﴿ الفصل 31 ﴾

15.3K 1K 49
                                    

مر شهران إلى الآن و أنا بتلك الحال.

مرام تزورني بين الحين و الآخر أيام العطل .

أبي لم يعلم بأمر مغادرتي للمنزل حتى.

سامي سئم من الإتصال بي فلم يعد يفعل ذلك.

أمي رغم كل شيء أنا من كان يتصل بها لكنها لم تكن تجيب.

تقول مرام أنه لا يجب علي الإتصال بها و العودة إلى المنزل إلا حين أوافق على الزواج ، و أنا طبعا مصممة على أن هذا لن يحدث.

ذات مساء ، طرق بابي على الساعة السابعة ليلا.

إستغربت الأمر ففي الحقيقة ، لا أحد يزورني عدى مرام التي لا تأتي في هذه الأوقات ، لكنني فتحت الباب و إستغربت وجودها أمامي و زاد إستغرابي فور وقوع عيناي على أمي التي كانت برفقتها .

" أحدث مكروه ؟" سألت بخوف.

" لا ، لم يحصل شيء. فقط أمي طلبت مني أن أجلبها إلى شقتك. "

أجابت مرام فإطمأن قلبي و تنفست الصعداء.

" تفضلا. " قلت بينما فتحت الباب أكثر.

دخلا و لازال عقلي يسألني عن سبب مجيء أمي المفاجئ .

جلسنا في غرفة المعيشة و أنا أنتظر تفسيرا منهما.

" سمعتك مساء أمس تتكلمين مع مرام على الهاتف. " بدأت أمي.

أومأت دون أن أجيب لتواصل هي حديثها بحنان و لين :

" سمعت مرام تتكلم عن خيانة سامي لك أثناء سفره إلى بريطانيا. و قد علمت أن هذا سبب رفضك له.
صغيرتي أعلم أن الخيانة أمر فظيع يجعل قلب المرأة ينزف وجعا . لديك كل الحق في رفض الزواج منه لكن جميع الرجال يخونون و لو مرة في حياتهم ، من النادر أن تجدي رجلا وفيا مائة بالمائة لإمرأة واحدة . الرجال لا يستطيعون التحكم في رغباتهم بسهولة و كثيرا ما ينقادون وراء الشهوات. لكن في النهاية ، الرجل لا تهمه تلك المرأة التي قضى معها ليلة عابرة بل تلك التي يعود إلى بيتها و ينام في سريرها كل ليلة. أرجو أن تسامحي سامي و تغفري له ، هذه المرة فقط ، من أجلي على الأقل . "

" أمي ، أنا أحترم رأيك لكنني لا أوافقه. لا يحق لأحد خيانة شريكه. لو كنت أنا من خنته ، أكان سيسامحني ؟ لن يفعل أبدا.
هو رجل شرقي كغيره من الرجال العرب يرضى لنفسه اللهو بالفتيات لكنه لن يرضى أبدا بإمرأة مستعملة.
في مجتمعاتنا يعتبرون المطلقة إمرأة لا يجوز الزواج منها لأنها لو كانت إمرأة صالحة لحافظت على زواجها و لما طلقها زوجها الأول ، لكن لا نقول أبدا أنها كانت مبتلاة بزوج سيء فخلصها الله منه.
الأرملة إمرأة سيئة أيضا لأنها تجلب النحس مما أدى إلى موت زوجها و تركها و هي صغيرة السن و يتجاهلون أن الأعمار بيد الله.
الفتاة التي تتعرض للإغتصاب يحكم عليها بالعيش منبوذة ، وحيدة ، لا يجرؤ أحد على الإقتراب منها مع أن لا ذنب لها فيما حصل بل هو ذنب رجل مختل.
أرأيت كم تعاني النساء يا أمي؟.
و هذا يعتبر شيئا قليلا أمام المشكلات الكبرى.
لا أستطيع أن أسامح يا أمي. فهم لا يسامحون."

