11

286 48 4
                                    


تجمعت في السماء النذر.. وإرهاصات حرب مدمرة تتراکم، كأكوام من الغيوم المشحونة بآلاف الصواعق.. وليل الصحراء مليء
بالاسرار.
خرج رجل من بين مضارب الخيام.. عيناه تتألقان تألق النجوم.. وخرج رجل يتبعه.. يخاف عليه الغدر.
- من الرجل؟!
- نافع بن هلال الجملي.
- ما الذي أخرجك في جوف الليل؟ .
- أفزعني خروجك يا ابن النبي.. والظلام يخفي سيوفة مسمومة
وخناجر.
- خرجت اتفقد التلاع والروابي، مخافة أن تكون مكمنا لهجوم الخيل يوم تحملون ويحملون.
شد الحسين على يد صاحبه وقال:
- هذه هي الارض التي وعدت بها
. ونظر إلى صاحبه بإشفاق وأردف:
- الا تسلك بين هذين الجبلين و تنجو بنفسك؟.
نظامی اکتشف ينابيع الماء، ألقى نافع نفسه على ينبوع الخلد وحياة لا تفنى:

- ثكلتني أمي يا سيدي.. والله الذي من بك علي! لا فارقتك أبدا.
ماذا رأى «نافع» تلك الليلة؟!
ماذا اكتشف لكي يفر من الدنيا.. لكي يسافر مع الحسين.. لعله شاهد في عينيه جنة من أعناب و نخيل تجري من تحتها الأنهار....
وعاد الحسين إلى مضارب القافلة، وفي عينيه تصميم وعزم.... الجيوش التي أحدقت بالفرات تسد الأفق.. تموج كالسيل.. کلاب مسعورة وذئاب تريد الفتك.. قبائل وحشية، أسكرتها نشوة السلب والنهب.. ما عساها تفعل القافلة في مهب إعصار فيه نار؟!
۔ سبعون سنبلة خضراء تحدق بها أسراب الجراد..
نظر الحسين الى آلاف السيوف التي جاءت تتخطفه، وقال بحزن:
- الناس عبيد الدنيا والدين لعق على ألسنتهم يحوطونه مادرت
معايشهم.
وتلقت خلفه، فلم يجد الا ثلة من المؤمنين؛ سبعون أو يزيدون ومثلهم معهم من الضعفاء صبية ونساء. وطريقان لا ثالث لهما: السلة أو الذلة.
- هيهات منا الذلة..
الموت أولى من ركوب العار.
- لسوف يقودون بنات محملي سبايا!
- العار أولى من دخول النار.
الذئاب الجائعة تعوي.. تتحفز للفتك، والقبائل تحلم بالغزو وليالي السلب المجنونة.
شمت النسور من بعيد رائحة معركة وشيكة، فراحت تدور في السماء.. تترقب صيدها بفارغ الصبر.. بدت وكأنها مقبرة هائلة فاغرة الأفواه....
القبائل تشاورت حول الأسلاب.. تفاهمت.

وقف «الأبرص» على الميسرة، وانفرد «ابن الحجاج» بالميمنة، فيما وقف بينهما رجل قارب السبعين يحلم به «الري» و «الجرجان».
- ماذا أعددت لهؤلاء يا سيدي الحسين؟
- سيف محمد.😭
- وماذا؟
- ورجالأ صدقوا ما عاهدوا الله عليه.
- وماذا؟
- والأجيال. 💔
و شوهد الحسين يجول بفرسه.. يرسم خطة المواجهة.
- قاربوا بين الأبنية.
تعانقت الخيام ببعضها.. تلاحمت کالبنيان المرصوص.
وشوهد الحسين وأصحابه يحفرون الخنادق خلف الخيام ويملأونها حطبة.
۔ کیلا تقتحمه الخيل..
- ویکون القتال في جبهة واحدة.
الاطفال ينظرون
- بحزن
- جهة الفرات.
شفاه يابسة تحلم بالندئ.. وفتيات بلغت قلوبهن الحناجر يصغين - برعب - الى طبول قبائل تحلم بالغزو والسبي؛ ونسور مجنونة تحوم.. تنتظر لحظة الانقضاض. هي ذي لحظات الغروب تتراكم ملتهبة.. والفرات يتأجج خلف ذرئ النخيل المتقدة.. الليل يوشك أن يهبط والحمرة القانية تتحول إلى رماد.. الظلام يجثم فوق الرمال كغراب في مساء

رواية ألم ذلك الحُسـين ؏ حيث تعيش القصص. اكتشف الآن