خطوطٌ ملونة تجر خطاها بتمايُل ، لا تواجه ما يعترضها وتتجه في طريقها بسلاسة ، الفرشاة تتنقل بخفة تحت تلك اليد الهادئة ، بينما عيناه ترتكزان على عينا اللوحة مع بريقٍ يومِض فيهما وإبتسامة صغيرة بالكاد تبرز نفسها ، أسقط كريس ذراعه ومال برأسه يتأمل لوحته التي رسمها للتو ، فإبتسم بإستحسان لنسخِ هذه الملامح الفاتنة التي يحفظها جيداً في ذاكرتِه ، إن صورتها في عقله دوماً كما لو إنه يراها الآن بكل وضوح ، ويستطيع نسخها على الورق متى يشاء ، فقط بإستعمال هذهِ الفرشاة الناعِمة والألوان الباهتة المحببة له .وقف ، ثم دار حول نفسه محدقاً بالجدران المليئة بالإطارات التي تحتوي على صورة لنفس الشخص ، بمُختلف وضعيات الوجه وكل الإتجاهات ، بكل التفاصيل من الأعلى للأسفل ، كانت تلك الصور كلها مرسومة باليد ، تلك الصور جميعها تخص إمرأة جميلة تبدو في الثلاثينات ، رشيقة وطويلة ، ذات شعرٍ بنيّ مموج يصل حتى أعلى كتفها ، وملامحها هادئة وجذابة ، مظهرها بسيط ولا تبدو من الطبقات الغنية ولا من الطبقات الفقيرة ، توقف كريس عن الدوران حتى توقف أمام اللوحة الوحيدة التي تحتوي على صورة وجهها كاملةً والصورة الأكبر حجماً دون البقية ، ثم حدق بها طويلاً ثم خاطبها قائلاً :
" هل يمكنني أن اسألكِ شيئاً أمي؟ "
الصمت القاتل هو ما يواجه سؤاله في هذهِ اللحظة ، ولكن خياله يقول له إنها تقول له نعم ، نعم إسأل حبيبي الصغير ، ثم تمسح على رأسه بحنان كما كانت تفعل بالسابق ، كبح إبتسامته اليائسة وقال :
" ما هو معنى الحياة؟ "
أكمل بعد صمتٍ وجيز :
" لطالما سمعتُ عن الحياة ، أسمع عن أهميتها في كل مكان ، الحروب والنزاعات في الغالب لأجل الحياة ، العمل لأجل الحياة ، لما الجميع يقدسون الحياة؟ الحياة ليست هنا بالفعل فلما يدافعون عنها؟ "
رفع شعره الرمادي المتمرد على جبهته ليردف مقطباً حاجبيه في حيرة من أمره بينما يتمتم :
" نحن الآن في فترة إختبار لا أكثر ، والحياة ستبدأ في الجنة عندما نُقتل ، ويستمر هذا الإختبار إلى المالانهاية .. إذاً لما كل ذلك القتال لأجل الحياة؟ وهنالك من يرددون تلك الجملة ' أريد أن أعيش ' ويرتعبون عندما يقترب منهم الموت ، ولكن الموت هو النجاة إذاً لماذا يرتعبون !! "
هز كريس رأسه بيأس ، يائساً من الحصول على أجوبة لكل تلك الأسئلة ، إنه في أكثر مواقفه حيرةً وإضطراباً ، أمسك برأسه بقوة وهو يحدق في الأرض بوجهٍ مظلم خالٍ من التعابير وهو يتذكر ذلك الحوار بالحرف الواحد دون أي كلمةٍ ناقصة .
أنت تقرأ
الشَيـطَـآن النَبِـيـل
General Fiction⚶تقَـدّم نحـوِي أرجُـوك فإنِـي لا أنــوِي عليـكَ إلا الخـلاص- هِـبنِـي إبتِسـامتكَ الدافِــئة الأخِـيرة قَـبل مَــوتِ المِـراس⚶ ⚶لا تَـكُن مِن نَـسلِ البَشَـرِ اللعِــين ، دعنِـي أُساعِـدك- تحمّـل القلِـيل مِن الألَـم الـذي لا يَـدُوم ، لأُطهِـرك⚶ ⚶...