الفصل الثالث و العشرين..برضاك أو دونه

4.4K 132 145
                                    

كانت هزان ماتزال تحت وقع صدمة ما رأته و ما سمعته من ياغيز..كان قاسيا و مؤلما الى حد لم تكن تتصوره..كانت كل كلمة قالها تنغرز كالخنجر في قلبها و تحرق روحها..ناهيك عن نظراته المحتقرة لها..لقد تسببت في إحياء ذلك الوحش الذي قابلته أول مرة..بارد ..قاسي..بلا رحمة..و بلا قلب..غارق في ظلامه و في وحشيته..اختفى ذلك الياغيز العاشق و الحنون ليحل محله آخر لطالما كانت تخافه و تخشاه..انه يكرهها الآن و لن يدخر أي جهد لكي يؤلمها و يحرق روحها و يذلها حتى..كيف ستتحمل كل هذا منه؟ كيف ستعيش معه تحت سقف واحد و هو يكسر قلبها في كل لحظة؟ كيف ستحمل اسمه و تصبح زوجته بينما هو يعدها بأن تكون حياتها معه كلها سواد؟ نظرت بعيون دامعة الى ذلك الفستان الأسود الذي اختاره لها لكي يكون فستان زفافها منه ..يا للسخرية و يا للمهانة و الذل! ثوب زفاف أسود! لم تكن يوما تتخيل بأن يكون هذا مصير يوم زواجها..خاصة من رجل تحبه..نعم..لقد أحبته..حتى ولو لم يصدق هو ذلك..حتى ولو كذبها ألف مرة و مرة..لقد أحبته و أعطته قلبها و جسدها و روحها و كانت مستعدة للتخلي عن كل شيء لأجله..لكن مالذي كان يمكن لها أن تفعله عندما تعلم بأنه قاتل أبيها؟ مالذي من المفترض أن تفعله و هي تراه يقتل انسانا بكل برودة أعصاب؟ مالذي تستطيع فعله و هي تعلم بأنه عراب مافيا و يعيش حياته على مخالفة القوانين و تهريب الممنوعات؟ كانت تعيش صراعا داخليا عنيفا بين حبها له و بين واجبها و رغبتها في الانتقام..و ذاك هو ما دفعها الى تسليمه..لكنها اكتفت بذلك..و لم يطاوعها قلبها أن تفعل اكثر من ذلك..فشهادتها كان من شأنها أن تنهيه و أن تجعله يقضي بقية حياته في السجن..لكنها لم تفعل ذلك..لسبب واحد بسيط و هو أنها تحبه..و عقاب ما فعلته سيكون باهظا..فهو لن يسامحها على خيانتها له..و لن يسمح لها بأن تبرر له أو بأن تثبت له هذا الحب الذي تكنه له..سيكون عليها الآن أن تتحمل اهاناته و حقاراته و معاملته السيئة لها..سيكون عليها أن ترتبط به و أن تحمل اسمه و اسم عائلته رغم أنه قاتل ابيها..سيكون عليها أن تصمت و تتحمل هذا الحكم بالسجن المؤبد الذي صدر في حقها..كيف ستفعل هذا؟ لا تعلم..وقفت و اخذت الفستان و ارتدته

ثم حاولت قدر الإمكان أن تعدل من هيأتها لكي لا تبدو ذليلة أكثر مما هي عليه

اوووه! هذه الصورة لا تتبع إرشادات المحتوى الخاصة بنا. لمتابعة النشر، يرجى إزالتها أو تحميل صورة أخرى.

