١

22.5K 1.3K 504
                                    

لم تكن المسافة التي تفصل المنزل من حديقته الزجاجية كبيرة إلا أن صوفِيّا قطعتها بخطوات مسرعة وهي تمسك بأطراف ثوبها الأسود حتى لا تتعثر به، ورغم كونها تعمل هنا منذ أكثر من عشر سنوات إلا أن المنظر التي يستقبلك حالما تخرج عبر الباب الخلفي ناحية الحديقة لا يزال يرسل قشعريرة إلى جسدها.

المهندس الذي صمم هذا المنزل في الخمسينيات، أي قبل بضعة وثلاثين عامًا كان يعلم عن هواية الليدي جورجيّا في العناية بالنباتات والأزهار بمختلف أنواعها لذلك ركز في تصميمه ليس على المنزل نفسه بل حديقته الزجاجية التي كانت الليدي تقضي جل وقتها فيها.

مبنى زجاجي كبير أحيط تمامًا بالنباتات المتسلقة والأشجار لتخفي ما بداخله عن الأعين، وقد أحاطته من الخارج أيضًا نباتات وأزهار متنوعة جعلته يبدو كجزء من غابة الأمازون.

ومثل الليدي جورجيّا إعتنقت سيدة المنزل الحالية ليدي جانيت ويلفيرتون نفس هواية والدة زوجها وبذلك كانت تقضي جل وقتها هنا أيضّا. صوفيّا نفسها إعتادت القدوم إلى الحديقة الزجاجية برفقة سيدتها حيث تعمل كمرافقة خاصة لها، لكنها اليوم ومن بين كل الأيام تركت جانبها لتذهب لبعض شأنها وتركت الليدي برفقة إبنتها الوحيدة ليدي سارا حيث جمعهما حديث خاص، لتفاجأ الآن بالليدي تطلب قدومها، لذلك حثت خطاها عائدة بسرعة إلى البيت الزجاجي لتقف للحظة أمام الباب الكبير مستجمعة أنفاسها.

عدلت صوفيّا من طيات ثوبها ذو اللون الموحد والخالي تمامّا من أي تعرجات أو مظاهر للزينة ثم تأكدت من أن ربطة شعرها البني الداكن لا تزال مشدودة للخلف بإحكام وبخطوات هادئة دخلت عبر الممر المؤدي إلى منتصف البيت الزجاجي حيث تقع فسحة خالية تسع لبضعة طاولات كانت الليدي تقيم فيها حفلات شاي صغيرة لصديقاتها.

تنوعت النباتات في المكان وإمتلأت الأجواء برائحة الزهور العطرة التي كانت تمثل تسعين في المئة من محتويات الحديقة، وفي نهاية الممر ظهرت الطاولة التي انصفت المكان ومن حولها جلس ثلاثة أشخاص.
فوجئت صوفيّا بوجود اللورد ويلفيرتون برفقة زوجته وإبنته لكنها لم تظهر ذلك وهي تنحني في هدوء قائلة:

-هل طلبتي رؤيتي سيدتي؟
-آه نعم، صوفيّا تعالي إلى هنا رجاءً.

تحدثت الليدي بنبرة باسمة فإقتربت صوفيّا من الطاولة التي جمعت أفراد العائلة معًا، عليها تواجدت لوازم شاي ما بعد الظهر التي أشرفت صوفيّا على ترتيبها بنفسها قبل نصف ساعة وقد زادت الآن كوبًا استعمله سيد المنزل.

على الطاولة بانت إبتسامة على وجه الليدي سارا وهي ترى إقتراب صوفيّا وتعدلت في جلستها كأنها تنتظر ما سيقال بعد قليل.

أخذت ليدي سارا جميع ملامح والدتها والتي كانت لا تزال تحتفظ بجمال طلتها رغم دخولها العقد الخامس من حياتها، أصبح لون شعرها الأشقر داكنًا مع تقدمها في السن وقد سَلم حتى الآن من غزو الشعر الأبيض له، تعرجات كانت تظهر على جوانب عينيها كلما ابتسمت لكنها لم تخفي جمال عينيها الخضراوتين، ورغم كونها كانت دائمًا تعاني من الكثير من الأمراض التي حدت من حياتها الإجتماعية إلا أن الليدي جانيت حافظت على روحها الباسمة والتي ورثتها إبنتها سارا منها أيضًا.

حدث ذات مرة في ويلفيرتون حيث تعيش القصص. اكتشف الآن