الفصل الرابع عشر

12.1K 413 6
                                    

(الفصل الرابع عشر)

عندما يضيء شعاع النور بوسط الظلام الحالك..
عندما ينبت الأمل من أعماق اليأس..
عندما يستحيل الصعب هيّن..
عندما يتحول المستحيل ل.. ربما
عندما ينبع الأمان من أعماق الخوف..
حينها فقط نعرف أنه العشق قد دقّ باب القلب..
بل اقتحمه اقتحاما .

مر الأسبوع سريعا في التحضيرات للزفاف والذي طلبت حنين
أن يكون بحديقة الفيلا ولا يكون فيه سوى الأقارب وهو لم
يضغط عليها وتفهّم ما تعاني منه من نظرة المجتمع العقيمة
لها..
هو حقا لم يهتم بمكان إقامة العرس.. كل ما كان يهتم له
هو أنها ستكون له أخيرا وبعد سنوات من الدعاء الذي لم
يكف قلبه عن ترديده قبل لسانه..
وبعث لها بفستان الزفاف الذي احتفظ به من سفره الأخير..
وقتها لم يتمالك نفسه عندما رآه وقام بشرائه على الفور
حتى وهو يعلم أنها ملك لآخر.. ولكنه لم يستطع إلا أن
يتخيلها به وأخيرا ستتحقق أمنيته ويراها بالفستان ويكاد
يتوقف قلبه من فرط السعادة التي يشعر بها..
حتى مازحه شقيقه والذي حضر لحضور الزفاف مع زوجته
وأطفاله:"لا أصدق أن المقدم شريف سيف الدين بكل
صرامته وجديته يرتجف من الترقب أمامي وهو ينتظر زوجته"
ضحك شريف قائلا:"حسنا حسنا.. من يتحدث؟! ألست أنت من
أثرت جنوننا جميعا يوم زفافك؟! فلا تبدأ حتى لا أبدأ أنا
أيضا"
تعالت ضحكات شقيقه مع ضحكات صديقه معتز وهو يقول:
"مبارك عليك حبيبتك شريف, أتمنى من الله أن تنالا
كل السعادة التي تستحقانها"
ثم أتبع بمشاكسة:"ولكن لن أمنحها إجازة من العمل إلا
أسبوع واحد فقط فأنا لا أحب المحسوبية و.."
قاطعه شريف بسخرية:"ومن أخبرك أنني سأجعلها تعمل
معك أيها السمج! حنّة ستكون لي وفقط"
"بدأنا الدكتاتورية.. سأخبرها حتى تذبح لك القطة
من الليلة الأولى"
قالها معتز بمشاكسة فضحك الشقيقان قبل أن يقاطعهم
دخول حنان.. وقفت أمام شريف تنظر له بحب وتعدّل من
ربطة عنقه والدمع يتسابق ليتساقط من عينيها وهي تحاول
كبحه بلا جدوى..
أمسك شريف بيدها وطبع عليها قبلة وهو يهتف:"ماذا بكِ
حبيبتي؟! أليس هذا اليوم الذي تمنيتِ حدوثه منذ فترة
طويلة؟! فلِمَ الدموع الآن؟!"
ابتسمت بحنو قائلة:"بالتأكيد إنه أسعد يوم بحياتي.. هذه
دموع الفرح بنيّ"
احتضنهما الابن الأكبر معا وهو يهتف:"أدام الله علينا الفرح
والسعادة"
فضمهم معتز وهو يقول مشاكسا:"أحبوني معكم" .
***
وعند حنين كانت الاستعدادت قائمة فقد حضرت المزيّنة
بالمنزل لتقوم بتزيين حنين وعبير وسمر بالطبع..
وحاولت عبير ألا تترك سمر مع حنين بمفردهما حتى لا
تتحفها بكلامها الرائع والذي تتعمد قوله لتنغّص عليها
فرحتها.. ولكنها لم تستطع فسرعان ما علا بكاء الطفلة
فذهبت مسرعة وهي تخبر حنين أنها لن تتأخر.
واستغلت سمر الفرصة كعادتها لتلقي بسمومها بأذنيّ حنين..
"ما بكِ حنين؟! لماذا أنتِ متوترة إلى تلك الدرجة؟!
من يراكِ يظن أنه أول زواج لكِ"
أجابتها من بين أسنانها:"لست متوترة سمر"
تابعت سمر بخبث وكأنها لم تسمعها:"أم أنكِ علمتِ السبب
الحقيقي خلف تلك السرعة التي يتم بها الزفاف؟!"
لم تجيبها حنين فأردفت سمر وهي تتصنّع الحزن:"السبب هو
حمايتك من طليقك المهووس عماد فقد علموا أنه يريد
الوصول إليكِ والانتقام منكِ لتركه بتلك الطريقة"
تصلب جسدها عندما ذُكِرَ اسمه وتراءت لها صورا من الماضي
القريب كانت قد تناسته في غمرة فرحها بالزواج من شريف
وانشغالها في الاستعداد للزفاف..
لاحظت سمر رد فعلها فتابعت وقد وجدت المدخل لتنغّص
عليها فرحتها:"لقد سمعت حسام يذكر أن رجال الأمن الذين
يحيطون بالمكان قد أحضرهم خطيبك.. أقصد زوجك
الجديد فهو يخشى أن يفعل عماد شيئا ليفسد الفرح..
مسكين شريف.. لِمَ لم يُرِح نفسه ويتزوج بامرأة ليس لها
ماضٍ مخيف مثلك؟! أتمنى فقط ألا يسأم منكِ ومن
مشاكلك شريعا وتعودين إلينا مطلقة للمرة الثانية"
وكانت سموم سمر قد أتت بثمارها وسمعت صدى لأفكار
