الفصل السادس و العشرُون.

3.4K 250 50
                                    

★زوي★

اوووه! هذه الصورة لا تتبع إرشادات المحتوى الخاصة بنا. لمتابعة النشر، يرجى إزالتها أو تحميل صورة أخرى.

★زوي★

الظلام كان كثيفًا، محيطًا بي وكأنني غارقة في بحر من السواد الذي يتسلل إلى أعماقي، يلفّني بقسوته. فتحت عيني، وشعرت بجفوني وكأنها مثقلة بوزن لا يحتمل، وكأنني مقيدة في حلم ثقيل لا يمكنني الفرار منه. حاولت التركيز، بحثت عن أي ضوء، أي أمل، ورأيت خيوطًا واهية من النور تتسلل عبر شقوق السقف المهترئ فوقي، لكنها لم تكن كافية. كل ما أضاءته تلك الخيوط كان الغبار العالق في الهواء.

في لحظة، شعرت بألم حاد يخترق مؤخرة رأسي، وكأن شيئًا ثقيلًا ضربني بقوة لم أستطع معها التنفس بعمق. لم يكن الألم مجرد شعور عابر، بل كان نابضًا، قويًا، يُذكّرني بأنني عاجزة، ضعيفة. حاولت رفع يدي إلى رأسي، لكن جسدي كان يرفض التعاون. وكأنني مكبلة بسلاسل غير مرئية، سلاسل لا أستطيع الفكاك منها مهما حاولت. الهواء كان كثيفًا، ثقيلًا، مشبعًا برائحة العفن والحديد الصدئ، يملأ رئتي وكأنه سُمّ بطيء يخنقني.

تحسست الأرض بيدي ببطء، كانت خشنة، باردة، كجلد قديم متآكل. شعرت بها تحت أصابعي، لكنها لم تمنحني أي شعور بالأمان. كل شيء معركة هنا، حتى التنفس. كل شهيق وزفير وكأنه محاولة يائسة للبقاء، وكأن الهواء نفسه يرفض أن ينقذني من هذا الجحيم. شعرت بأنفاسي تتردد، بين الشهيق والزفير، أختنق على حافة الصراخ الذي لا أملك القوة لإطلاقه.

ذاكرتي ضبابية، مشوشة، كشظايا زجاج متناثرة لا أستطيع جمعها. كنت أحاول تذكر ما حدث. كان هناك رجُلان... دماء... صوت خطوات ثقيلة... ثم ضربة قوية بعصا حديدية... ثم ظلام. أصابعي تحسست شيئًا معدنيًا، حادًا، باردًا كالجليد. هل هو قيد؟ هل أنا حقًا محاصرة؟ أردت الصراخ، أردت الهروب، لكن جسدي يخذلني، مقيدًا بهذا الألم والظلام.

حاولت الحركة، لكن صوت الحديد المتصادم كصرخة أخرى في أذني. الصدى تردد في رأسي، مشوشًا كل شيء. ثم جاء صوته... ذاك الصوت الذي كنت أتمنى لو أسمعه. "لا شيء كان يؤلمني أكثر من ألم فقدانك." صدى كلماته قويًا، قريب، كأنه معي في هذا الظلام. انتفضت من مكاني، بدأت ألتفت حولي بجنون، أبحث عنه، أبحث عن وجهه، عن خلاص من هذا السواد الذي يبتلعني.

لكن، لم يكن هناك شيء سوى الظلام.

البرودة اخترقت جسدي كالسكاكين الحادة، جعلتني أرتعش رغم كل محاولاتي للبقاء قوية. دموعي انزلقت بصمت من جسر أنفي، تساقطت على الأرضية القذرة، مختلطة بالغبار الذي يملأ المكان. حاولت أن أتنفس بعمق، لكن كل شهيق كان يُدخل المزيد من الغبار إلى رئتي. "لوكا..." همست بصوت مكسور، صوتي بالكاد يخرج من بين شفتاي المتشققتين. حاولت التحرك، أنقل جسدي المرهق على ظهري، لكن بلا فائدة. شعرت بثقل في أطرافي، وكلما حاولت أن أرفع قدمي، كان صوت الحديد يقرع في أذني، يذكّرني بأنني..

Maybe in another life.حيث تعيش القصص. اكتشف الآن