4

627 92 4
                                    

قالت المرأة متوجسة:
- من تكون یا عبدالله؟!
- انا مسلم بن عقيل.
فهتفت المرأة مأخوذة بالمفاجأة:
- انت مسلم؟! ..
انهض اذن انهض.
- إلى أين يا أمة الله
- الى بيتي..
وانفتح باب في الأفق المظلم.. كؤة تفضي إلى النور.. لحظة من أمل.. قطرة ماء في لهب الصحراء.
واحتضن بیت کوفي «مسلم بن عقیل»
- الرجل الشريد.
اما بقية البيوت فقد كانت تصغي برعب الى حوافر الخيل وهي تدك الارض بحثا عن رجل غريب.
القافلة تطوي الصحراء في طريقها إلى أم القرى.. قافلة عجيبة. لم تكن قافلة تجارية، ولم تبد كذلك قافلة للحجاج.. ففيها اطفال كثيرون.. اطفال يشبهون ورود الربيع.. قافلة يتقدمها رجل في عينيه بريق الشمس وفي جبينه يتلألأ القمر، وفي حنايا صدره تنطوي الصحارى. الى جانبه وجه يشبه البدر.. شاب في الثلاثين من عمره أو یزید.. يدعى «أبو الفضل» أو قمر بني هاشم.. دائم النظر الى اخيه يتأمله بخشوع..
يخاطبه: يا سيدي.
ويظهر خلفه فتي عجيب يشبه النبي خلقة و ثقة ومنطقة.. انه علي.. علي الاكبر. وفي القافلة هوادج كثيرة.. كثيرة جدا.. واطفال....
القافلة تسير، والتاريخ يحبس انفاسه، وكلمات تتردد بخشوع، فتمتزج مع تمتمات النوق.
. ولما توجه تلقاء مدين قال عسى ربي أن يهديني سواء السبيل.
- الطريق محفوفة بالأخطار، فلو تنکبت الطريق قدر عجيب يسير القافلة.. قافلة صغيرة تحاول تصحيح المسار الانساني.
الكلمات التي قالها الحسين مازالت تدوي في الآذان الاهداف العظيمة.. الروح السامية في جلال الملكوت کلاته تذهب مع نسائم الصحراء بذورة تنبت في اعماق الأرض.. هل يكون الموت هدفا..
كيف تخرج الحياة من رحم الموت؟
واذا كان الموت هو النهاية لكل کائن، فلم لا نختار الطريقة التي سنموت بها؟
هل يكون الموت جميلا احيانا، لكي يقول الحسين: خط الموت على ولد آدم خط القلادة على جيد الفتاة، وما أوهني الى اسلافي اشتیاق يعقوب الى يوسف.

- ولكن اذا كان هدفك الموت، فلم تأخذ معك الاطفال والنساء؟ واذا كانت الآفاق مظلمة، لماذا تصطحب كل هذا الحشد من الضعفاء؟....
- شاء الله ان يراهن سبایا. شاء الله أن يراني قتيلا. سوف اموت عطشة.. سأسقط قرب نهر يموج بالمياه كأنه بطوت الحيات.

- ماذا يريد الحسين؟.
- یرید أن يموت ظامئة.
لماذا؟!
- انها مشيئة الله!
- مشيئة الأمة....
القافلة تقترب من مكة.. ام القرى واد غير ذي زرع.. أول بیت وضع للناس.. مبهط جبریل فوق جبل النور.. غار حراء، حيث التقت السماء بالارض.. طفولة محمد.. شبابه.. آخر النبوات في
التاريخ...
المساء بنشر ظلاله الخفيفة.. وانوار واهنة تحاول أن تتلألأ کالنجوم.. اضواء مدينة حائرة هزتها انباء قادمة من دمشق. لقد هلك هرقل و جلس مكانه هرقل آخر.
شعبان يطوي ثلاثة من ايامه القافلة تدخل مكة، وتلقي عصا الترحال عند البيت العتيق. الحسين يحن إلى زيارة قبر جدته خديجة الكبرى.. يذكر تضحياتها من اجل محمد.. وهو يريد أن يواصل ذات الدرب.. يريد اعادة نهج النبي العظيم
- ماذا تريد يا سيدي الحسين.. ألا تبقي هنا في حرم الله؟

رواية ألم ذلك الحُسـين ؏ Where stories live. Discover now