رجل الحشائش

285 30 0
                                    

ماديسون بتكره الظلام، حتى لمّا كانت لسّه طفلة رضيعة كانت مبتقدرش تنام غير والنور مفتوح، ومهما عملنا أنا أو زوجتي، كانت طبعها مش بيتغيّر، حتى لمّا كُنا بنتطمِّن إنها نامت ونطفي النور، خلال أقل من ساعة كانت بتصحى وبتيجي أوضتنا، الأمر بقي أسوأ لمّا الأخصائي الاجتماعي بتاع المدرسة بدأ يتصل بينا عشان يقولنا إنها مش بتقعد في أي أوضة مُظلمة أبدًا أثناء الدروس اللي بيستخدموا فيها الفيديو، حاولت أنا وزوجتي نعمل كُل حاجة، رحنا لأطباء نفسيين، مُستشارين، أخصائيين، ومصحات

لمّا بقي عندها خمس سنين كُنا إتعودنا على طبعها، لكن بدأت تواجهنا مُشكلة أكبر، ارتفاع فاتورة الكهربا، وكُنا متحملين وبنقول كله عشان مادي

لكن المُشكلة الأكبر لمّا بدأت الكوابيس المُرعبة تهاجِم مادي وهي نايمة حتى والنور مفتوح، كانت بتيجي أوضتنا كُل ليلة، عشان تكلمنا عن الوحوش المُرعبة اللي بتطاردها وعن الناس المُخيفين اللي بيزوروها، لكن أكتر حد كانت بتتكلّم عنه هو رجل الحشائش، ودا راجل مصنوع من الحشائش والأغصان بيزورها باستمرار وبيحاول يقنعها تزور الغابة معاه

أقنعناها إن دي مُجرّد أحلام مش أكتر، وأقنعنا نفسنا إن النوع دا من الكوابيس دايمًا بيطارد الأطفال، لكن كان لازم الشخصية دي تعلّم معايا شوية، دي الشخصية الوحيدة اللي كانت بتتكلّم عنها بحماس، الشخصية الوحيدة اللي مكانتش بتخاف منها، الليالي اللي بيزورها فيها رجل الحشائش هي أحسن ليالي بنام فيها، لأنها مش بتخرج من أوضتها ومش بتشتكي، وبقوم من النوم مرتاح ومزاجي حلو، اللي كان لازم ألاحظه إن بالتدريج الليالي دي بدأت تزيد، ودا معناه ... إن زيارات رجل الحشائش بدأت تزيد

بعد مرور شوية وقت قدرنا نقنع ماديسون تستغنى عن نور أوضتها مُقابل إضاءة ليلية خافتة، الإضاءة دي قادرة تطمنها، وتنزل فاتورة الكهربا كتير، وتطمني وتريحني، مع دخولها المدرسة بعد الفترة دي قدرت تكون أحسن، درجاتها كانت بتتحسِّن، وكُنت حاسِس إنها مليانة سعادة وطاقة، رجل الحشائش زي ما هي كانت بتقول عليه، أصبح هو الوحيد اللي بيزورها في أحلامها، كُل يوم الصُبح تحكيلي عن المُغامرة الرائعة اللي خاضوها سوا، إزاي بتحس بالأمن والسعادة لمّا بتحلم بيه، وبصراحة ... مكُنتش مُهتَم، طالما هي كويسة وبتنام كويس خلاص

لكن مع قدوم عيد الشُكر، مادي بدأت تتغيّر، بدأت تنعزِل عننا، بدأت تبعد، السعادة قلّت كتير جواها، كانت بتقعد جنب الشباك لساعات طويلة، بتتجاهل كُل حاجة حواليها، بتقعد بس عشان تبُص للغابة الكبيرة اللي ورا بيتنا، وبمرور الأيام، كانت الفترات دي بتزيد

لمّا بقي عندها سبع سنوات، كانت بتتصرّف زي المُراهقين، بقت مُنعزلة عننا، مش بتتكلّم معانا ولا تحكي لنا حاجة، كانت بتقعد ساكتة وفي هدوء

والهدوء تحوّل لخناق، خلاص مبقتش مادي الهادية المُنعزلة، تحولِت لمادي العصبية اللي بتعصى أوامرنا، اللي بترفض تذاكر أو تعمل الواجب، اللي بترفض تتكلم معانا، مع أصدقائها، وحتى مع الطبيب النفسي بتاعها، والوضع دا أثّر علينا إحنا كمان، بدأت المشاكل تزيد بيني وبين والدتها، وفي النهاية قررنا نزور أخصائي في العلاقات عشان يشوف هنقدر نصلّح علاقتنا تاني ولا خلاص كدا

