فتح الفتى الطويل عينيه ذات الاحداق الصفراء المشقوقه..كالقطط تماماً..اعتدل في جلسته بهدوء مُرهق والتقط هاتفه ليلقي نظرة على الوقت..فالشمس لم تشرق بعد..وهو كالعاده استيقظ بعد ثلاث ساعات من نومه فحسب..تنهد ونهض من سريره ببطء..فتح باب الشرفه ونظر للأعلى..نحو النجوم الساهرة مثله..عاد للداخل وجلب كمانه معه يجلس على الكرسي في شرفته..وشيئاً فشيئاً ألحانه الهادئه بدأت تتسرب..وتصل للبيوت المجاورة..تهدئ كل محروم من النوم وكل من يملك في قلبه جبالاً من الحزن..وتجعلهم يشعرون بالراحه..هم بالفعل اعتادوا على سماعه يعزف في هذا الوقت المتأخر من الليل..حتى بات عدم سماعه امراً غريباً..ماهو هدفه من هذا العزف الليلي؟!
بسيط جداً..هدفه ان يساعد المصابين بالارق ان يخلدوا للنوم سريعاً..فهو لايريد ان يعاني غيره مما يعاني..فهو قد شخص قبل سبع سنوات بمرض اضطراب النوم او مايعرف بالارق..ومنذ ذلك الحين هو لايمكنه النوم اكثر من ساعتين او ثلاث ساعات في اليوم..وقد صنف ضمن النخبه اليقظه بالفعل..عاد للداخل بعد ان انهى معزوفته..وبدأ يستعد للجامعه..حمام ساخِن اعاد له تركيزه بعض الشيء..ثم هو نزل ليقوم باعداد الفطور له ولوالديه..ويضع بعضاً منه في علبه حتى يأكله وقت استراحته..غسل اوانيه وجلس بانتظار الساعه السادسه..لكن لسبب ما والده استيقظ قبلها وهبط بسرعه قلقه..وما ان رأى ابنه حتى تنهد براحه وهمس:
"انت بخير.."
ابتسم لوالده لينهض ويقبل رأسه مخبراً اياه بصباح الخير..هو لم يسأل مطلقاً عن سبب هلع والده فهو يعرفه جيداً..حلمه المتكرر بأنه يعانق شقيقه الاصغر..مغادراً معه..شقيقه الذي توفي قبل ست سنوات جراء تسمم رئوي..
على اي حال..عدا هذا الحدث الصغير الشبه متكرر..هم مروا بصباحهم المعتاد..فطور هادئ مبتسم والتجهز لمغادرة المنزل..كل نحو مايشغله..حين وصل للجامعه..كالعادة جميع الانظار استقرت عليه..لم لا وهو العازِف المشهور في الاوساط الجامعيه؟! لا احد يجرؤ على الاقتراب منه..فهو برغم وسامته الشديدة وتواضعه الغير متوقع..الا انه غير اجتماعي بشكل ملحوظ..ولا يحبذ التعامل مع الغرباء..وينزعج من ذلك..لهذا الجميع وضعوا مسافه بينهم وبينه..يمتعون انظارهم به عن بعد..ماعدا قامه متوسطه الطول لطيفه المظهر..فتى يافع يركض من بوابه الجامعه صارخاً باشراق:
"ناااناااميياااا كككنننن!!!"
ابتسم الشاب البارد بهدوء مكملاً طريقه..يعلم ان هذا لا يضايق الاصغر بتاتاً..وبالفعل الاقصر وصل اليه وبدأ يتقافز حوله بلطف شديد منادياً اياه كتحيه صباحيه جميله:
"ناناميا كن! ناناميا كن! نانا كن!! ميا ميا كن! ناميا كن!! نانا مياميا كن!! اوهايوو!!!"
