نصّ .

52 6 2
                                    


انا هُناك حَيث جدتي تَقطُن في تلك الغرفة , تلك الغرفة التي أصبحت من بعدِ رَحيلها باردة كثلاجة موتى في مستشفى قَديم

خالية من المشاعرِ , ألن تسمعوا مرةً بغرفة مليئة بالمشاعر ؟ نعم انها غرفتها لكنها الآن مُجردة من كل ذلك 

لازلتُ عالقة هناك في تلك الأيام حين كانت جدتي تستيقظ صباحًا وتوقظنا بصوتِها الحنين قائلةً 

" يُمّة كومو مايازي نوم ! شنو تنابل انتم خلص نص النهار , الليل تكضونة على هالغضب الي دزو الامريكان الئهود وتكضونها الصبح نوم "

ننهض مُجبرين لأننا نعلم انها لن تسكُت ابدا , وبعدها تبدأ هي بطقوسها 

" بنيتي فُكيلي الشبابيج والبردات يلا تا نهوي الغرفة وديريليا على مكة المكرمة"

وبعدها افتح الإضاءة وانا اعلم انها لاتحب الضوء صباحًا لكن لأسمع جملتها 

" سدي سدي شلنا بي ضوة الله كافي عود من يصير الغروب نفتحة "

تمتلأ الغرفة بأشعة الشمس وصوت قراءة القُرءآن من التلفاز ولا ننسى رائحة البخور الذي لا تستغني عنه .

تبدأ جدتي بالصلاة وتستمر نحو مايقارب ساعة او اكثر وعندما نسألها عن سبب الإطالة تقول

" يمة هاي دنيا ماندري شيصير دام هسه بحَيلي خل اصليلي جم فرض حتى باجر عكبة اذا نمت الفراش ما اضل اتكرضم ع الصلاة الي تفوتني وهم اصلي قضا سنيني الفاتت خاف فديوم مفوتتلي فرض فرضين "

ولا اعلم هل تستند على فتوى شرعية بشأن هذا الموضوع ام انها اجتهادات شخصية 

لكنني متأكدة ان الله يعلم بنواياها 

نتهيأ بعدها لوجبة الغداء وتتهيأ هي أيضا 

" بدليلي المّاي مالتي هذا صار حار تا اشرب دواية القبل الاكل "

أخذ قنينة الماء التي اعطيتها إياها في الامس لأبدلها رغم انها لن تشرب منها الا القليل 

" وجيبيلي وياج طاسة بيها ماي حتى اخض ايدي "

-جدة وين كمتي انتٍ حتى تتوصخين قبل شوية غسلتي ايديج 

" ميخالف بني آدم لكلشي يتعرّض"

نبدأ بالأكل الذي لايخلو من المناوشات والمجادلات بيني وبين اخوتي 

" ول يمة اكلو مايصير تتكاونون على الوجبة تطير بركتها شنو ماتحترمون نعمة الله "

وتنتهي من طعامها الذي قد اكلت منه ملعقة او ملعقتين وتختمها بقولها 

"اللهم اشبعتنا اشبع كُل جوعان " 

وتبدأ بتنظيف اسنانها بالمسواك وبعدها نشرب الشاي كانت لاتشرب الشاي فقط في الليل لكن اسألها دائما 

-جدة تشربين جاي ؟ 

" انتي مو تدريني بس بالليل اشرب يمة "

تفاصيلها سوف تقتلني حتمًا 

لن انسى احاديثها وقِصصها عن الماضي و عن مواقفها مع أهلها وكيفَ تزوجت وهي في السادسة عشر ولن ننسى قصص جدي الذي كان في بدايته شابًا ذو مغامرات خطيرة ويسافر كثيرا لا اعرف كيف تحمّلته في البداية !

ولا في النهاية حينما اصبحَ درويشًا وورعًا بشكل مبالغ فيه 

كانت تُحب الدراسة كثيرَا وهذا مايدفعني للدراسة الآن تمنيت لو انها عاشت قليلا لكي ترى حَفيدتها وهي في مكان مرموق وتفتخر بها لكن لن يشاء الله ان ترى ذلك 

كيف لي ان انسى اهازيجها التي كانت تغنيها لي عندما استيقظ وعندما اعود من المدرسة وفي كل موقف ؟ 

كيف لي ان اتجاوز تفاصيلها المتشابكة مع تفاصيلي 

نعم فكان لها دور كبير في بناء شخصيّتي واثر قوّي في حَياتي 

ومن اقوالها التي تُلامس قلبي او كما تسمى اهازيج ومن هذا القبيل 

"فلاننهه من تُمُر عزل يبو التمر فتّح يبو البقلاوة " 


-" فلانهه ياهوا الهاب 

لمن تجي من المدرسه بحذيانها تدك الباب "

لا استطيع ان اختصر تأثيرها بـ500 كلمة فقط 

يعني هذا البارت كلما أتذكر شي ح اجي اكتبة نوب ح يضل يزيد بمرور الأيام 

 


ازدواجيّة شخصيتيWhere stories live. Discover now