الفصل السابع و العشرين..شكوك متواصلة

5.5K 138 100
                                    

في طريق عودتهما الى القصر..كان الصمت يخيم على ياغيز و هزان..و لم تكن سوى النظرات تنطق بلسانيهما..كانت السعادة بادية على وجه هزان و الإبتسامة لا تفارق ثغرها..أما هو فكان شاردا و كأنه يفكر في أمر ما..لقد حدث ما حدث بينهما..و سمحا لمشاعرهما بأن تتغلب على العقل و المنطق..لكن هذا لا يعني بأن تعود الأمور بينهما كما كانت في السابق..لن ينجح في نسيان ما حصل و في اعطاءها ثقته من جديد..صار خائفا أن تخطئ و أن تدفع غاليا ثمن خطئها هذه المرة..فهو لن يكون عندئذ قادرا على حمايتها..أعين الكبار مفتوحة عليها و تنتظر أي زلة لها لكي يقضوا عليها..قطب ياغيز جبينه و حاول أن يصب تركيزه على الطريق اما هي ففتحت الراديو لتنطلق منه أغنية ايقاعية مرحة فراحت تضحك و ترقص في مقعدها..رمقها لوهلة بنظرات اعجاب قبل أن يمد يده نحو المرآة المعلقة أمامه و يثبتها على الطريق خلفه..لقد انتبه منذ لحظات الى وجود سيارة جي ام سي تلاحقهما بمجرد أن دخلا الى الطريق الرئيسية..ضغط ياغيز على الفرامل بصفة مفاجئة فمال جسد هزان الى الأمام و صاحت به" ياغيز..ما بك؟ ماذا جرى؟ لماذا توقفت هكذا فجأة؟" لم يقل كلمة واحدة و لم يجبها بل فتح الباب و اندفع خارجا من السيارة..تقدم من السيارة التي كانت تلاحقهما و التي توقفت بدورها خلفهما..طرق الزجاج على السائق ففتح فصاح به بصوت يرعب سامعه" من أنت ياهذا؟ و من أمرك بملاحقتي؟" ترجل الرجل الضخم و رد بهدوء" سيد ياغيز..آسف..السيد جمال هو من أمرني بذلك..و عذرا لما سأقوله..لست أنت المعني بهذا..بل أنا أمرت بأن ألاحق زوجتك و أن أراقب كل تحركاتها" أمسكه ياغيز من ياقته و حدجه بنظرة حادة قبل أن يكلمه و هو يجز على أسنانه" زوجتي؟ أتعلم ماذا يعني هذا؟ هذا يعني تجاوزا في حقي و وقاحة و استهتارا.." قاطعه صوت رنين الهاتف فسحبه ياغيز من جيب الرجل و نظر الى الشاشة فإذا جمال هو المتصل..رد عليه ياغيز بعصبية" سيد جمال..هلا أخبرتني ماذا يعني هذا؟ ماذا يعني وضع رجال خلف زوجتي؟ هل أنا عاجز عن مراقبتها أو الانتباه الى خطواتها؟ هذا خطأ لا يغتفر بالنسبة الي" قال جمال" ياغيز..اهدأ لو سمحت..تصرفي هذا ليس موجها اليك بصفة شخصية و ليس الهدف منه ازعاجك او التجاوز في حقك..لكنك تعلم بأن المجلس ممتعض من وجود هزان بالقرب منك و نحن خائفون من خيانتها لك و لنا من جديد..من حقنا أن نتخذ التدابير اللازمة و .." قاطعه ياغيز" سيد جمال..