الفصل الثاني

149 21 10
                                    

ظللت جالسا أشاهد شارعنا من الأعلى، و أشاهد الناس فيه، لم يكن منظرا تستطيع أن تسأم منه، فلكل منهم طريقته الخاصة في التعامل مع إنعدام الجاذبية، فمنهم من كان يسبح، و منهم من كان يقفز و آخرون يحاولون بجد السير بانتظام.

و لكن ما يمكنني إدراكه فعلا أن الجميع تقريبا كانو سعداء بذلك. كنت أيضا كذلك، بدا ذلك ممتعا لي.

بقيت جالسا أتأمل كل ذلك حتى حل الظلام و عدت إلى المنزل. كنت فضوليا بشأن والداي، و أردت معرفة ما حصل معهما أثناء عملهما.

سبحت في الهواء متجها إلى غرفة المعيشة و وجدتهما جالسان في الهواء بالقرب من الطاولات و المقاعد المحلقة حولهما بطريقة عشوائية.

كانا يتحدثان عن يومهما في العمل كما توقعت، فطلبت منهما أن يشاركانني الحديث.

أمي تعمل محامية، و قد استرسلت حديثها بتنهيدة طويلة ثم قالت: المحكمة اليوم كانت في فوضى عارمة يا بني، فجميع الملفات و الأوراق و السجلات الدولية و الإجرامية و جميع المستندات و كتب القانون كانت تتطاير في الهواء، كما أن خزائن تلك الأوراق كانت تحلق في الهواء أيضا و تنفث بين الحين و الآخر ورقة ما من داخلها الى الخارج، لتحلق تلك الأخيرة في الهواء مع الأوراق الأخرى، و هذا ما أغضب الجميع في المحكمة. لأنهم شعروا بأننا كعمال بإسم القانون لا يجب علينا أن نسمح بأن تتطاير الاوراق المهمة في الهواء هكذا لأننا مسؤولون عن العدالة و عن حقوق الناس، و حتى لو كانت الجاذبية قد إنعدمت، كل شيئ يجب أن ينعدم إلا القانون من وجهة نظرهم ! .

كما أن الجميع في المحكمة كانوا غاضبين علينا كما لو كنا نحن المسؤولين عن إنعدام الجاذبية.

أما والدي الذي كان موظفا حكوميا في الدولة قال محدثا إياي عن عمله: آه يا ولدي لا أعرف ماذا أخبرك عن يومي التعيس هذا فأنت تعلم أن جميع الإتفاقات و الأعمال و المستندات الدولية توجد على الأوراق ليس غير في مكتبي أيضا ، و مشكلة الأوراق التي تحدثت عنها والدتك، عانيت منها أيضا بالفعل.

و لا نعلم ماذا سنفعل بعد الآن إذا ضاعت تلك الأوراق. المنظمات الحكومية قد تهدم بأكملها فأهم ما نملكه في أعمالنا هي المستندات و الإتفاقيات التي وبكل تأكيد كتبت على الأوراق. تلك الأوراق التي ترفض البقاء في أي مكان.

أدركت بعد حديث والداي أن من رأيتهم في الشارع اليوم، لم يكونوا سعداء مثلي بإنعدام الجاذبية، كما هيئ إلي، بل كان الحزن يعتليهم، ولأنني كنت سعيدا بدا لي أنهم سعداء !

لم يسألني أي من والداي عن يومي المدرسي، بدا أنهما قد استنتجا ما قد حدث دون أن أشرح لهما.

ذهبت إلى غرفتي التي تعمها الفوضى و كل مافيها يحلق، و فرغت فيها مكانا في الهواء، حيث ابعدت الأشياء جانبا، ثم تمددت قليلا حتى غفوت و نمت.

في اليوم التالي بدأت معاناة لبس الثياب مجددا، ثم مشطت شعري الذي مهما مشطته كان يتطاير في الهواء باتجاه الأعلى و يصنع لي منظرا جديدا يشبه منظر القنفذ. فقمت بمواساة نفسي بأنها أحدث صيحات الموضة لهذا العام.

ثم ذهبت إلى المدرسة و عاهدت نفسي أن أكمل اليوم فيها إذا حضر المعلم.

و بالفعل ذهبت الى المدرسة، و وجدت جميع طلاب صفي قد أتوا إليها اليوم، و قد فرغوا صفنا من كل شيئ، أعني من الطاولات و المقاعد حتى نستطيع أن نجلس في الهواء بهدوء.

و أتى المعلم اليوم، هذا مالم أتوقعه !
بدأ الدرس قائلا: "لا تحية اليوم اجلسوا هادئين فقط"، ثم أردف قائلا: "درسنا اليوم عن مخاطر إنعدام الجاذبية على أجسادنا.

طلابي الأعزاء هذا ليس بالأمر المزحة إن أهم ما يجب عليكم القيام به هو ممارسة الرياضة و إذا لم تفعلوا ذلك ستضمر عضلات أجسادكم و قد لا تستطيعوا إستخدامها مجددا في المستقبل،

كما يجب عليكم عدم إستخدام الماء، أما عن نظافتكم الشخصية فأعلمكم بأنه سينزل في الأسواق نوع جديد من الشامبو قريبا، حيث يمكنكم أن تغسلو شعركم و أجسادكم فيه، دون الحاجة للماء،

عليكم أن تأكلو حتى تحصلوا على الطاقة، أعلم أن الغالبية منكم لم يأكلوا منذ البارحة، سيتواجد في الأسواق اليوم طعاما جديدا، معلبا كعلب معجون الأسنان، أنه في الحقيقة لرواد الفضاء لكننا سنحتاجه بالتأكيد ليزودنا بالطاقة، قد لا يعجبكم طعمه و لكنه الوحيد الذي ستستطيعون أكله في ظل هذه الأوضاع، و قد يحدث أن ينعدم شعوركم بأطرافكم، لذا عند النوم عليكم لف أنفسكم جيدا بغطاء ما". أخبرنا بعدها بالكثير من الملاحظات و لكنني لن أذكرها جميعها حتى لا تسأم أنت ذلك، ثم أنهى الأستاذ الدرس قائلا: إنتهى الدرس اليوم، عودوا إلى منازلكم و أخبروا كل من تعرفون بهذه الأمور و مارسوا الرياضة.

بدأت أخبر الجميع بتلك الملاحظات، من أعرف و من لا أعرف، لأنني أدركت خطورة الموقف عندما أخبرنا أستاذنا بذلك، و كنت أحاول بجد العمل بها. كما أقمت مع أصدقائي مجموعات صغيرة و اتفقنا على أن نخبر الجميع بتلك الملاحظات المهمة.

أسبوع بلا جاذبية - One week without gravity Where stories live. Discover now