الجزء الثاني عشر: الحادث كشفك على حقيقتك

187 40 14
                                    

كان ممدّدًا على السرير يجاوره شال الحرير يستسلم إلى حزن دفينٍ أمعن في تعذيب روحه المتهاوية، هو على هذه الحال منذ رجوعه إلى القصر مع حلول المساء. إعتذر عن تلبية نداء والديه اللذين كانا ينتظرانه على أحرّ من الجمر كما أهمل وجبة العشاء ورفض اتّصالات كرم المتتالية يؤثر اللجوء إلى الانعزال يبتعد عن الوجود يغرق في لجّة من الكآبة يحترق في نار العذاب. سحب الشال إلى أنفاسه الضعيفة يروي بعطره تعطّشه الملتهب إلى جوارها وقد بات بعيدًا عن اللمس والنظر، يكتفي بشذا أنوثتها ينبعث من الخيوط البيضاء ليضيع معه في عالم الخيال حيث لا حدود للجموح لا انضباط للمعايير ولا رادع للرغبات. وفي لحظة وعي أعادته إلى الواقع الأليم انتفض عن السرير متأهّبًا متنهّدًا يرمي بالشال على الأرض يلعن بئس المصير وقد حُكم عليه بالشقاء لكن سرعان ما هوى وراء ذكراها كالمجنون يلتقط الشال بمنتهى الحبّ يداعب بياضه بأصابع حامية يواسي نعومته بكلام ينبض بالهيام: " لاااا... لن أسمح أن تكونَ ضحيّة الغضب... لن أترككَ تواجه ظلم القدر... لن أتخلّى عنكَ مهما امتنعتَ عن جواري".

-------------------------------------------------------------------------------------------------

أطلّت عفيفة من المطبخ تحمل الشاي إلى كرم وقد وصل فجأة بعد انتهاء العشاء آتيًا على عجلة للاطمئنان على صديقه بعد فشله في التواصل معه عبر الهاتف، وما إن تناول الكوب حتّى تدخّلت لطيفة قائلة:

-دع عفيفة تحضر لك طبقًا من المانتي، أعرف أنّك تحبّه...

-لا شكرًا ماما لطيفة... سأكتفي بالشاي... أتيت كي أعرف ما حصل مع يمان... مع الأسف... لا يردّ على اتّصالاتي...ويبدو أنّني أيضًا لن أتمكّن من رؤيته الآن... من الواضح أنّ لقاءه مع سحر لم يجدِ نفعًا... طلبتُ منه أن يتريّث قليلًا في رؤيتها لكنّه رفض

خاطبه توفيق متنهّدًا:

-ما اكتشفتْهُ المسكينة ليس بالأمر السهل... يمان عليه بالصبر... لكن ما يشغل بالي مصدر تلك الرسالة... كرم... إن كنت تعرف ما أجهله فلا تدعني فريسة للحيرة والتخمينات

إبتلع كرم ريقه يستعدّ إلى الكلام تواكبه نظرات لطيفة المترقّبة وقد كشفت على ملامحه علامات كثيرة تنذر بهول العبارات:

-عمّي توفيق... مع الأسف... رنا وراء هذه المشاكل...

-------------------------------------------------------------------------------------------------

أقفلت زينب الدكّان وهمّت في التوجّه إلى الغرفة فسمعت أحدهم يناديها تحت جناح الظلام وما إن ردّت مستعلمة عن هويّة القادم حتّى بادرتها ليلى وهي تقترب من الدكّان تحمل بين يديها علبة كرتونيّة:

-مساء الخير خالتي... يبدو أنّك لم تتعرفّي على صوتي... أنا ليلى...

-لا تؤاخذيني يا ابنتي... العتب على النظر والسمع... أهلًا وسهلًا حبيبتي... من الجيّد أنّك أتيتِ... سحر تحتاج إلى من يساندها في هذه المحنة... لقد ساءت حالتها جدًّا بعدما التقت بالسيّد يمان... إسبقيني إلى الداخل... سأغتنم فرصة وجودك معها كي أقصد بيت جارنا حسّان... هو نجّار قديم... سأطلب منه أن يصنع لي سريرًا خشبيًّا يسعنا نحن الاثنين عوضًا عن تلك الأريكة المهلهلة... لن أجاري سحر في قرارها... لن أسمح لها باستئجار غرفة في نزل السيّدة نازك... سنتدبّر أمرنا بالحسنى... هيّا أدخلي... لن أتأخّر في الرجوع

مُعذّبتيWhere stories live. Discover now