حنين.. فها هي تلاحظ ما لم تلاحظه من قبل.. رجال الأمن
الذين يحيطون بالفيلا من بعد مهاجمة عماد السابقة لها,
الإسراع بالزواج والذي كان من المفترض أن يتم بعد شهرين,
ملازمة كريم لها وعبير بكل مكان تذهبان إليه بحجج
واهية, حتى الارتياح الذي ارتسم على وجوه الجميع عندما
أخبرتهم أنها لا تريد عرسا ضخما بل شيئا بسيطا بحديقة
الفيلا..
كل ذلك لم تلاحظه في غمرة انشغالها في التحضيرات
وانشغالها بمشاعرها الوليدة على يديّ شريف..
تنهّدت وهي تتساءل.. هل هي بالنسبة إليه قضية يعمل عليها
فقط؟! أم أن الحب الذي تنطق به خلجاته حقيقيا؟!
هل سيندم على الزواج منها بسبب ماضيها المشين كما
ذكرت تلك الأفعى؟!
هي لم تعد تستطيع العيش بدونه.. لقد ذاب قلبها عشقا له
ولم تعد تطيق صبرا على الابتعاد عنه..
تريد أن تعيش الحب الذي اشتعل بقلبها معه..
فهل سيكون القدر رحيما بها ويعطيها فرصة للسعادة؟!
أم أنه سيسلبها إياها كعادته؟!
***
عادت إليها عبير لتجدها قد استغرقت في افكارها فلم تشعر
بعودتها فمازحتها قائلة:"كلها لحظات ويأتي خالك
ليسلّمك لعريسك حبيبتي لا تقلقي لن يتأخر أكثر"
ابتسمت لها بشحوب فلاحظت عبير التغيير الذي شابها..
فسألتها:"ماذا حدث معكِ حنين؟! لا..لا تقولي تلك الأفعى
سمر قد نفثت سمومها بكِ مرة أخرى أليس كذلك؟!"
قالت بحزن:"لديها الحق عبير.. فأنا أشعر أني لا أستحق
شريف.. هو يستحق فتاة بريئة لم ترَ من الدنيا سوى جانبها
الوردي وليس.. حطام امرأة مثلي"
هتفت عبير بصرامة:"إيّاكِ أن تنعتِ نفسك بتلك الصفة
مرة أخرى حنين.. لا تستمعي لحديث تلك الأفعى هي تشعر
بالغيرة منكِ لأنكِ أفضل منها وستتزوجين برجل تحلم هي
بالنظر إليه فقط.. نعم هي زوجة أخي ولكني أعلم جيدا
أنها لا تحبه.. هي فقط لم تنجح مع غيره.. هو سقط بحبالها
كالغرّ الساذج.. وربما كان ما يحدث له تكفيرا عن ذنوبه
بحق الفتيات اللاتي جرحهن وكسر قلوبهن وضحك عليهن
بكلامه المعسول ووسامته التي جذبتهن إليه"
عاتبتها حنين برقة:"لا تظلمي حسام.. هو فقط ضعيف أمام
الجمال وهو منذ زواجه بسمر لم ينظر لامرأة أخرى سواها"
سخرت عبير منها:"حنين حبيبتي.. أنتِ طيبة وساذجة حقا..
إن حسام يعيش حياته كما قبل زواجه وأكثر عزيزتي..
وهذا ما يجعلها تنفث سمومها في الجميع بل والأدهى أنها قد
خانته هي أيضا"
شهقت حنين بقوة وهي تنظر إليها غير مصدقة ما تسمعه!
هل يوجد شيء كهذا؟!
تذكرت خيانات عماد المتعددة والتي لم تكن تؤلم سوى
أنوثتها المجروحة فتساءلت إذا كانت سمر أحبت حسام حقا
لذلك هي تتألم وتريد الجميع أن يتألم مثلها!
أخرجها من أفكارها الباب الذي فُتِحَ ودلف منه وجدي
وسمية.. نظرا إليها بحب وحنان وباركا لها ثم أمسك وجدي
بيدها وخرج معها ليسلمها لشريف الذي يتحرق شوقا لها .
ساد الصمت للحظات فرفع بصره ليرى ملاكه مقبلا عليها مع
وجدي.. شعر بقلبه يكاد يقفز محلقا من فرط السعادة التي
يشعر بها..
كان الفستان بحمالة واحدة يضيق عند الصدر وينسدل
بتنورة واسعة حتى يصل إلى كاحليها.. والجزء العاري مغطى
بقماش التُل السميك وحجاب أبيض جعلها كالملاك
وطرحة طويلة تحملها لها عبير..
التقط يدها بين يديه وطبع عليها قبلة أتبعها بقبلة أخرى
على رأسها ثم قادها إلى المكان المخصص لجلوسهما وهو
يغمز كريم ألا يطيل عليه ..
أثارت غمزة شريف الهمس والضحكات بين الحضور فنظرت له
حنين متسائلة ليجيبها ببراءة:"غمزت كريم حتى ينهي
العرس باكرا"
أشاحت بوجهها عنه بخجل فقهقه بمرح وهو يمسك يدها
ويضعها على ساقه هامسا لها:"إذا اردتِ أن تثيري فضيحة
حاولي أخذ يدكِ إليكِ"
ابتسمت مازحة:"لا عليك سأتركها لك"
هتف بأسف مصطنع:"ياللخسارة.. لقد أردت أن أريكِ مثالا
للفضيحة التي أنتويتها"
وتابع المزاح معها غافلا عن العيون التي تنظر إليهما بحقد من
بعيد .

 بين مخالب الشيطان (مكتملة) بقلمي حنين أحمد Where stories live. Discover now