ثم حاولت قدر الإمكان أن تعدل من هيأتها لكي لا تبدو ذليلة أكثر مما هي عليه..جمعت شعرها كله الى الأعلى و وضعت بعض المساحيق لكي تخفي تلك الهالات السوداء تحت عيونها..سمعت صوت طرقات على الباب فردت" تفضل" دخلت عليها السيدة فكرت رئيسة الخدم و قالت" السيد ينتظرك" هزت برأسها و قالت" أنا جاهزة" ثم تبعتها الى الأسفل..كان ياغيز يجلس قبالة المأذون و معه يمان و فرات..رفع عيونه عندما سمع وقع خطوات تقترب..استرق نظرة سريعة نحو هزان قبل أن يشيح بوجهه بعيدا عنها..جلست بجانبه فسألهما المأذون ان كان أحدهما يقبل بالآخر ..أجابا بالإيجاب و كذلك فعل الشهود قبل أن ينهي الرجل المعاملات و يعلنهما زوجا و زوجة..اخذت هزان دفتر العائلة قبل أن يضع ياغيز يده على خصرها و يجذبها نحوه ثم يقبلها من خدها و يهمس في أذنها بصوت بارد" أهلا و سهلا بك في جحيمي..سيدة إيجمان" شحب وجه هزان بشدة و اختلجت فرائصها لكنها اضطرت أن ترسم ابتسامة على وجهها أمام الحاضرين..تخلصت من قبضته و ابتعدت عنه لأن أصابعه كانت تحفر عميقا في خصرها..كان مصرا على إيلامها بكل الطرق الممكنة..تقدمت السيدة فكرت بطبق وضع عليه بعض المشروبات و الحلوى و قدمته للموجودين..أخذت هزان كأس النبيذ و همت بشربه لكن ياغيز تعمد ان يدفعها الى الأمام فارتعشت يدها و انسكب النبيذ على فستانها و سقط الكأس من يدها و تحطم الى قطع صغيرة..التفتت اليه هزان على الفور و رمقته بنظرة حادة فابتسم بطريقة مستفزة زادت من غضبها..أسرعت الخادمة لكي تجمع قطع الزجاج المتناثرة على الأرض لكن ياغيز منعها قائلا" سيفدا..اتركي ذلك للسيدة هزان..هي من ستقوم بذلك" حملقت فيه سيفدا بنظرات استغراب فأشار اليها بحركة من يده بأن تختفي عن ناظريه..ثم التفت الى هزان و تمتم" لا أعتقد بأنك تمانعين فعل ذلك..لقد أصبحت سيدة القصر و يجب أن تفعلي كل شيء بنفسك..هذا أقل ما تقومين به..هيا أسرعي" قربت هزان فمها من أذنه و قالت" اذهب الى الجحيم..لن افعل ذلك..أنا لست خادمة..و توقف عن اذلالي" أنشب ياغيز أصابعه في خصرها و أجبرها على البقاء حيث هي ملتصقة به و همس بصوت غاضب" ستفعلين ما آمرك به..دون نقاش..و الا أهنتك أمام الموجودين و أذللتك بالطريقة التي تناسبك..هيا اركعي و اجمعي الزجاج..و الا سترين مني ما لا يعجبك" ابتلعت هزان ريقها بصعوبة و جاهدت لكي تمنع دموعها من الانهمار..تخلصت من قبضته الموجعة و انحنت على الأرض و راحت تجمع قطع الزجاج و دون أن تنتبه انجرح اصبعها و أخذت الدماء تنزل الى الأسفل..لم تهتم هزان به و أنهت عملها ثم أخذت الزجاج الى المطبخ قبل أن تلقيه في القمامة..نظرت فكرت الى يدها و قالت بصوت قلق" سيدتي..لقد جرحت اصبعك..تعالي لأنظفه لك و أضمده" أجابت هزان بصوت مخنوق" لا داعي لذلك..سأفعل بنفسي..شكرا لك سيدة فكرت" رمقتها المرأة بنظرات متعاطفة لكنها لم تقل شيئا..