Part 4 / الضَجِيج الهَادِئ

73 18 5
                                    

كَان كريس يحتسي شراب عصيرِه الفريد ذو الوصفة الملكية الخاصة داخِل كأسِه الزجاجيّ الرفيع ، ويدِه الأخرى تسترخِي على صفحات كتابه القابع على فخذه ، بينما يعقد ساقيه واحدة فوق الأخرى في جلسةٍ مستقيمة ومثالية للغاية ، الهواء كان يدفع بخفة الأرجوحة الضخمة الفضية التي يجلس عليها ، كما تدفع القليل من خصلات شعره الرمادية في الإتجاه المعاكس ، ضوء عين الشمس الساطع يتجِه جنوباً بعيداً عن موقع كريس ، وأصوات العصافير والقطط تحوم من حوله ، كما أصوات حفيف الأشجار والحشائش المنعشة المحيطة به تزيد من الإسترخاء .

وكذلك بالقرب منه تجتمع العديد من طيور اليمامات من السماء منجذبةً الى الحبوب الغذائية المُلقاة أرضاً لتأكل منها وهنالك العديد من الكائنات الأخرى الصغيرة تتجه لتلك النافورة البيضاء الضخمة التي تنساب منها المياه اللامعة المُتلألأة بغزارة ، وتنتصِف هذهِ النافورة تمثالٌ فخاريّ لهيئة ملاكٍ طِفل يبتسم بسعادة ، شعره مجعد ولديه جناحين عملاقين وعينين آسيويتين ، وفي يده يحمل قلباً بشرياً ويحتضنه برقة وعناية ، والمياه النقية تنساب من ثقبٍ في يسار صدرِ هذا الملاك الصغير السعيد .

هذا هو الضجيج الهادئ المطلوب ، أصوات حركة الطبيعة ، وطعم الطبيعة بين شفتي كريس حيثُ عصيره الخالِص ، وقراءة كلماتٍ تتحدث عن مصير الملائكة والشياطين ، وماهي الفرق المحاذية لكلٍ منهما ومن هو الحقيقي والمُزيف ، وماهي خطاياهم وندوبهم وبراءتهم وشرّهم وأمراضهم ، في هذا الوقت من الصباح حيث الثامنة في يوم السبت من كل إسبوع ... كريس يعتقد إنه يزور عالمه وجنّته في هذا الموعد ، عقله يقرأ هذهِ الكلمات الحالمية .. قلبه يستمع للطبيعة .. روحه تُحاكي وتُرادِد الكائِنات الحية التي لا لُغةً لها هنا .

هذا السلام والإطمِئنان لم يدُم حتى هذا الوقت ، لقد قُطع لأول مرةٍ منذُ عامين لم يقاطع احد فيها هذا الوقت بالتحديد من الإسبوع ، فكان السبب هو دخول الحارِس قائِلاً بهدوء وإحترام :

" أعذُرني على الإزعاج سيدي هنالك آنسة تود اللقاء بك "

إبتسم إليه كريس بخفة ليومأ إليه بالموافقة ، فأعاد الحارس الإيماءة ليتراجع وثوانٍ لتظهر الآنسة التي كان يقصدها الحارس ، رفع كريس نظره نحوها ليغلق كتابه ويخفض كأسه واضعاً إياه على الطاولة الصغيرة بجانبه ، ويرى تلك الفتاة تخطو والجاذبية تشع في كل تفصيلةٍ فيها ، وإسلوبها المميز والأنيق في ملابسها حيث البنطال الطويل العريض ذو اللون البنيّ بادئاً من أعلى بطنها وينتهي حتى يغطي نصف حذائها الأسود ، وتحت البنطال قميص أبيض ذو زخارف عند السدر وفوقه سترة كلاسيكية بنية ، بينما شعرها الكستنائي المتموج مربوط عند مؤخرة رأسها بشريط أبيض ثم ينسدل حتى أعلى عضد ذراعها ، وبشرتها ناصعة البياض  .

الشَيـطَـآن النَبِـيـل Where stories live. Discover now