" لست أنت من سيقوم بإصلاح مايعيشه المجتمع من إنحلال أخلاقي يا مريم.
هذه حياتنا منذ القدم و علينا التعايش معها. " إعترضت أمي.

" ربما لن أصلح المجتمع ، لكنني لا أريد إفساد حياتي لإرضاء المجتمع أمي.
أتعلمين شيئا ؟ .
آسفة على قولي هذا .. لكن نساء أمثالك هم السبب فيما نحن عليه ، لو كانوا رفضوا من البداية السيطرة الرجالية عليهم لكانت النساء بخير الآن ، أنتن من البداية من رضيتن بالذل الرجالي و تعملن أيضا على تربية بناتكن و توريث الذل لهن.
تحافظن بكل ما أوتيتن من قوة على شرف رجالكن و كرامتهم حتى نسيتن كرامتكن و عزتكن.
لا أنكر أن هناك رجالا شرفاء يعتبرون المرأة كيانا مستقلا بذاته و هناك أيضا نساء سيئات لكن الشاذ يؤخذ و لا يقاس عليه.
قال ربي ( الطيبون للطيبات و الخبيثون للخبيثات ) فمن كان طيبا لن يرزقه الله إلا بإمرأة طيبة.
ٱنظري إلى نفسك أمي ، طلقك أبي لأنك لم تنجبِ له ولدا و كأنك أنت السبب ! و كأنه لا يعلم أن كل هذا بيد الله ! "

" ربما كلامك صحيح ، لكن فكري في كلامي أكثر لعلك تعدلين عن رأيك. حينها عودي إلى المنزل. "

قالت أمي و هي تهم بالخروج.

" لن أغير رأيي أمي. سأعود إلى بريطانيا بعد أسبوعين ، أ يحق لي أن آتي لأودعك على الأقل ؟ " قلت بعينين دامعتين مما جعل أمي تلتفت نحوي و تضمني إلى صدرها .

" أنا حقا أحبك جدا أمي لكنني لن أرضى بالمذلة أبدا " قلت و أنا أعانقها .

" أنا أفهمك صغيرتي " ردت و هي تدفنني في حضنها أكثر.

" لقد كبرتي مريم ! " أضافت و هي تنظر نحوي بفخر و تضم خدي بيُمناها .

" كوني حذرة في تعاملك مع الآخرين .. أنا أثق بكِ "

واصلت و هي تمسح دمعة إنسالت من عينها بيُسراها.

أومأت بالإيجاب مما جعلها تدفنني في صدرها ثانية ثم تخرج مسرعة.

" أحبك أختي. إلى اللقاء " قالتها مرام و هي تقبل وجنتاي و تلحق بأمي ركضا .

٭٭٭

في صغري ، كنت دائما أرى أمي أقوى و أجمل إمرأة في الكون.

مازلت أراها الأجمل رغم التجاعيد التي ملأت وجهها الصغير ، لكنني بتُّ أرى فيها العجز و الإنصياع.

كانت دائما تخفي آلامها لتظهر بمظهر المرأة القوية التي تتحمل أي شيء في سبيل إبنتيها لكنها تعبت من التظاهر بالقوة على ما أظن.

لست ألومها في شيء فهي تفعل ما تراه صحيحا و ما تظنه في مصلحتنا.

الأم هي الشخص الوحيد الذي إذا نصحك بشيء فإعلم أنه يعتقد أن في ذلك مصلحتك بنسبة مائة بالمائة أما الآخرون فنصف النصيحة لك و النصف الآخر لهم.

كنت أفكر هكذا دائما و مازلت أفكر هكذا و ربما لهذا كنت دائما أنفذ أوامر أمي من دون أسئلة في السابق. فمن سيعرف مصلحتي أكثر منها ؟

سأربي أبنائي دائما على أن لا يسكتوا أبدا عن حقوقهم أو حقوق غيرهم كما كنت أفعل.

أن يقولوا " لا " لما يرونه خاطئا و أن لا يخشوا سوى الله.

سأكون أما جيدة يوما ما ..

ملاك الرحمة | Angel Of Mercy ( Under Editing( Where stories live. Discover now