لو سمحت..لا تدفعني الى الجنون..لست عاجزا عن احتواء زوجتي و عن مراقبتها عن كثب..ثم أنا أضمن لك بأنها لن تقدم على شيء كهذا مرة أخرى..ألا يكفيك ذلك؟" صمت جمال قليلا ثم رد" ياغيز..كلمتك كافية بالنسبة الينا..لكننا نعلم جيدا بأنك تحبها و بأنها أصبحت نقطة ضعف بالنسبة اليك..فمن يضمن لي بأنك لن تسامحها و لن تحميها منا ان هي كررت خطأها مرة أخرى؟ ها؟ أنت تعلم جيدا بأننا لن نجازف بأنفسنا و بأموالنا و بممتلكاتنا من أجل حبك لها..نحن نثق بك أنت ثقة عمياء لكننا لا نثق بها هي..شكوكنا حولها مازالت قائمة و ستظل قائمة الى حين اثباتها للعكس" مرر ياغيز أصابعه خلال شعره و قال" حسنا..فهمت..لكن لو سمحت سيد جمال..اسحب رجالك و دعني أنا أتولى أمر زوجتي..لو سمحت" رد جمال" حسنا ياغيز..كما تريد..لكن لا تنسى بأننا أقرب اليها و اليك مما تتخيله..و سنكون أول من يعلم بأي خطأ ترتكبه و سنكون نحن من يحاسبها عليه" تمتم ياغيز بصوت خافت" فهمت" و أنهى المكالمة و أعاد الهاتف الى الرجل قبل أن يقول له" اختفي من وجهي و اياك أن تظهر أمامي مرة أخرى" هز الرجل برأسه و ركب سيارته و انطلق بها مسرعا..أما ياغيز فعاد الى السيارة و ركبها ثم راح يضرب المقود بيديه بعصبية و يصيح فانزوت هزان في مقعدها خوفا منه و من غضبه..تحرك بالسيارة بعد وقت فاستجمعت هزان شجاعتها و سألته بصوت خافت و هي تضع يدها على يده" ياغيز..حبيبي..ماذا جرى؟ من هذا الرجل الذي كان يلاحقنا؟ ماذا يريد منك؟" أبعد يده عن يدها و أجاب بعصبية" انه أمر لا يعنيك..توقفي عن طرح أسئلتك الفضولية التي ستتسبب في نهايتك يوما ما" طأطأت هزان رأسها و تمتمت بصوت مخنوق" آسفة..لم أقصد ذلك" لم يجبها و واصل القيادة في صمت..وصلا بعد دقائق الى القصر و ترجلا ثم صعدا الى غرفتهما..نظرت هزان الى ياغيز الذي كان صامتا و مهموما و كان صمته يخيفها منه و عليه..في لحظة عادت الأمور الى سابق عهدها بينهما..مسافة شاسعة تفصل أحدهما عن الآخر..كلام جارح و اتهام مبطن و تهديد صريح..و كأنهما لم يكونا يعيشان ليلة حب الليلة الماضية..هذا ما كان يعنيه عندما قال بأن الجنس لن يصلح شيئا بينهما..و لن يكون ذلك قادرا على اعادة بناء ثقته التي فقدتها..رمقته بنظرات حب و عطف و هو ينزع سترته و قميصه و يدخل الى الحمام..جلست هي على حافة السرير و انتظرت خروجه لكي تسأله من جديد..خرج بعد دقائق يلف نصفه السفلي بمنشفة بيضاء كبيرة و يضع أخرى صغيرة على رأسه..