وضعت هزان اصبعها تحت الحنفية و راحت تنظف الجرح لكنها توقفت بمجرد أن سمعت صوت ياغيز يقول و هو يدخل الى المطبخ" سيدة فكرت..أشرفي بنفسك على نقل أغراض السيدة هزان الى غرفتي" التفتت اليه هزان و سألت بعصبية" ماذا؟ لا..لن تفعل..لا أريد" ابتسم ياغيز بسخرية و رد ببروده المعتاد" و من سألك عن رأيك؟ لقد أصبحت زوجتي..و مكانك معي..و بجانبي..و في غرفتي" ثم اقترب منها أكثر و همس" و في سريري" حدجته هزان بنظرة حادة و قالت" سيكون ذلك في أحلامك فقط..هذا الزواج لن يصبح زواجا حقيقيا أبدا..و اياك أن تضع يدك علي..عندها سأضطر الى قتلك بيدي هاتين..هل فهمت؟" أشار ياغيز الى فكرت بالخروج ثم تقدم نحو هزان التي كان جسدها ملتصقا بحوض الغسيل..همت بالابتعاد و الهرب لكنه حاصرها بجسده و وضع يديه على الجانبين لكي يمنع تحركها..وجدت هزان نفسها أسيرة لديه فأشاحت بوجهها عنه..قرب هو فمه من أذنها و همس" هزان..لا تقولي كلاما يفوقك طولا..أنت زوجتي..و ستفعلين ما أريده..و لن تستطيعي أن تمنعيني عنك..ستكونين لي..برضاك أو دونه..أنت تختارين ما يليق بك..اما أن يكون زواجنا طبيعيا و برغبتك يحصل كل شيء..أو تعارضين و تتمنعين و أنا أحصل على ما أريد رغما عنك..الخيار خيارك" التفتت اليه هزان و سألت بنبرة حزينة" متى أصبحت رجلا خسيسا و حقيرا هكذا؟ هل سيصل بك الأمر الى اغتصابي؟ هل أنت رجل من هذا النوع؟ لماذا تصر على جعلي أكرهك و أحتقرك؟ لماذا تحاول دفن كل المشاعر الجميلة التي أكنها لك؟ لماذا ياغيز؟ لماذا؟" ضحك ياغيز و أجاب" هزان..أنت لا تفهمين الموضوع..أنا لا أهتم بك أو بمشاعرك أو بما تريدينه..لا يعنيني أبدا ان كرهتني أو احتقرتني..أنت لا شيء بالنسبة الي..لا أراك أبدا و لا أسمعك..هدفي الوحيد هو ايذائك و إيلامك و الانتقام منك..مهما كلفني ذلك..أخبرتك سابقا بأن حياتك معي ستكون عبارة عن جحيم..و أنا أعني كل كلمة قلتها..عليك أن تفهمي بأنك الآن تحت رحمتي..و لا نجاة لك مني..لذا توقفي عن معارضتي و عن محاولة اثنائي عما أقوم به..لأنه بلا طائل..سأفعل بك ما أراه مناسبا..و حين أضجر من هذه اللعبة..ربما عندها سأطلق سراحك..ربما..هذا يعتمد على مزاجي..و على ما أريده..هل فهمت؟" حملقت هزان فيه بعيون دامعة و علامات الاستغراب و الصدمة بادية على وجهها..حركت يدها لكي تزيح شعرها عن عيونها فلوثت جبينها بالدماء..ابتعد ياغيز قليلا و سأل بقلق" ماهذا؟ من أين أتت هذه الدماء؟" أخفت هزان يدها خلف ظهرها و أجابت" هذا ليس من شأنك..ابتعد عني" أمسك ياغيز يدها و اجبرها على أن تريه اياها..سأل من جديد" متى حدث هذا؟ هل جرحت نفسك و أنت تجمعين الزجاج؟" لم تجبه هزان..ادارها و وضع يدها تحت الماء ثم أخذ علبة الاسعافات من الرف العالي و هو يضيف" سأضمد لك جرحك" حاولت هزان أن تنتزع يدها منه لكنه لم يسمح لها..قالت" اترك يدي..سأفعل ذلك بنفسي..