الفصل السابع

13K 430 7
                                    

(الفصل السابع)      
أخفت ألمها عن كريم حتى يذهب لعمله مطمئنا عليها
فهى تعرف زوجها حق المعرفة لا يستطيع التركيز بشيء
عندما ينتابه القلق عليها ..
بالكاد استطاعت الاستحمام بعد مغادرته وعادت إلى الفراش
لا تقوى على الحركة.. فكرت بالاتصال بحنين لتصعد لها
ولكنها استغرقت بسبات عميق قبل أن تضع الفكرة قيد
التنفيذ لتستيقظ على ألم حارق بأسفل ظهرها فانطلقت
صرختها دون إرادة منها وهي تنهض للبحث عن الهاتف
ليقاطع بحثها رنين جرس الباب..
عانت كثيرا حتى تصل إلى الباب علّ أحد ينقذها مما هي
فيه منذ الأمس.. وأخيرا استطاعت الوصول إلى الباب لتفتحه
لتجد حنين أمامها لتبادرها بصرخاتها وهي تهتف بها أنها على
وشك الولادة .
                 ***        
فكرت بالصعود لرؤية عبير فهي لم تحضر إليها اليوم
وكانت متوعكة بالأمس وبالفعل وضعت أفكارها قيد
التنفيذ وصعدت إليها ..
بالكاد استطاعت عبير أن تفتح لها الباب ثم بادرتها بصرخة
تخبرها أنها على وشك الولادة لترتبك حنين ولا تعرف ماذا
تفعل! ومع صرخات عبير المتتالية صعدت سمية إليهما
وأخبرتها أن تحضر حقيبة الطفل المجهّزة بحجرته لتتولى هي
الاتصال بكريم ووجدي .. وخلال نصف ساعة كانوا
قد وصلوا إلى المشفى .
      ***
       "الولادة"
بداية جديدة تحتاج للكثير من الألم مثل كل البدايات,
حياة تُخلَق من رحم أم انتظرت تسعة أشهر حتى ترى طفلها
والذي يُزرَع حبه بقلبها منذ اللحظة التي تعلم فيها بوجوده
داخل أحشائها.. وطفل يولد بعالم مختلف عن العالم الذي
عاش به تسعة أشهر.. عالم واسع مختلف عن عالمه الذي
اعتاد عليه والذي لا يتعدى رحم أمه .
كان الجميع بالمشفى ينتظر أن تنتهي الولادة وكل منهم
تختلف مشاعره عن الآخر ..
فكريم الذي يتآكله القلق لم يستطع أن يجلس فظلّ
يتحرك بالمكان بتوتر وتحاول سمية أن تطمئنه بأن الطفل
الأول غالبا يتأخر بالحضور ولكن ذلك زاده توترا فلم يلبث
أن تذكر كل ما كانت تخبره به عبير عن إحساسها أنها لن
تخرج من الولادة على قيد الحياة ومزاحه وقتها أن كل النساء
تشعر بتلك المشاعر في فترة الحمل ولكن رغما عنه شعر
بالقلق .. لا ليس القلق فالقلق شعور ضعيف جدا بالنسبة
للمشاعر التي تتآكله منذ دخولها غرفة الولادة منذ
ساعتين .
وحنين لم تستطع أن تنطق بكلمة واحدة منذ ألقت سمية
على مسامعها الكلمات القليلة التي أخبرتها بها كيف
تتصرف مع عبير التي لم تكف عن الصراخ كلما هاجمتها
الآم المخاض..
جلست ساكنة على مقعد بجانب وجدي في المشفى وبداخلها
مشاعر متبانية..
الخوف والقلق على عبير والتي رددت على مسامعها نفس
الكلمات التي أخبرتها لكريم والتي كان وقعها على حنين
أقسى نسبة إلى حساسيتها وعدم خبرتها بتلك الأمور .
والحزن عندما فكّرت أنها طالما تمنّت أن تحظى بأطفال
كثيرة ولا تعرف إذا كان مقدّر لها أن تحظى بهم أم لا!
والترقّب فمنذ علمت بحمل عبير وهي تحلم باللحظة التي
ستحمل طفلها بين يديها وهل سيشبه عبير أم كريم؟!
انتبهت من أفكارها على خروج الممرضة وهي تحمل الطفلة..
حملها كريم برفق وهو يؤذّن بأذنها بخفوت ثم قبّلها وأعطاها
لسمية وهو يسأل عن عبير بلهفة لتطمئنه الممرضة على
حالها وتخبره أنها لحظات وتنقل إلى غرفة عادية .