وقف أمام الخزانة و راح يختار ثيابه التي سيرتديها فاقتربت منه هزان و همست" رائحتك جميلة أيها الرجل الوسيم..هل زال غضبك قليلا؟" التفت اليها و سأل بعصبية" هزان..ماذا تريدين؟" زمت هزان شفتيها و قطبت جبينها و هي تقول" ياغيز..لماذا تعاملني هكذا و كأنني عدوتك؟ أنا حبيبتك و زوجتك هزان..أريد فقط أن أطمئن عليك..و لا أريد لأي شيء أن يدخل بيننا و أن يفسد السعادة التي شعرنا بها ليلة البارحة" ابتسم ياغيز بسخرية و رد ببرود" ليلة البارحة؟ و مالذي غيرته ليلة البارحة؟ لقد نمنا معا..هذا صحيح..لكن هل سيجعل هذا من علاقتنا على ما يرام؟ هل سيساعدني على الثقة بك من جديد؟ هل سينسيني ما فعلته بي؟ هل سيمحو الخطر المحدق بك و بي جراء خيانتك لي؟ لا..لن يتغير أي شيء من هذا..لذا كفي عن خداع نفسك و ايهامها بأن كل شيء بيننا على ما يرام" تأففت هزان بضيق و قالت بعصبية" أوف يا..لا أصدق بأننا نخوض هذا الحديث من جديد..خيانتي لك و فقداني لثقتك..أعلم جيدا بأنني أخطأت بحقك و أخبرتك بأنني نادمة على ذلك أشد الندم و بأنني أريد أن أفتح صفحة جديدة في حياتنا معا فإلى متى ستظل تذكرني بأخطائي؟ الى متى ستظل تحاسبني عليها و تهينني و تبعدني عنك؟ الى متى؟ أليس من حقي أن أسعى الى الحصول على فرصة أخرى من الرجل الذي أحبه؟ أليس من حقي أن أعمل على كسب ثقته من جديد؟ لكنك لا تسمح لي بذلك..و لن تتحسن الأمور بيننا اذا بقيت تجلدني في كل مرة و تحملني ما لا أطيق..هذا كثير علي ياغيز" همت بالابتعاد عنه لكنه جذبها من ذراعها بقوة حتى التصقت به و قال من بين أسنانه" و أنا؟ ألا أتحمل أنا فوق ما أطيق؟ ألا تكفيني هموم العمل و ضغوطاته لكي أعيش ضغوطات جديدة أنت السبب فيها؟ أنت لا تعرفين شيئا هزان..و لست مدركة للخطر المحدق بنا..خيانتك فتحت العيون عليك و علي..الكل متربص بنا و ينتظرون خطأ واحدا تقومين به لكي ينهون أمرك و أمري معك..ما فعلته جعلني أقع في ورطة لا أعلم كيف سأخرج منها..سأقول لك أمرا واحدا فقط..اياك ثم اياك أن ترتكبي هذا الخطأ مرة أخرى..اياك أن تفكري و لو مجرد تفكير أن تخونيني لأن الثمن عندها سيكون باهظا جدا..و حتى أنا لن أكون قادرا على حمايتك من عقاب الكبار..سيكون الثمن حياتك..هل فهمت؟ كوني حذرة في كل ما تقومين به..و اياك أن تتدخلي في أمور العمل أو أن يستيقظ فضولك القاتل ذاك و يجعلك تبحثين و تسألين..اياك هزان" ثم أبعد يده عنها و راح يرتدي ثيابه..أما هي فجرت نحو الحمام و وقفت بملابسها تحت المرش و أطلقت العنان لدموعها الحارقة..