ألم تقل منذ قليل بأنك لا تهتم بي و بأنك ستعمل على ايذائي؟ لماذا اذا تصر على تضميد جرحي و كأنك لا تعلم بأن كل كلمة تقولها لي تخلف في أعماقي جرحا أعمق من هذا و أكثر ايلاما منه؟" صاح بها دون أن ينظر اليها" اخرسي" وضع الدواء على الجرح فأنّت هزان من الألم..دون وعي منه راح ينفخ على اصبعها لكي لا تتألم..جالت هزان ببصرها على وجهه القريب منها..تأملت تقاطيعه الجميلة التي ارتسمت عليها علامات القلق..أنهى هو تضميد اصبعها و رفع عيونه نحوها فرأى نظراتها المتأملة..سألها" لماذا تنظرين الي هكذا؟" أجابت" لأنني رأيت ياغيز القديم لوهلة..ليته يبقى و لا يختفي" تأمل هو بدوره وجهها ثم توقفت عيونه على شفتيها..كان يشتاق اليها رغم كل شيء..يرغب في تقبيلها و في ارتشاف رحيق شفاهها..يرغب في الانصهار معها في نيران الرغبة و الحب الذي مازال موجودا بينهما رغم الانكار و الغضب..قربت هزان وجهها أكثر منه و همت بتقبيله لكنه انتبه الى نفسه و تراجع الى الخلف..ارتسمت على وجهه علامات الغضب من جديد و قال ببرود" ياغيز القديم مات..و لم يعد له وجود..و الفضل في ذلك يعود لك أنت..أنت من قتلته و أنهيته بخيانتك الموجعة..اياك أن تتحدثي هكذا مرة أخرى و الا سأحرق روحك" ثم اندفع خارجا من المطبخ..اعترضه يمان و قال" سيدي..السيدة بيلين هنا و تريد رؤيتك" رد" حسنا..ادخلها" ..في غرفة الاستقبال..اندفعت بيلين نحو ياغيز و عانقته بقوة و هي تقول" حمدا لله على سلامتك حبيبي..أتيت فور رؤيتي للخبر..لو تعلم كم أنا سعيدة بتجاوزك لتلك المحنة..كنت واثقة بأنك ستخرج من السجن..الحمد لله أنك هنا و أنك بخير..الحمد لله" ربت ياغيز على ظهرها قبل أن يبتعد عنها و يجيب" شكرا لك بيلين..طمئنيني عنك أنت..هل أنت بخير؟" ردت" أنا بخير..نحن بخير" و وضعت يدها على بطنها..ابتسم ياغيز و جذبها من يدها ليجلسان معا على الأريكة..ثم مرر يده على بطنها و هو يضيف" الحمد لله أنكما بخير..لا تقلقي..لن أسبب لك من هنا فصاعدا أي نوع من القلق أو التوتر..ستكونين بعيدا عن كل المشاكل و الاضطرابات الى حين ولادتك..سأرسلك الى المزرعة في إزمير و معك ممرضة و خدم و كل ما تحتاجين اليه لكي أضمن بأن تتوفر لك كل الظروف الملائمة و المريحة" وضعت بيلين يدها على يده و قالت" لكنني لا أريد أن أكون بعيدة عنك..اريد أن أكون بجانبك و بالقرب منك..ألم يحن بعد موعد اجتماعنا أنا و أنت و ابننا القادم تحت سقف واحد؟ الى متى سنظل متفرقين كل منا في مكان؟ الآن خاصة بعد أن اتضح المعدن الحقيقي لتلك المرأة و غادرت حياتنا بلا رجعة فمالذي يمنعنا من الزواج و الاستقرار معا؟" هم ياغيز بإجابتها لكن السيدة فكرت سبقته بقولها بعد ان استأذنت في الدخول" سيدي..لقد فعلت ما طلبته مني..و صارت اغراض و ملابس السيدة هزان كلها في غرفتك" قطب ياغيز جبينه و أشار لفكرت بالانصراف..انتفضت بيلين واقفة و سألت بصوت مرتعش" ماذا؟ أغراض من؟ الى غرفتك؟ كيف؟ مالذي تفعله اشياء تلك الخائنة هنا؟ لا أكاد أصدق ما أسمعه..ياغيز..هلا شرحت لي ما يحدث هنا؟" وقف ياغيز بجانبها و رد" بيلين..اهدإي أولا..و لا تنفعلي..هذا ليس جيدا من أجل صحتك و صحة الجنين..هلا جلست لكي اشرح لك ما حدث" قالت بيلين بعصبية" لا..لن أجلس..ياغيز..أجبني لو سمحت..أخبرني بأنك لم تسمح لتلك الخائنة بأن تبقى هنا معك..أخبرني بأنك لم تسامحها..أخبرني بأنك لم تفضلها علي رغم خيانتها لك و تخطيطها لانهاءك و الزج بك في السجن..هيا أجبني" نظر ياغيز الى جبينها المتعرق و الى جسدها المختلج و اجاب" لا..لم أسامحها..لا تقلقي..هي هنا لكي تنال جزاءها و عقابها على ما فعلته معي..أنت تعرفينني جيدا..متى تساهلت انا مع الخونة؟ لا تتوتري و لا تنفعلي أرجوك..و لا تهتمي لهزان..حسابها معي انا و ستناله" ضحكت بيلين بسخرية و قالت" تنال عقابها؟ و كيف ذلك؟ و أنت تعاشرها على سريرك؟ أي عقاب هذا؟ في قانون العراب الذي أعرفه جزاء الخائن هو القتل و ليس أي شيء آخر..أتعلم ماذا ياغيز؟ أنت تحبها و تريدها أن تبقى معك رغم كل ما فعلته بك..تتظاهر بمعاقبتها لكنك تخشى أن تختفي و ألا تراها مرة ثانية لهذا تبقيها عندك هنا..لقد سئمت منك ياغيز و من أملي الذي لا ينتهي بأن تكون لي يوما ما..أنا لم أخنك يوما..و لم أفكر في ذلك حتى..و تعلم جيدا بأنني أحبك..لكن ما هو جزائي عندك..هو أن أبقى بعيدة عنك دائما..تفضل تلك الخائنة علي..و تبقيها هي بجانبك..لكي تتلقى منها طعنة غدر جديدة..أنت لا تستحق حبي لك ياغيز..و لست أهلا لأبوة هذا الولد الذي أحمله في بطني..ابقى معها و تزوجها اذا أردت..لكن في المقابل انساني و انسى أن لديك طفل مني..لا أريد أن أراك مرة أخرى..هل سمعت؟ اذهب الى الجحيم ياغيز ايجمان" و اندفعت تجري كالمجنونة..حاول ياغيز ايقافها لكنها كانت في حالة هستيرية..تبكي و تختلج و تسرع الخطوات لكي تبتعد عنه..بقي هو واقفا في مكانه و هو يشعر بالأسى على تلك المسكينة التي لا ذنب لها سوى انها تحبه من كل قلبها..سمع فجأة صوتا جعله يحبس أنفاسه..انه صوت صرخة أطلقتها بيلين و صوت ارتطام جسم بالأرض..جرى نحو الدرج و نظر أسفله فوجد بيلين واقعة أرضا و تتلوى من الألم و بين ساقيها تندفع الدماء غزيرة..حملق ياغيز فيها لوهلة ثم نزل الدرج بسرعة و اقترب منها..حملها بين ذراعيه و هو يقول" تماسكي بيلين..لن يصيبك مكروه أنت او الجنين..تماسكي أرجوك" كانت بيلين تتنفس بصعوبة و ملامح وجهها تعكس الألم الرهيب الذي تشعر به..نظرت اليه بعيون دامعة و تمتمت" اذا حصل مكروه لابني فلن أسامحك أبدا ياغيز..كن واثقا من هذا" لم يجبها ياغيز بل اشار الى يمان بأن يحضر السيارة و ما ان فعل حتى ركب فيها و انطلق بهما يمان مسرعا نحو المستشفى..من النافذة..رأت هزان ما جرى فراحت تدعو بألا يصيب بيلين او الجنين أي مكروه..
