الخِطاب الأخير *الجزء الأول*

743 86 61
                                    

التاسعة مساء،ً الواحد و الثلاثون من ديسمبر نهاية العام السادس عشر من العِقد الثاني، حيث الثلوج المتساقطة و أجواء الإحتفال بقدوم عام جديد يأمل الجميع به خيرً.

هناك من يحتفل بهذه الاجواء مع أصدقائه بالخارج، هناك من يقضيه بين عائلته مستمتع بالدفئ الأسري، هناك من يقضيه مع حبيبته يحتفلان معاً بمرور عام آخر وهما مازالا سويا ًرغم العثرات و المشاحانات، وهناك هو؛ جالس وحيدً بمنزله لا يملك أحد يذهب إليه ولا هناك من يأتي إليه. كان يجلس علي فراشه و ساقه تهتز في توتر وتشتت، التفكير لإسبوع كامل أرهق ذهنه و إستنفذ طاقته، ولكن خطوة كتلك تستحق ذلك. عزم امره و إستقام من علي فراشه و سحب الكرسي من أمام مكتبه وجلس عليه ثم إلتقط الدفتر و القلم و شرع في الكتابة

"عزيزتي سيلين..

أولاً عام سعيد لكِ يا جميلتي، أتمني أن تتحق جميع أحلامكِ و أن تتخذ الإبتسامة من شفتاكِ موطنً لها، وتحتل السعادة قلبك النقي.
ترددت كثيرً قبل أن أكتب إليكِ هذا الخِطاب، لا أعلم إذا كنتِ ستتقبلي ذلك الوضع أم لا، لا أعلم إذا كنت ستتقبليني أنا أم لا، ولكني لا أريد إفلاتك من بين يداي يا سيلين، لا أريد الشخص الوحيد الذي ينتعش قلبي من رؤيته أن يضيع من بين يداي. أريدك أن تكوني حبيبتي و صديقتي و كل شي مُنير في حياتي المعتمة، أعلم أنني ضعيف و غير قادر علي حمايتكِ، لكني أقسم لكي سأحميكي من كل سوء ومكروه، سنضعف سوياً في الخفاء لنصبح أقوياء في العلن.
أنا أحبكِ يا سيلين، لم يسبق لي الوقوع في الحب ولكني كنت أزداد ضعفً أمامكِ حتي ولو لم نتحدث مطلقً، لكني أحببتكِ ومازال قلبي ينبض بحبك يا جميلتي.
إذا وافقتِ عليّ سأكون بإنتظارك أمام شُرفتك لنحتفل بالعام الجديد معاً.

كل الحب"

ثني الورقة الي نصفين ثم سحب مظروفً و وضع الورقة به برفق، إستقام من علي الكرسي و بدل منامته المنزلية -التي إبتاعتها لها والدته قبل وفاتها- بثياب ثقيلة و مناسبة للخروج، إلتقط المظروف ثم وضعه في جيب معطفه و كان علي وشك إلتقاط سماعته ولكنه توقف للحظة وتهللت أساريره

"لن أحتاج لها الليلة، سأقضي الوقت معها"

أطفئ أنوار غرفته و إرتدي حذائه الشتوي ثم إلتقط مفاتيحه و أطفئ انوار المنزل بأكمله و خرج منه. هواء ديسمبر البارد ذو الرائحة المميزة لفح وجه مما جعل جسده يقشعر فإبتسم في سعادة و شد وثاق معطفه حول جسده، نظر في ساعته و كانت التاسعة والنصف ف قرر قبل الذهاب لها لابد أن يذهب إلي مكان لا يقل أهمية عنها.
إستوقف سيارة أجرة ف وجده ذلك السائق الذي أوصله يوم حفل تخرجه إبتسم بتوسع ثم دلف للداخل، إلتفت له السائق مُبتسمً

"عام سعيد يا بُني كيف حالك، وكيف حال حبيبتك؟"