حمل كريم الطفلة واقترب من حنين ليريها إياها خفق قلبها
بقوة وهي تتناول الطفلة من يديه وهي تنظر لها بلهفة
وتمتلئ عيناها بالدموع تقبلها بحب وهي تتمتم:"ما شاء الله لا
قوة إلا بالله, بورك فى الموهوب وشكرا للواهب ورزقتهما
برّه, مبارك عليك أخي"
ابتسم لها كريم وهو يحيطها بذراعيه ويقبلها بحنان ويهمس
لها:"حنين"
رفعت رأسها له ببراءة وهي تجيبه:"نعم؟"
ضحك بخفوت وهو يقول:"سنسميها حنين حبيبتي تيمّنا
بكِ"
ابتسمت بسعادة ثم تغيّرت تعابير وجهها بلحظات إلى الرعب
وهي تهتف:"لا كريم, أرجوك لا تفعل بها ذلك.. لا تجعلها
بنفس اسمي فتأخذ مثل حظي البائس وتعيش تعيسة للأبد"
لم تلاحظ أن صوتها كان عاليا فسمعها الجميع وقبل أن
يقترب منهم أحد وجدوا آخر شخص يمكن أن يتواجد بذلك
الوقت يقترب منها .
       ***
يحيّره غموض هذا الرجل, يهاتفه ويخبره أن يحضر ليكون
بجانب حنين, ارتسمت على وجهه ابتسامة حانية وهو ينطق
اسمها بحب..
عقد حاجبيه بحيرة.. متى وقع بحبها؟!
هل تخدع حالك شريف؟! أنت تحبها منذ المرة الأولى
التي رأيتها بها ولم تعرف حتى اسمها وقتها..
تذكّر ما انتابه عندما رآها تطل من شرفتها, الحزن المطل من
عينيها والانكسار البادي على وجهها جعلاه يشعر بألم غريب
بقلبه ورغم أنه قد أشاح بنظره عنها على الفور ولكن
صورتها الحزينة ارتسمت بمخيلته ولم تفارقه قط حتى ذلك
اليوم الذي سمع صراخها والذي جعله ينتفض من نومه ذاهبا
إلى شقتها محطما بابها ومحطما معه كل الأعراف التي تربى
عليها ولكن علمه أنها تعاني ذلك الذل من سنتين ولا أحد
يتدخل جعله يعاني أقصى درجات الغضب والثورة على قيود
المجتمع البالي والتي تجعلها تعاني من الذل والهوان فقط
حتى لا تصبح حاملة اللقلب الذي يدينون به أي امرأة
تحمله.. تساءل أين أهلها؟! ولِمَ تركوها لذلك النذل؟!
صوت صراخها يومها كان مختلفا عن صراخها الذي سمعه منذ
يومين وقتها أراد التدخل ولكن منعته والدته قائلة أنها
مشاكل بين زوجة وزوجها ولا يملكون حق التدخل بينهما..
ولكن ذلك اليوم صراخها كان مختلفا كأنها تعيش حالة
من الرعب والصدمة جعلته يكاد يجن وهو يحطم الباب
مقتحما الشقة ليراها بموقف يصرخ بأي رجل يمتلك دماء
حارة أن يتدخل بل ويكون الدم هو ثمن ذلك التدخل .
رأى ذلك الحقير المسمى زوجها وهو ينهال عليها بالسباب
ممسكا بها ل....... ليغتصبها الآخر المصاحب له!
كاد قلبه يتوقف من هول المشهد لولا نظرتها المستنجدة به
والتي أيقظته من تجمده ليتدخل وينقذها من بين أيديهما
القذرة ويهرب النذلان في غمرة الفوضى التي غمرت المكان
وقتها ليخلع هو سترته ويلبسها إياها وهي تسقط فاقدة للوعي
بين ذراعيه .
وقتها شعر بانتمائها إليه وكأنها قد خُلِقَت من أجله أو
كأنها قطعة من روحه!
لم يطق مفارقتها فصعد معها لسيارة الإسعاف وظلّ ممسكا
بيدها حتى فارقها في المشفى ليقوموا بمعالجة جروحها,
الجروح الجسدية تشفى مهما طال الزمن ولكن الجروح
النفسية شفائها أصعب وفى بعض الحالات لا تشفى على
الإطلاق!
وهو أعلم الناس بجروحها النفسية والتي تعرضت لها طوال
سنتين على يد ذلك الوغد والذي رغم طلاقها منه يتابعه
ولكنه يحتاج مساعدتها حتى يتخلّص منه تماما..
