إنهم سابونى السنين اللى فاتت في مكانى هنا ...
وعلى أى حال لسه حركة التنقلات عليها كام شهر .. تفائلى خير يا فرحتى
أومأت برأسها بابتسامة رقيقة تعانق عينيه وتستقبل قبلة حانية على زاوية ثغرها قبل أن تريح رأسها على صدره وهما يراقبان طفلهما وهو يحبو أرضا
ثم ينهض يستند على المقاعد ليخطو خطواته الصغيرة المهتزة ببطء

غيـوم البـعادWhere stories live. Discover now