في المخفر..راح باريش يذرع مكتبه جيئة و ذهابا و هو يرمق العناصر الذين يعملون تحت امرته بنظرات غاضبة..صاح بهم" كيف حدث ذلك؟ كيف نجح ياغيز و رجاله في سرقة الأدلة من هنا من المخفر؟ من قام بهذا؟ من هذا الخائن الذي تجرأ على فعل هذا؟ ألا تعلمون أنه جراء هذه السرقة التي حدثت تمكن من الخروج من هنا ببراءة؟ هذا أمر لا يسكت عنه..اخبروني..هل لاحظتم أية حركة غريبة او هل رأيتم اي شخص غريب هنا البارحة؟ تذكروا جيدا..أي تفصيل قد يساعدني على معرفة من فعل هذا" نظر العناصر الى بعضهم ثم اجابوا بصوت واحد" لا..لم نرى شيئا" ضرب باريش على المكتب بيديه بعنف و صاح من جديد" اللعنة على هذا الأمر..هل لياغيز ايجمان أشباح خفية تتجول في كل مكان و تفعل ما يناسب مصلحته؟ اسمعوني جيدا..سأعطيكم بعض الوقت لكي تتذكروا جيدا..و يستحسن أن اجد لديكم الاجابات التي أريدها..و إلا أقسم بأن أهدم هذا المخفر على رؤوسكم.. هيا..اغربوا عن وجهي" خرج العناصر من المكتب و دخل جواد على باريش و سأله بعصبية بعد أن أغلق الباب" باريش..ما معنى هذا؟ لماذا أطلقتم سراح ياغيز؟ كيف حدث هذا؟ كيف نجح ذلك الرجل في الخروج ببراءة؟" ارتمى باريش على الكرسي و رفع يديه في علامة استسلام و قال" لا أعلم..انه كالجني..ما ان تطمئن انك حبسته في القمقم حتى تراه يخرج منه..لقد سرق الألماس الذي صادرته بنفسي من خزنته..لو ترى الموقف البائس الذي وجدت فيه نفسي و أنا أضع كيسا فارغا أمام النائب العام..لقد هددني بإيقافي عن العمل و أعطاني توبيخا هو الاول من نوعه منذ أن أصبحت شرطيا..كل هذا بسبب ذلك الحقير ياغيز ايجمان..لا أعلم كيف نجح في فعل هذا..و لعل مازاد الطين بلة أن هزان رفضت أن تشهد ضده في المحكمة و سافرت الى اليونان" ركل جواد الكرسي أمامه و لعن بصوت خافت قبل أن يلتفت الى باريش و يسأل" و مالعمل الآن؟ ماذا سنفعل لكي نزج به في السجن من جديد؟ تلزمنا خطة محكمة هذه المرة..خطة لا مجال فيها للخطأ أبدا" هز باريش برأسه و رد" معك حق..سآخذ إجازة أولا..و سأسافر الى اليونان لكي ألتقي بهزان..يجب أن أقنعها بأن تعود معي و تشهد ضد ياغيز..شهادتها لها وزن كبير في القضية..ثم سنخطط بعد ذلك معا..و آمل أن ننجح في الايقاع به هذه المرة" تبادل باريش و جواد نظرات خبيثة قبل أن يشير اليه بالجلوس و يطلب قهوة لكليهما..
في المستشفى..خرجت الطبيبة من غرفة بيلين و اقتربت من ياغيز ثم قالت" سيد ياغيز..السيدة بيلين بخير..لكنها تحتاج الى الراحة و الرعاية..يؤسفني بأن أخبرك بأنها فقدت الجنين..و ستحتاج الى رعاية نفسية أيضا لكي تنجح في تجاوز هذه الأزمة" مرر ياغيز اصابعه على جبينه و رد بصوت حزين" يالله..لماذا حدث هذا؟ ارجوك دكتورة..اعتني بها جيدا..هل أستطيع رؤيتها؟" هزت الطبيبة برأسها بالنفي و أجابت" آسفة سيد ياغيز..هي لا تريد رؤيتك..و طلبت مني بأن أمنعك من الدخول اليها..وضعها النفسي لا يسمح بذلك..أرجوك..دعها ترتاح..و لا تقلق..سنسهر على راحتها" تمتم ياغيز" شكرا لك دكتورة" ..ابتعدت الطبيبة فيما بقي ياغيز واقفا و الحزن باد على وجهه..