الفصل الثالث

121 17 20
                                    

هذا هو اليوم الخامس بلا جاذبية، جميعنا بدأنا نشعر بالضجر، البارحة كنا ملزمين على ممارسة الرياضة لذا مارسناها على النحو التالي؛ قمنا بربط حبل موصول بالحائط حول خواصرنا ثم بدأنا بالجري على الأرض، كان ذلك غريبا و مضحكا و مزعجا، فعلى الرغم من خفة اجسادنا و عدم شعورنا بها كان ذلك صعبا، حيث كنا نطير في الهواء مع كل محاولة و كانت الحبال تفك بسهولة، كما أن الطعام كان سيئا، و لم يكن ليؤكل إلا بصعوبة، كنا جياعا جدا لذا بدا حينها طعمه مقبولا، والداي لم يعودا قادران على العمل، كل العمل متوقف و العالم يعمه الفوضى.

أما اليوم فها أنا ذا أبدأ بلبس ثيابي مجددا التي أرى نصفها، أما نصفها الأخر فقد تتطاير إلى خارج الغرفة، و أما الكتب فحدث و لا حرج، جميع الأغراض تتطاير الآن خارج غرفتي و لكن قريبا ستتطاير خارج المنزل، فقد بدأت أرى في الأونة الأخيرة ثيابا وأثاثا يتطاير في الشوارع. و بما أنني استيقظت مبكرا كعادتي الجديدة، بدأت بجمع أغراضي و أغراض والداي التي تناثرت في المنزل، حتى لا تتطاير خارجه و ضعتها في قبو المنزل.

و بعد ذلك ذهبت إلى المدرسة، و لم يكن هناك دروس أو حصص، لذا أقمنا مجموعات ثانية و بدأنا نساعد الناس في أعمالهم. حيث كان أحد الطلاب يحضر قائمة بكبار السن في منطقتنا حتى نذهب لمساعدتهم في ممارسة الرياضة، تطوعت لأساعد فلاحا و طبيبا و ذهبت إلى الفلاح أولا، كان عنوان منزله صعبا لإجاده، و بعد ساعة من البحث وجدت منزل ذلك الفلاح و ذهبت لأحييه.

بدا ذلك الفلاح العجوز بائسا جدا. فبدأت حديثي معه بابتسامة عريضة على وجنتي: "مرحبا يا عم، كيف حالك؟ أليس الجلوس في الهواء ممتعا؟"

نظر إلي بعينين يملؤهما الحزن قائلا: "أهلا يا بني، لا أعتقد انني بخير، قلة الجاذبية أكل ما تبقى من طاقتي، أما جلوسي على الهواء وجدته ممتعا في البداية أما الآن فأجده مضجرا جدا"

ثم فرد قدميه وتقدم إلي سابحا في الهواء و قال بلهفة: "لماذا أتيت يا بني؟ هل سنزرع و نحصد اليوم؟"

فأجبته و أنا أحاول أن تبقى ابتسامتي على وجنتي: "أتيت لأمارس الرياضة معك يا عم، و لكنني لا أمانع ببعض أعمال الفلاحة"

فأمسك بيدي و قال: "لعلنا نستطيع فعل شيئ اليوم، هيا بنا نحاول"

ثم سحبني إلى الحقل و هناك أمسك المجرف بكلتا يديه، ثم حاول السباحة نحو الأسفل -أي- إلى الأرض حيث التربة، كلما كان يحاول جرف شيئ من التربة، كانت التربة تطير في الهواء و كان المجرف يسحب نحو الأعلى، بدا ذلك بلا جدوى، فأعمال الفلاحة لن تنجح في ظل هذه الظروف،

و بهذا علمت سبب عدم تواجد الطعام أو الخبز في الأسواق، و علمت لماذا يجلس الفلاحون في المنازل، و لا يعملون، و بدأت أعي أيضا لماذا صار الناس يسرقون المال من الأغنياء ليحصلو على قوتهم من الطعام المعلب، الذي لا يكاد يؤكل و الوحيد المتواجد في الأسواق الآن. و أعتقد أن الفلاحة ليست وحدها المتضررة بل جميع الأعمال اليدوية و الحرفية و أعمال الإعمار حتى معامل الثياب،

و الرعي أيضا، فالحيوانات تتطاير و تذهب حيثما تريد و بدا أنه من المستحيل إيقافها، فلا جسور تمنعها و لا حبال، فتلك الحبال كانت تفك بمجرد سحبها، أما الجسور فلم يعد من وجودها داع.

ذهبت الى العجوز ثانية، لم أكن أستطيع صنع ابتسامة كما فعلت عند لقائه، و قلت له بحزن، بينما كان يحاول هو جرف التربة بلا جدوى: "أعتذر منك يا عم و لكن الأمر يبدو مستحيلا و لا جدوى منه، لماذا لا نمارس بعض الرياضة ثم لتستريح قليلا من العمل فهذا يبدو شاقا و متعبا"

نظر إلي و قال بغضب: "لماذا أتيت إذا؟، عضلاتي ستضمر سواء مارست الرياضة أم لم أمارسها، فالفلاحة هي رياضتي الوحيدة التي استمتع بها، هل تريد ربطي بحبل ثم تدعني أجري ككلاب الشوارع؟ إذهب من حيث أتيت، فأنا لا أريد مساعدة من أحد، ثم ثنى قدميه و جلس في الهواء ينظر إلى الفراغ أمامه بحزن،

قلت له محاولا إقناعه: "يا عم انت ما تزال بصحتك و عافيتك، و تلك الرياضة التي تنسبها إلى الكلاب نقوم بها جميعنا حتى نستطيع مواصلة العيش"

فنهض و أمسك بيدي موحيا إلي بالموافقة. عدت به إلى المنزل و بدأنا ممارسة تلك الرياضة مجددا، كنت احاول إمساك الحبل و ربطه كلما حلت عقدته، و تشجيع الرجل على مواصلة الركض كلما توقف و شعر بالتعب،

و عندما يتوقف تماما و يشعر بالتعب و عدم استطاعته على المواصلة، أحضر له علبة من الطعام حتى يغني بها جوعه و عطشه. و أحييه ثم أرحل بهدوء.

ثم ذهبت لمواصلة العمل عند الطبيب و كنت متشوقا نوعا ما، لأعلم كيف للطبيب أن يعمل دون جاذبية!

أسبوع بلا جاذبية - One week without gravity Where stories live. Discover now