16

215 39 7
                                    

وضاع بين سنابك الخيل وضاعت معه كل أطاعه وأوهامه.
وقف الحسين عند الفتي الشهيد:
- بعد لقوم قتلوك خصمهم يوم القيامة جدك عز - والله - على عمك أن تدعوه فلا يجيبك، أو يجيبك ثم لا ينفعك.
الموت يتخطف القافلة..
والمسافرون يعرجون الى السماء..
ارواحة شفافة خلعت أهابها الارضي ورحلت الى عالم مغمور بالنور.

لم يبق مع الحسين سوى حامل الراية؛ رجل يدعى أبوالفضل؛ أبوه أبو الحسن، وأمه امرأة ولدها الفحولة من العرب.

الراية تخفق في شماله، و في يمينه بتار يقصف الأعمار ثمة عيون تتطلع من وراء خيام تنظر الى الراية..
تخفق کشراع سفينة تعصف بها الريح من كل مكان القلوب التي صدعها الظمأ تنشد الماء، والفرات دونه غابات من الرماح، وأبو الفضل يكاد يتفجر غضبا كلما سمع أنة بنت أو صراخ صبي: العطش.. العطش... ولا شيء سوى السراب، سراب يحسبه الظمآن ماء

تقدم صاحب الراية من اخيه الذي بقي وحيدة الحسين ينظر إلى آخر القرابين السماوية:

- يا أخي انت صاحب لوائي.
قال أبو الفضل وهو يكاد يتميز من الغيظ:
- قد ضاق صدري من هؤلاء المنافقين، وأريد أن آخذ ثاري.
- اذا كان ولابد، فاطلب لهؤلاء الأطفال ماء.

انطلق أبو الفضل الى القبائل..
إلى قلوب قاسية اقسى من الحجارة..
وان من الحجارة لما يتفجر منها الأنهار.

- یا عمر بن سعد!
هذا الحسين ابن بنت رسول الله..
قد قتلتهم اصحابه وأهل بيته، وهؤلاء عياله وأولاده عطاشئ فاسقوهم من الماء. قد أحرق الظأ قلوبهم وهو مع ذلك يقول: دعوني اذهب الى الروم أو الهند و أخلي لكم الحجاز والعراق.

صاح الأبرص بصوت يشبه رئة الشيطان
- يابن أبي تراب!
لو كان وجه الأرض كله ماء، وهو تحت ایدینا، الماسقيناكم منه قطرة.. إلا أن تدخلوا في بيعة یزید.
الاطفال يصيحون..
القلوب الظامئة تئن ..
الشفاه الذابلة تهتف: العطش.. العطش.

والفرات يجري.. تتدافع امواجه.. کبطون الحيات اعتلى صاحب اللواء صهوة الجواد
حمل القربة، وفي أذنيه كلمات قالها أبوه على شاطئ الفرات بصفين: رؤوا السيوف من الدماء، ترووا من الماء.

انطلق أبو الفضل باتجاه الفرات وسط وابل من سهام ونبال.. رجال القبائل يفرون بين يديه مذعورين.. كأنما يفرون من الموت الزؤام..

الفارس يشق طريقه غير مبالي بالألوف التي أحدقت به يتوغل في اعماق النخيل المحدق بالشاطئ كأهداب حورية.. أبو الفضل يقحم فرسه النهر، فيتطاير رذاذ الماء اهتزت سعفات نخلة لكأنما طربت الشجاعة وبأس ستذكرهما الايام.
المياه المتدافعة تجري تحت الأقدام، والفارس الظامئ يغترف من الماء غرفة.. فيتذكر قلبا يكاد يتفطر عطشا؛ تمتم وهو يطوح بقبضة الماء بعيدة
يانفس من بعد الحسين هوني
وبعده لاكنت أو تكوني

ملأ القربة ماء، ثم قفز فوق جواده، وانطلق نحو مضارب الخيام..

القبائل تقطع علیه طريق العودة، وقد غاظها منظر القربة تموج مياه الفرات.
الفارس يسطر الملاحم وينشد:
لا ارهب الموت إذا الموت زقا
حتى أوارئ في المصاليت لقي
نفسي لسبط المصطفي الطهر وقا
إني أنا العباس اغدو بالسقا

ولا أخاف الشر يوم الملتقى رجل من القبائل يتقن الغدر يختبئ وراء نخلة.. في يده سيف ورثه عن ابن ملجم».
السيف الغادر يهوي - على حين غفلة - فيطيح باليمين لتستقر عند جذع نخلة سمراء:

والله إن قطعتم يميني
إني أحامي أبدأ عن ديني
وعن إمام صادق اليقين
نجل النبي الطاهر اليمين
....💔

رواية ألم ذلك الحُسـين ؏ Where stories live. Discover now