الْفَصل الثَالِث.

330 27 11
                                    

غُرفة العمَليَّات .. ذَلك المكَان الذِي حَلُم بِه كُل الجرّاحِين فِي ليالِي دراسَتِهم ، كَان حُلم الدخُول لذَلك المكان هُو مَا كان يُهوِن صعُوبة الدِراسة و مرَارتها ، و مَع ذَلك اعتَاد الأطِبّاء أنّ لَيس ما تحَصُل عَليه يكُون حسِنًا بالكامل ، فالعَمل كطَبيب يُحتِّم عَليَك أنا تظَل ثَابِتًا ، أن تَقِف أمَام ذَوِي المرِيض و أنتَ تكبَح أعصَابك و إحساسَك ، و إمّا أن تكُون مصدرَ البَسمَة علَى وجُوهِهم و إمّا أن تكُون سببًا لبُكائِهم.

قَضَت مارِي السّاعة و النِصف الماضِيَة فِي إجرَاء العمَلِية. كَانت حالَة المرِيض عَلى حافَة الخَطَر ، وجَّهت مارِي كامِل تَركِيزِها عَلى مُحاوَلة الخُرُوج مِن هَذه العَملِيَّة و هِي تُقَدّم الفُرصة التِي أرادَها الفتَى المُنتَظِر خارِجًا و قَد نَاط أمَلَه بمارِي. أحسّت مارِي مُنذُ أنْ وعَدَت أن تبذُل كُلَّ ما تَستطِيع لنَجاحِ تِلكَ العمَلِيّة أنّ المسئولية قَد تَضاعَفت، و أنّ الأمرَ سيتَعدَّى كَونَها طبِيبة تُؤدِي عمَلَها.

صدَى طَنِين أحد الأجِهزَة عَن حدُوثِ خلَلٍ مَا ، علَا صَوت أدواتُ الجِراحة و هِي تتخبَطُ فِي بَعضها و تَصبّب العَرق عَلى جَبِين مارِي بغزَارة و احمَرَّ وَجُهَهَا كَأنَّها تَختَنِق ، ارتَفَع صَوتُ أحَد الأطِبّاء و هُو يَنظُر للشَاشات المُعلَّقة فَوقَهم "إنَّ ضَغط الدَمِ إلَى مُخِه يَنخَفِض و قَلبُه لَا يتَحمَّل". صَرخَت مارِي عَلَى الفرِيق المُتَخَبِط مَعَها "أزِيدُوا جُرعَة سترُويد ، فِي الحَال !" ، لَم يَسمَح الوَقت للجُرعَة بأن تَأخُذ مَفعُولها و هبَط صَوت الطَنِين فجأة و تحَوَلت الخُطوط المُنكِسرَة التِي كَانت تهِبط و تَعلُو فِ عُنفٍ إلَى خطٍ مُستَقِيم لَم يُسرَّ أحدٌ لرؤيَته.

وَجدَت مارِي أنّ أملَها الأخِير فِي جِهاز الإنعاش بالصدمات الكَهرَبِية فَلَم تتَردَد لِلَحظَة فِي أنْ تَرفَعَه إلَى أعلَى دَرَجة مُمكِنَة فِيه ، تَمتَمَت مارِي بَينَ أنفَاسِها المُتلَاحِقة و كَأنّها تنكِر ما يَحدُث رَغم وقُوعِه "لَن أسمَح لِذَلك بالحدُوث ، أنَا لا أعرِفُك و لكِنَّ لَكَ وَلدٌ يعرفك و يرِيد عَودَتك و ينتَظَر مِنِّي أن أخرُج لَه قائلةً أنّ كُلَّ شَئ أصبَح بِخير" ، أيقَن الفَرِيق أنّ لا جَدوى و أنّ بعدَ رابِع مرة تَستعمِل مارِي فِيها جِهَاز الصَدمات دُون نتِيجة أنّه لَا أمَل و أنَّهُم الآن قَد فَقَدُوا مَرِيضَهم.

تَوَقَفَت مارِي مُبتَعِدة تُحاوِل إدراك أنّها قد فَقدت المرِيض و أنّها قد خَسِرَت تِلكَ المَعرَكة و لَم تَستَطِع الوفاء بِوَعدِها. دائمًا مَا كَانت تَرى مارِي أنّ إنقاذ حياةِ الآخَرِين مَعرَكة لا خِيار لَها إلّا الفَوز بِها. حَاولَت مارِي دَفعَ نَفسِها إلَى الخارِج لاستِنشاق هواءٍ غَير هوَاء غُرفَة العمَلِيات القاتِل. أسنَدت برأسِها إلَى الحائط و قَد أغلَقت عَينَيها تُحاوِل التَفكِير فِي الطَرِيقة التَى سَتُخبِر بِها فتىً فِي الثامنة عشرَ أنّها لَم تستطِع الوفاءَ بوعدِها ، لسوء حَظ مارِي كانَت هَذه أوَّل مرة تخَسر فِيها مَعرَكة كما كانَت تُسمِّيها لِذَلك كَان صعبًا علَيها التعامُل بسهُولة مع ذَلِك.

مَـارِي رُوز | Marie Rose.Where stories live. Discover now