الفصل الثالث

20.2K 494 11
                                    

(الفصل الثالث)

نظرت للهاتف لترى رقم عبير ابنة خالها, فكرّت أن تتجاهل
الرد ولكنها لن تمل.. فتقريبا عبير هي الوحيدة التي ظلّت
متواصلة معها بعد الزواج وهي تتحفها بالتعليقات المخجلة
من حينٍ لآخر ولكن تخيّلاتها لحياتها كانت تثير
داخلها الضحكات بجانب الدموع!
الضحكات لتفكيرها الرومانسيّ الذي لم يتغير رغم مرور
فترة على زواجها..
والدموع على حالها الذي لا تعلم متى سيتغيّر وهل سيتغيّر
من الأساس أم ستظل طوال حياتها بهذا الوضع الغريب؟!
بالنهاية قرّرت الرد وحاولت الاختصار بالحديث متعللة بنوبة
انفلونزا لا تنتهي!
أجابتها وهي تحاول ألا يظهر ألمها في نبرة صوتها.. ولكن
رغما عنها جاءت نبرة صوتها ضعيفة فأثارت قلق عبير
لتسألها عن عماد:"حنين, إن صوتك لا يوحي بالخير أبدا!
هل أنتِ بخير حقا؟! هل أنتِ مريضة حبيبتي؟!"
أجابتها بضعف وهي تتحامل على نفسها لتنهض من الأرض:
"أجل بخير عبير لا تقلقي, فقط الانفلونزا وأنتِ تعلمين
أنها ترهقني كثيرا وتكاد لا تنتهي"
"وأين عماد زوجك؟! ألا يعتني بكِ؟"
همّت بالرد لتتابع عبير بخبث:"أم أنه هو السبب بمرضك؟!
هيّا اعترفي حنين أن عبثكما هو السبب بمرضك؟!
فأنتِ طوال فصل الشتاء ترتدين الخزانة بأكملها فمن أين
جاءتك الانفلونزا؟!"
كادت تطلق ضحكة ساخرة من تفكير ابنة خالها وفكّرت
تُرَى لو أخبرتها عن طبيعة حياتها ماذا سيكون رد فعلها؟!
"عبير أنا مريضة حقا ولا أستطيع الرد عليك الآن, عندما
أُشفَى سأرد عليكِ الرد اللائق"
قالتها حنين بمرح مصطنع فضحكت عبير قبل أن تودّعها
قائلة:"حسنا حنّون سأغلق الخط وأنا مطمئنة أن عماد يعتني
بكِ جيّدا فهو يطمئننا عليكِ على الدوام.. أراكِ قريبا"
همست مودّعة ثم انهارت أرضا مرة أخرى وهي تبكي حالها..
من بَقِيَ لها حتى تخبره عمّا يحدث لها؟!
هي اليتمية التي نشأت بمنزل خالها, اليتيمة التي بعد أن
كانت مدللة والديها أصبحت لا تجرؤ أن تجهر برغبتها بأي
شيء لأن ليس لها والدين!
أغمضت عينيها بألم ودموعها تسيل على وجنتيها أنهارا مالحة,
فاسدة لا تصلح لري ظمأ أحدهم سوى وجنتيها اللتين ارتوتا
طويلا بتلك الأنهار!
كم تشعر بمرارة اليتم الآن أكثر مما شعرته طوال حياتها!
هل تستطيع أن تخبر خالها بما يحدث معها؟!
وهل سيقف بجانبها أم سيفكر بحديث العالم من حوله
خاصة بمركزه الذي يحافظ على مسّه بأي كلمة خوفا
عليه؟!
أخرجها من شرودها صوت هاتفها الذي طنّ بمكالمة من
جلّادها فأجابته على الفور حتى لا يجد حجّة أخرى ليصب
جام غضبه عليها.. فتحت الخط ليصلها صوته الغليظ:
"جهّزي حالك سنذهب الليلة لحفل مهم, أريدك أن تكوني
نجمة الحفل.. وتلك العلامات التي يمتلئ بها جسدك
اخفيها بأدوات الزينة.. هل تسمعيني حنين؟!"
همست:"أجل"
أغلق الخط بوجهها دون وداع.. ابتسمت ساخرة من تفكيرها
أي وداع حنين؟! هل تتخيلين نفسك زوجة حقيقة!
أنتِ فقط محض آداة بيد زوجك حتى يصل لمآربه باسم
عائلتك.. هذه هي وظيفتك بحياته فارضي بها كما
رضيتِ طويلا بكل شيء دون أدنى اعتراض.
****
استعدّت كما أمرها ليصلها السائق بالموعد المحدد مصطحبا
إياها للحفل.. وما إن وصلت للحفل حتى انقبض قلبها وأرادت
التراجع لتجده يخرج لملاقاتها فاستسلمت لقدرها ودلفت معه.
عرّفها عماد برجل ما قائلا:
"هذا سمير بك, صاحب العمل حنين..
هذه حنين زوجتي يا بك"
لمعة عينيه وهو ينظر لها كفريسة سينقض عليها بعد
لحظات جعلت قلبها يهوي بعنف ليقترب منها المدعو سمير
بك قائلا:"وهل يَخفَى القمر عماد؟! لقد أنارت الحفل
ما إن خطّت قدميها بداخله"
شعور غريب اكتنفها حاولت أن تكذّبه ليميل عليها عماد
مؤكدا شعورها وهو يهمس:"ما بكِ حنين؟! تفاعلي مع
الرجل, ابتسمي له, تحدّثي معه, افعلي أي شيء لتسلّيه.. إنه
سبب زواجنا من الأساس"
كادت تغص بالمشروب الذي منحه لها أحد السقاة عندما
شعرت بنبرة زوجها التي أثارت اشمئزازها ليكتمل المشهد
عندما شعرت بذراع سمير بك تحيط بكتفيها لتنتفض
مبتعدة ليسقط الكأس من يدها محطّما على الأرض..
شحب وجهها وهي تنظر لعماد الذي زمجر بشراسة ليوقفه
رئيسه هامسا له ببضع كلمات ليومئ بخضوع قبل أن يرافقها
للسيارة آمرا السائق أن يعيدها للمنزل.
****
بعد يومين

 بين مخالب الشيطان (مكتملة) بقلمي حنين أحمد حيث تعيش القصص. اكتشف الآن