لقد خسر لتوه ابنه..قطعة منه..رغم أنه لم يكن من المرأة التي يحبها..لكنه كان يأمل بأن يولد بخير و يكبر و يراه أمامه رجلا يعتمد عليه..رجلا كان من شأنه أن يعوض بيلين عن تقصيره معها و بخله عليها بمشاعره و اهتمامه..ها هو الآن يتسبب في ألمها رغم انها لم تفكر يوما في إيذائه..نظر ياغيز الى يمان و قال" يمان..أريدك أن تبقى معها هنا..ان احتاجت الى أي شيء وفره لها دون تأخير..لا تتركها أبدا..هل فهمت؟ أنا سأعود الى القصر..لقد تأخر الوقت" رد يمان" أمرك سيدي" ..ركب ياغيز سيارته و قادها عائدا الى القصر ..بعد دقائق..كان يتجاوز الباب الخارجي الى الطابق العلوي..رأى نور المكتبة مضاءا..تقدم نحوها و أطل برأسه فرأى هزان نائمة هناك على الأريكة و الكتاب يكاد يقع من يدها..اقترب منها و أخذ الكتاب برفق منها و وضعه على الطاولة ثم حملها بين ذراعيه الى غرفتهما..تعلقت هزان بكتفيه و دفنت وجهها في صدره..و ما ان وصلا حتى وضعها على السرير ثم فتح الخزانة لكي يأخذ ملابسه..فتحت هزان عيونها على مهل و ما ان رأته حتى سألت بقلق" ياغيز..كيف حال بيلين؟ هل هي بخير؟ و الجنين؟ هل أصابه مكروه؟" اجاب" لقد خسرت الجنين..لكن صحتها بخير و وضعها مستقر" زمت هزان شفتيها و قالت بصوت خافت" آسفة لخسارتك ياغيز..مسكينة بيلين..لا بد أنها حزينة..ليعوضها الله على هذه الخسارة الفادحة" نزع ياغيز سترته و راح يفتح ازرار قميصه فانتفضت هزان واقفة و سألت بنبرة خوف واضحة" ياغيز..ماذا تفعل؟" نظر اليها ياغيز ببرود و رد" أغير ملابسي..هل لديك مانع؟" قالت" حسنا..سأخرج..و افعل ما تشاء" و قبل ان تتحرك سبقها و اغلق الباب بالمفتاح ثم وضعه في جيبه و هو يقول" لن تذهبي الى أي مكان..مكانك هنا معي..ألم تفهمي هذا بعد؟ ثم مالذي تخشين رؤيته؟ ليست هذه المرة الأولى التي ترينني فيها عاريا..اليس كذلك؟" احمر وجه هزان خجلا و هربت بعيونها من نظراته الوقحة و قالت بصوت خافت" كف عن هذا ياغيز..أنا و أنت نعلم جيدا بأن ما حدث عندئذ كان بين شخصين يحبان بعضهما..أما الآن فأنت تكرهني و تريد أن تجبرني على البقاء معك لكي تذلني..أنا لا اريد هذا..و لن تستطيع أن تجبرني أن اكون زوجتك بالقوة..سأنام على الأريكة ..و نم أنت على السرير" انفجر ياغيز ضاحكا ثم رد بسخرية" و لماذا أفعل هذا او اقبل به؟ لقد خسرت لتوي طفلا من صلبي..و سأعمل على تعويض خسارتي هذه..و بما ان لدي زوجة الآن..فستكون هي أولى بأن تحمل طفلي في أحشاءها..أليس كذلك؟" رفعت هزان اصبعها في وجه ياغيز تهدده و قالت بصوت مرتعش" اياك أن تقترب مني ياغيز..اياك أن تفكر في اجباري على فعل ذلك..لا تجبرني أن أكرهك و أحتقرك..أرجوك..لا تفعل" اقترب منها ياغيز و دفعها بقوة على السرير ثم انحنى فوقها و هو يقول بنبرة مخيفة" ان كنت تريدين أن تكرهيني فافعلي من الآن..لأنني مصمم على الحصول على ما أريده..ستكونين زوجتي..و ستنجبين لي الأطفال..و أنت ستقررين كيف سيحصل ذلك..برضاك..أو دونه" ..

في قبضة العرّاب حيث تعيش القصص. اكتشف الآن