الفصل الرابع

85 10 9
                                    

ترتكن إلى حافة النافذة وبيدها هاتفها المحمول تشكو إلى صديقتها المقربة وزميلتها في العمل بحنق واضح
:- زهقت أوى يا مروة .. محبوسة في البيت من يوم ما وصلنا .. مفيش هنا مكان ممكن الواحدة تخرج فيه ولا تفك عن نفسها شوية
دارت بعينيها خلال غرفة النوم القديمة والتي تعود إلى والدي زوجها تواصل تذمرها الحانق
:- ولا منظر البيت كل حاجة فيه قديمة أوى .. سبعيناتى
أردفت بغيظ وقهر  متأففة :- وكل يوم أصحى على أصوات الحيوانات مفزوعة .. أنا جبت أخرى خلاص من العيشة ديه
تحركت من أمام النافذة تجلس على طرف الفراش تثنى إحدى ساقيها تحت جسدها ليرتفع طرف قميصها القصير إلى أعلى فخذها تستمع إلى محدثتها على الطرف لآخر قبل أن تجيب
:-  أيوه يا ستى .. عارفة إنى أنا اللى جريت وراه .. بس بذمتك مش كان موز وعليه العين وكل البنات بتجرى وراه وأنا بقى اللى قدرت أوقعه في حبى واتجوزه
أطلقت ضحكة عالية مائعة ردا على كلمات صديقتها الموبخة بمرح ولكنها عادت لوت شفتيها تحركهم بامتعاض
:- كنت فاكرة تحت القبة شيخ بس يا حسرة .. طلع الفرع الفقير في عيلته (واصلت بانبهار) أنتِ ما شفتيش القصر اللى عايش فيه أعمامه .. حاجة واااو أخر حاجة .. فخامة وأناقة
استمعت إلى صديقتها التي تشير إلى ورثه من أبيه ثم أجابت بتخوف
:- يا خوفى من حكاية الميراث ده .. شكله هيطلع من المولد بلا حمص .. أصل أبوه كان خايب ومعرفش ياخد نصيبه في الورث يبقى نصير اللى طول عمره عايش في مصر هيعرف يسلك مع العقول اللى هنا ديه
توقفت عن الحديث تنصت لحديث صديقتها إلا أن أذنها التقطت صوت غلق باب الشقة بالخارج   فأسرعت لإنهاء المكالمة على عجل
:- طيب هكلمك بعدين يا مروة يظهر أن نصير جه
أغلقت الهاتف في نفس اللحظة التي دلف فيها زوجها من الباب ملقيا السلام عليها وأصابعه تعالج أزرار قميصه ببطء
ردت سلامه باقتضاب وبادرت بالسؤال
:- احنا هنرجع بيتنا أمتى بقى يا نصير .. أنا زهقت وكمان أجازتى  هتخلص
جلس على طرف الفراش من الجهة المقابلة يوليها ظهره بعد أن تخلص من قميصه ملقيا إياه على حافة الفراش الخشبية وانحنى يتخلص من حذائه يجيبها بهدوء
:- بكره إن شاء الله
شهقت بفرحة وصعدت بركبتيها فوق الفراش تستند على كتفيه تتساءل بفرحة
:- صحيح يا نصير .. يعنى أخدت ميراثك خلاص
رفع ظهره المنحنى مرخيا جفنيه قليلا بقنوط دون أن تلاحظ ثم أمال وجهه قليلا للخلف نحوها مجيبا بإيجاز
:- لأ .. الحكاية ديه محتاجة شوية وقت
سحبت كفيها بتخاذل عن جسده لاوية شفتيها بسخط وهو يواصل حديثه مع تنهيدة متعبة
:- أنا مضطر أرجع القاهرة أظبط أمورى في الشغل وبعدين أفوق لحكاية الميراث
جلست خلفه بخيبة أمل صامتة بينما نهض يستدير نحوها شاكيا برفض وكأنه يسألها المشورة أو العون لتبدل والدته تفكيرها وتعود معهم
:- أمى .. مش عاوزه تسافر وهتفضل هنا
تحكمت في ابتسامة سعادة كادت تقفز على ثغرها وهي تستوثق مما سمعته
:- يعنى هتقعد هنا ومش هترجع معانا
لم يلاحظ تعبيرات وجهها الفرحة بالتخلص من حماتها وهو يقف أمام الخزانة يوليها ظهره يقوم بتبديل ملابسه وأجابها باستسلام
:- أيوه .. لولا الشغل اللى ورايا مكنتش سبتها هنا لوحدها
استدار نحوها وهو يدس رأسه داخل قميصه القطنى المنزلى مردفا بتخطيط
:- ننزل مصر نضبط أمورنا ونأخد إجازة طويلة ونرجع تانى
وقفت على ركبتيها فوق الفراش رافضة بشكل قاطع وهتفت مستنكرة
:- إجازة طويلة!! ... أنا قعدت الكام يوم دول هنا بالعافية .. أنا مقدرش على العيشة ديه .. أنا هفضل هناك في بيتى وأنت سافر وقت ما تحب
قالتها وهي تحرك كفاها المفرودان وكأنها تبعد الفكرة من أمامها بلا رجعة
تأملها بنظرة جامدة للحظات ثم قال باقتضاب لتجنب الحديث في الوقت الحالى فلا طاقة له للخوض في المزيد من المشاحنات
:- وقتها نبقى نتكلم في الموضوع ده .. دلوقتى هتنزلى تتغدى معانا؟
قالها وهو يتحرك مغادرا الغرفة بلا مبالاة فنهضت من مكانها تتبعه وهي تزمجر ببرمطة
:- طبعا هتغدى .. ولو أن معاد الغدا عدى من زمان
توقف مكانه في الممر الضيق بين الغرف والتفت نحوها بنظرة ونبرة عتاب
:- وما نزلتيش تساعدى ليه فى الغدا مادام جعانة ومستعجلة على الأكل
توقفت بصدمة حين التفت نحوها لائما فقالت ببساطة مع حركة كتفها اللامبالية
:- أساعد في إيه!! والبنات اللى تحت بيعملوا إيه ما يشتغلوا بضمير
أشار بيده في الهواء موضحا باستياء من بين أسنان يتحكم في أعصابه التي على وشك الانفجار
:- البنات دول يبقوا بنات خالتى وجاين يساعدوا خالتهم ويقعدوا معاها ومش شغالين عندك
فضلت عدم الرد حتى لا تثير أعصابه عاقدة ذراعيها تحت صدرها فتكشف جزء أكبر من نحرها دون قصد من هذا القميص المكشوف
تأمل جسدها الأنثوى المثير في هذا القميص القصير التي تتحرك فيه بحرية ناوية النزول به إلى بهو المنزل فحرك أصبعه في الهواء نزولا وصعودا على مظهرها مستنكرا وقال محذرا
:- والبسى حاجة تسترى بها جسمك .. مش هتنزلى بالمنظر ده في فسحة البيت
تبادلا نظرات تحدى واجمة قبل أن يلتفت كلا منهما في اتجاه معاكس للآخر وبداخل كلا منهما الكثير من الكلام المؤجل

غيـوم البـعادWhere stories live. Discover now