الحلقة الرابعة

252 25 1
                                    







وقف إيّاس متحفزّاً .. سينسى لباقته ويذهب إليها وإذ غضبت من عدم صبره حتى تأتيه، ليس من المعقول أن يتنظر ونار الفضول تحرّق رأسه بأفكاره العجيبة فهو ذاتاً في وضعٍ لا يحسد عليه .. هذا ليس عدلاً .

وقف في منتصف الطريق لمنزلها القريب وعينيه تحتضنان تقدّم كِينزي حاملة بين يديها كتاب مذكراتِها ، وهتفت به بنبرة هادئة تشوبها سخِرية :
-بالتأكيد لم تكن تنوي اللحاق بي فقط لأني تأخرت لبضعَ دقائق !.

مرت بقربه عائدة نحو شجرة الزيتون دون أن تقف لسماع رده ليمسك هو رقبته يمسدها بأصابعه -لا يعلم إن كان من إحراجه أم من تدافع الأشياء برأسه والتي قد أثقلت عَ رقبته- فرق بين قدميه عائداً نحوها ، وقع عينيه على ظهرِها فوق ضفيرتها الذهبية الطويلة مباشرة والتي ترفرّف كفستانِها الطويل والذي أخذ هو الآخر يرفل تزامناً مع حركتِها الهادئة والنسيم من حولِها ، وكأنّ الكون كلّه قد توقف عند طرِف فستانهاكما لو أنها .. زفر بضيقٍ وأغمض عينيه للحظة وهو يتنفّس عميقاً بغيضٍ من ترهاته وهراءه ، فالوقت الآن ليس مناسباً حتى يتأمل في جمالِها وكم هي مُلفتة تشدُّه نحوها دون أن تأئبه أو تشعُر به .. وكم هو أحمق حين يتغزّل بإمرأة يُشاهدُها للمرأةٍ الأولى .

مدت الكتاب له ليرفعه أمام ناظريه وهو يحدِّق به دون أن يطّرف بعينيه الزيتونية .. إنه ذاتَ الكتاب الذي يملكه بغلافه الجلدي ولونه البني الغريب المائل للحُمرة ، ذات النقوش ولكن دون عنوانٍ يحفر مقدمته بخطٍ زخرفيٍ أنيق !

جلس حيثُ كان قبل قليل ووضع الكتاب أمامه وعينيه لا تبتعدان مسافةِ إنشٍ عنه .. زفر بعصبية وهو يعيد وضعه فوق فخذيه باشراً في فتحه ،،

وقبل أن يبدأ القراءة هتفت كيِنزي :
-أنا لم أقبل بعد .

رفع حدقتيه محدقاً فوق تقاسيمها وعقله كله مع المكتوب بين سطور كتابها الذي يحمله .

ثم تمتم وكأن صوته بدى مغيباً هو الآخر :
-ماذا تعنين بذلك ؟.

-أعني بأني أتيتُك بالكتاب دون أن أسألك ، بالأصّح لم تدعني .. ولكن أنت بالتأكيد لن تُشَّرع بقراءة شيءٍ خاصٍ بي .

-أعلم بأنه لا يجوز لي قراءتِها ، وأن المذكرات شيءٌ ثمين لأصحابها .. متأسف .

فصمتت هي مُقّرة بذلك وأطال هو في صمته يفكر في كيفيةِ إقناعها بأن يجب عليه قراءة مذكراتها لا فضولاً وإنّما وسيلة لعبوره حقل الحقيقة .. حقلٌ لا يعلم مدى صحة وجوده .

لم يتغيّر في حاليهما شيء رغم مرور بعض الوقت .. كِينزي تحدّق شاردةً بالنهر وإيّاس مغيباً نحو عالمه وطريقة وصوله لعالمِها .

إمرأة من شمس ( عن الرّوح والكتب ).  Where stories live. Discover now