في يوم زارنا الطبيب النفسي بتاعها ومعاه التقرير الأسبوعي، على ما يبدو إنه الوحيد اللي قدر يقنعها تتكلّم معاه، قالنا إنها مش مُكتئبة ولا بتعاني من أعراض قلق أو أي حاجة، لكن حياتها وروحها مركزاهم بالكامل على الحياة البرية، على ما يبدو إن دي الحاجة الوحيدة اللي هي مركزة عليها، دي الحاجة الوحيدة اللي هي عايزاها، بدأت أفكّر في الأحلام اللي كانت بتحلّم بيها، يمكن هيكون مُفيد ليها أكتر لو قضّت شوية وقت برا البيت

اقترح عليّا فكرة إني آخدها معايا للتخييم، أنا كُنت غبي لدرجة إني ما أخدتهاش تخيّم معايا برا البيت ولا مرة واحدة بس طول حياتها، ولا حتى كُنت بسمح لها تروح مُخيمات مع المدرسة، مادي عُمرها ما زارت غابة في حياتها، اقترحت عليها الفكرة، وشُفت عينيها وهي بتلمع، يا الله ... من زمان مشُفتش عينيها بتلمع بالشكل دا

سيبنا زوجتي في البيت عشان ظروف شُغلها، وأخدت عربيتي أنا ومادي وانطلقنا ناحية غابة كبيرة من غابات نيبراسكا، على بُعد أميال من البيت، وهناك نصبنا الخيمة وسهرنا سوا أنا وهي أدام النار وإحنا بنطبخ وبنتكلّم وبنضحك سوا، كانت سعيدة جدًا، لأول مرة من سنوات طويلة

بالليل قلقت من النوم عشان ألاقي نفسي في الخيمة لوحدي، مش لاقي مادي في أي مكان، حسيت بالخوف، صرخت وأنا بجري حوالين الخيمة في كُل مكان، كُنت بنادي عليها بصوت عالي بجنون، صوتي كان عالي لدرجة إنه بدأ يضعف، بعد شوية لاحظت آثار أقدام صغيّرة بتبعد عن الخيمة، نورت كشّاف التليفون وبدأت أمشي وراها

لقيتها على بُعد 40 قدم تقريبًا وسط الغابة، كانت واقفة وبتبصلي وهي مُبتسمة، أول ما شُفتها صرخت: " مادي! "

ابتسامتها وسعت أكتر، كان في حاجة غريبة في نظراتها، نظراتها كانت باردة

ببطء من وراها بدأت الشجيرات والأغصان توسع عشان تسمح لها تعدي من بينهم، هو ... هو الأغصان والشجيرات دي كونت شكل رجل عملاق وهي بتتحرّك؟ أكيد لا، أكيد أنا بتخيّل، بدأت ترجع ببطء لورا وهي باصالي، دخلت وسط الشجيرات والأغصان اللي قفلت عليها، حاولت أعدي من وسطهم، لكنهم كانوا أقوى مني، وشي، جسمي، وإيديا إتملوا جروح وخدوش، لكن مقدرتش أوصلها ... مادي اختفت

الكلام دا حَصَل من أسبوع، مراتي طالبة الطلاق، الشُرطة والمُحققين شاكين فيّا وبيقولوا إني المُشتبه فيه الأول في القضية، أنا محبوس في بيتي، ممنوع أخرج منه أو أتحرّك لأي مكان، بقضي وقتي كُله في العياط

بفكّر فيها، في عينيها الباردة، ابتسامتها المُخيفة، الراجل العملاق المصنوع من الحشائش اللي تخيلت إني شُفته هناك

قالولي إنهم لقوها في مكان عالي على بُعد 15 ميل من المكان اللي أنا قُلت فيه إني شُفتها، المكان عالي لدرجة إن مُستحيل شخص بشري يكون قدر يتسلقه، كانت ميتة وجسمها مليان طعنات وخدوش بسبب فروع أشجار وأغصان، بيقولوا إنها ماتت ببطء وموتها كان مؤلم، لكن المشكلة الأكبر إنها ماتت بالليل ... لوحدها ... مادي بتكره الظلام

.
.
.
#بتاع_الرعب
#حدث_بالفعل
#قصص_حقيقية_حول_العالم

رعب(محمد عصمت)Where stories live. Discover now