خفق قلبه بقوة لذكرها و لتخيل أنهم قد يصبحوا أحباء، إزدادت إبتسامته توسع و وضع يده علي كتف السائق

"عام سعيد لك أيضاً يا سيدي، أنا بخير شكراً لك، ولقد أخذت بنصيحتك وها أنا مقدم علي تنفيذها"

"إذن هل أقوم إيصالك لمنزلها، أنا أتذكر أنه لا يبعد كثيراً عن هُنا"

إبتسامة واهنة إحتلت ثغره و إغرورقت عيناه بالدموع وتجمعت غصّة مؤلمة في حلقه، أردف بنبرة مرتعشة

"هل لك أن توصلني إلي أطراف المدينة يا سيدي؟"

تنهد السائق بحزن علي حالتيهما وكيف للقدر أن يجمع بينهما هكذا مرتين، أومئ له و ألتفت مُشعلً محرك السيارة ثم إنطلق إلي وجهته. لم يأخذ وقت كثير حتي يصل ف الشوارع كانت فارغة، نظر في ساعته ليجدها العاشرة مساءً، أخرج من من معطفه مال للسائق

"شكراً لك يا سيدي، تفضل"

إبتسم السائق بحزن ثم قال

"يا بني إحتفظ بمالك، أنا كنت سأتي إلي هنا اليوم، هيا لندلف سوياً"

أومئ و أطفئ السائق محرك السيارة و نزل كلاهما من السيارة. المكان مظلم -إلا من ضوء القمر المكتمل- و هادئ حد الموت، لا صوت سوي أصوات عواء ونبح الكلاب و نعيق البوم و حفيف أوراق الأشجار مما جعل كل خلية في جسده ترتعد.
ربت السائق علي كتفه مما جعل جسده ينتفض في ذعر ف اردف

"لا تخف يا بني أنا معك وسنرحل سوياً أيضاً"

تنهد في راحة و إبتسم بخفوت

"شكراً يا سيدي، و أعتذر علي تلك التصرفات الطفولية، جل ما في الأمر أنني لم آتي هنا ليلً سابقاً،دوماً آتي نهارً"

أومي السائق بتفهم و ربت علي كتفه مرة أخري ثم دلفا سوياً إلي الداخل حيث يرقد والداه. كانا يمشيا إلي جانب بعضهما في طرقات المقابر المعتمة و الموحشة وبين الفنية والأخري يربت السائق علي كتفه و يطمئنه بوجوده معه. إزداد إرتعاش جسده و بدأت الدموع تفر هاربة من مقلتاه حينما وصل إليهما، إلتفت إلي السائق ليشكره ف وجد الآخر غارق في دموعه في صمت وهو ينظر لشاهد القبر الواضح نسبيًا من ضوء القمر، تسائل في تعجب

"سيدي هل أنت بخير؟"

إزداد بكاء السائق و كان سائر جسده يرتعش مما جعله يربت علي كتفه بهدوء، مرّت ثوانٍ ليست بالقليلة وهدء السائق قليلً و مسح دموعه من علي وجنتيه بظهر يده و نظر للقبر أماماه ثم أردف بنبرة مُتحشرجة

"هنا.. هنا ترقد من سرقت قلبي، هنا تسكن من رحلت روحي عني برحيلها، حبيبتي الأولي و الأخيرة و أجمل فتاة رأتها عيني و شعر بها قلبي.. نور"

توسعت عيناه في إندهاش و تعجب و صدمة مما يقوله، كيف هذا!
________________________________

هالو يا حلويين 💜💜

بعتذر إني بتأخر ف التحديث بس لظروف خارجة عن إرادتي :')

ايه رأيكم حتي الأن..

توقعات ..

إنتقادات..

دمتم حلوين 💜💜

Asperger Syndrome || مُتلازمة أسبرجرحيث تعيش القصص. اكتشف الآن