لم يعد بحاجةً أليك " ٢٥ "

3.8K 363 146
                                    

ران صمت مهيب على حجرة مصعب في سكن الجامعة بعد توقف جمال عن الحديث..

فيما ظلت الأعين تُحدق برأس جمال المحني وقد غطت خصلات شعره السوداء نصف وجهه الذي لم يظهر منه سوى أنيابه التي عضت بقوة شفته السفلي حتى كادت تمزقه وكأنه يمنع انفعال ما من أن يظهر أمامهم..

وعندها أسرع هيثم ليحضر كوبين من الماء البارد أحدهما لجمال والآخر لمصعب...

أكمل مصعب بدلاً عن جمال بصوت لا يفارق الحزن والألم نبراته:
_لقد أُصبت بانهيار عصبي حاد بعد وفاة والدي أمام عيّنيّ ..وأنا عاجز عن فعل أي شيء لأجله.. لقد بقيت في المستشفى شهراً كاملاً أتلقى العلاج بعد تلك الصدمة القاسية.. فيما بقي جمال أكثر من شهر يتلقى العلاج بعد غيبوبة استمرت معه أسبوعين كاملين...ولقد اعتنى بي عمي رائد والد جمال وكان بمثابة الأب لي.. ولقد أجبراني هو وجمال على الانتقال لمنزلهم بدلاً من منزل والدي بعد خروجي من المستشفى حتى لا تسوأ حالتي فبقيت عندهم إلى أن انتهت السنة الدراسية...ولقد اضطررت خلالها للذهاب للتعرف على جثة معاذ بعد انتشالها من قاع البحر ...لقد رفضت ذلك في البداية ولكن جمال أصّر على ذلك فذهبنا معاً ..لقد كانت بشعة جداً لقد انهرت عندما رأيتها وقلت لجمال أنه من المستحيل أن تكون لمعاذ ولكنه تأكد بنفسه وقال إنها له .

قطع مصعب حديثه, وتطلع بضع لحظات لجمال الذي ظل مطأطأ الرأس, والحزن مرتسم بكل تفاصيله على وجهه, فأكمل في مرارة:
_لم أكن أظن أن جمال كان يعاني أيضاً من أجل غرق معاذ أمام عينيه .. لقد كان يخفي ما بداخله بإتقان ولكنه لم يلبث أن انهار فاضطررنا لنقله إلى المستشفى وأجبرته أن يعدني أن ينسى ذلك ولا يفكر فيه فوعدني كما وعدته من قبل أن أنسى الماضي.

مسح هيثم دموعه قبل أن يكوم قبضته, و يقول في حنق بالغ:
_سأقتل شاهر هذا لو التقيت به.

تطلع مصعب إلى هيثم, وقال في ألم:
_لقد رفع عمي أسامة - صديق والدي وشريكه بالشركة - ثلاث قضايا ضد شاهر أحدها عندما كنت في المستشفى واثنتان بعد خروجي ولكن كلها فشلت بسبب نقص الأدلة ضده.. لقد استطاع أن يُسكت كُلّ الشهود والكل كان يخشاه...

عض هيثم شفته السفلى, وهو يستدير إلى جمال قائلاً:
_أذكر عندما زرتك يا جمال مع أمي لم يخبرني أحد أنك مصاب بطلقة نارية لقد ظننتك غرقت في البحر فحسب.

لم يُجب جمال بحرف واحد وكأنما غاب بكيانه كله مع ذلك الماضي بينما قطع عامر حديث هيثم بسؤاله لمصعب بنبره حملت إشفاق كبير:
_لماذا ذهبت لتتعرف الجثة بنفسك؟... كان على أقربائك أن يقوموا بذلك بدلاً منك.

أجابه مصعب بأسى:
_ليس لديّ أقرباء .. فقد كان والدي يتيماً..
عاد عامر يسأله باستغراب:
_ووالدتك...أليس لديك أقرباء من طرفها !

أطرق مصعب مفكراً للحظات قال بعدها ببطء:
_نعم أذكر أن أبي قال أنه التقى بأمي في الخارج وتزوجها وأنه كان لدي خال وخاله ظلوا يعيشون بالخارج...ولكن أظن أنهم بعد وفاة والدتي عند ولادتها بأخي معاذ التقوُ بأبي و طلبوا منه العناية بنا وقالوا له أنه لن يستطيع أن يوفق بين عمله ورعايتنا.. فرفض أبي فغضبوا منه وقاطعوه ولم أعلم عنهم شيئاً بعدها.

" أول صديق 1 " مكتملـــة حيث تعيش القصص. اكتشف الآن