يعلم أنها تعرف الكثير عنه وربما كان هذا السبب الذي
جعل ذلك النذل يضربها بتلك القسوة التي تركت آثارها
على جسدها كما روحها .
وتساءل... هل كان يأتي بالرجال ليتمتعوا بجسد زوجته أمام
نظره طوال سنتين وهي تصرخ ولا تجد من يدافع عنها؟!
هذا الخاطر جعله ينتفض من مكانه مسرعا إلى المشفى
ليكون بجانبها كما طلب منه خالها ....
وكما يهتف به قلبه .
***
كان يقترب منها عندما سمع جملتها التي تقطر ألما هو وحده
يعرف سببه الحقيقي فاقترب منها قائلا:"الأبد بعيد جدا
حنين فلا تحكمي على حياتك بالتعاسة الأبدية قبل أن
تتابعيها مع شخص جيد يرجع لكِ ثقتك في العالم حولك
مرة أخرى"
ثم نظر إلى كريم الواقف بجانبها وهنأه بسلامة الطفلة
ووالدتها.. وتتابعت ردود الفعل حوله ما بين مرحب ومندهش
وغاضب! وقاطع كل ذلك خروج عبير من غرفة الولادة
واستقرارها بغرفة عادية بالمشفى .
سار شريف بجانب حنين وهو يحادثها بهمس في حين ارتسمت
ابتسامة خجولة على شفتيها وخلفهما حسام يكاد يقتل
ذلك الرجل الذي دخل حياتهم ليربكها بوجوده
أكثر مما هي ..
وابتسامة ماكرة تلوح على شفتي وجدي التقطتها سمية
فاقتربت منه متسائلة لتتسع ابتسامته أكثر وهو يغمز لها
بسعادة دون توضيح شيء .
دخلوا جميعا لعبير ووقف شريف في الخارج وأخبرها وجدي
أن تظل معه حتى يطمئن على عبير ويخرج له..
جلس على مقعد يجاورها خارج الغرفة ينظر إليها وهي تفرك
يديها بارتباك ونظرها يدور بكل شيء حولها إلا هو ليبتسم
بحنان فمظهرها يوحي بأنها طفلة أو مراهقة لم يقترب منها
أحد من قبل ..
بادرها قائلا:"هل حددتِ ماذا ستفعلين فى الأيام المقبلة؟"
حنين بخفوت:"سأنزل للعمل بالشركة مع خالي"
لم يستطع منع نفسه من التعليق بغيرة:"ومع حسام؟"
رفعت بصرها لتجيبه:"بالتأكيد, حتى أن خالي اقترح أن
أتدرب معه حتى أفهم العمل جيدا"
كان ينظر لها بطريقة غريبة فشعرت ب...... لم تفهم
حقيقة شعورها كما لم تفهم نظراته فاكتفت بنظرة
متسائلة يتبعها سؤال بريء:"أيضايقك شيء؟!"
شريف بغيرة:"أجل, يضايقني عملك مع ابن خالك كثيرا"
تساءلت بحيرة:"ولِمَ؟! هو ابن خالي وكنت أعيش معه طوال
سنوات عمرى إذا هو بمثابة أخ لي كأخي كريم تماما"
نظر لها بتركيز جعلها تشيح ببصرها بخجل وهو يهتف:
"حقا؟! هو أخ لكِ ككريم تماما؟ لا أعلم لِمَ ينتابني شعور
أن مشاعرك مختلفة ناحيته كما من الواضح أن مشاعره
مختلفة أيضا فنظراته إليّ توحي بكره غريب تجاهي"
حنين بخفوت:"لا تقلق من ناحيته فهو رجل متزوج ويحب
زوجته" .. ثم تابعت بصوت حزين مدافعة بكبرياء:
"أما أنا فلا أعرف السبب الذي جعلك تقول ذلك, فحسام ابن
خالي ولا أفكر به بطريقة أخرى.. لست أنا التي تأخذ رجل
من زوجته أستاذ شريف, سأذهب لأحضر لك خالي بعد
إذنك"
وأسرعت إلى الغرفة تاركة إياه يلعن الحماقة التي تفوه بها
من غيرته.. هو بالطبع لم يكن يقصد شيئا كريها كما
فهمت هي ولكنه يغاار عليها كثيرا!
حسنا شريف أنت أحمق بالتأكيد, لماذا تفوهت بذلك الهراء
إذا كنت عازما على التقرب منها وجعلها تقع بحبك؟!
    

 بين مخالب الشيطان (مكتملة) بقلمي حنين أحمد Tempat cerita menjadi hidup. Temukan sekarang