في كازينو السلام..تابعت بيلين بعيون كلها حقد و غيرة أخبار اعلان ياغيز لزواجه من هزان..كانت السعادة بادية على وجهيهما و عيونهما تنطق بحبهما الكبير..ضغطت بيلين على الكرسي الجالسة عليه بأصابعها ثم ضغطت على زر الاطفاء فأغلقت التلفاز..ابتسمت بخبث و قالت" حب..و زواج..و صحافة..و أضواء..جميل..جميل جدا..لقد خيرتها علي سيد ياغيز..و تزوجتها و تركتني..و لم تهتم حتى لطفلنا الذي فقدناه..حسنا..سنرى كيف ستدفع ثمن فعلتك هذه..ستندم أشد الندم على ما فعلته بي..لن أسامحك أبدا و لن أسمح لك بأن تعيش يوما واحدا سعيدا معها..أعدك بذلك ياغيز" سمعت فجأة صوت طرقات على الباب فقالت بصوت مسموع" ادخل" اطل جواد برأسه و من خلفه باريش و دخلا عليها..نهضت و استقبلتهما و هي تقول" أهلا و سهلا بكما..من الجيد أنكما أتيتما معا..أردت رؤيتكما معا..تفضلا بالجلوس" جلس باريش و جواد قبالتها فأشارت بيلين الى الخادم الذي كان واقفا بالقرب منها فسكب لهما النبيذ و وضعه أمامهم ثم خرج و تركهم لوحدهم..سأل باريش بقلق" خيرا آنسة بيلين؟ لماذا أردت رؤيتنا؟" رفعت بيلين كأسها و قالت و الابتسامة ترتسم على ثغرها" نخب وحدتنا و اتفاقنا معا على تدمير ياغيز ايجمان" ضحك جواد و باريش و طرقا كأسيهما بكأسها و قالا بصوت واحد" نخبك" ارتشفت رشفة من كأسها ثم قالت" اسمعا..عدونا مشترك..و قام بإيذاء كل واحد منا بطريقة ما..لذلك وجب أن نتحرك معا و أن نوحد جهودنا لكي نوقع به و لكي ندمره..هل لدى أحد منكم خطة واضحة؟" صمت باريش أما جواد فأجاب" أفكر في تعطيل عمله و في هز ثقة المجلس به..يجب أن يرفع الكبار أيديهم عنه و عندها سيكون القضاء عليه سهلا..القانون لن يكون قادرا عليه اذا كان تحت حمايتهم..أما اذا فشل فسيضحون به و يقدمونه ككبش فداء..و هذه أفضل طريقة للايقاع به" نظر اليه باريش و أضاف" معك حق..لقد حاولت سابقا أن أوقع به بالقانون لكنني لم أفلح..انهم يثقون به و يحمونه و هذا ما يعرقل عملي" قالت بيلين" اذا يجب أن يبقى لوحده..دون حماية..لكن يجب أن نجد طريقة مناسبة تجعل الكبار يتخلون عنه..هل من أفكار؟" رد باريش" هزان هي المفتاح الذي سيوصلنا لما نريد..الكبار يعلمون بخيانتها له و ممتعضون جدا من وجودها بجانبه..تخيلوا..انهم يراقبونها و ينتظرون خطئا منها لكي ينهوا أمرها..و اذا نظرنا الى حب ياغيز لها و رغبته في حمايتها فسيعادي الكبار لأجلها و سيواجههم..و عندها سيبقى لوحده و سيتخلون عنه..و يسهلون عملنا نحن..لكن سأقول لكم شيئا..أنا لن أسمح لأحد بإيذاء هزان..أنا أحبها و أنتظر الوقت الذي أجتمع فيه معها..سنحاول أن نستخدمها دون أن نؤذيها..هدفنا هو ياغيز فقط..لنتفق على ذلك" ابتسمت بيلين بخبث و ردت" نعم..معك حق..ياغيز هو أولويتنا..سنتناول غداءنا معا و نتكلم بطريقة تفصيلية عن خططنا" ..
في القصر..نزل ياغيز الدرج الى الأسفل و نادى بصوت عالي" يمان..أين أنت؟" اندفع يمان يجري ليقف أمام السيد ثم أجاب" أنا هنا سيدي" اقترب منه ياغيز و سأل" أين جان؟" رد يمان" في الغرفة الخلفية..و معه ممرض يهتم بحروقه" قال ياغيز " لنذهب اليه" و مشيا عبر الحديقة حتى وصلا الى الغرفة الصغيرة الخلفية ففتح يمان الباب لياغيز فدخل..كان جان مستلقيا على بطنه على السرير و ظهره مكشوف و به آثار لحروق مختلفة..اقترب منه ياغيز و جثى بجانبه و هو يقول" حمدا لله على سلامتك يا بطل..لقد صرت في مأمن الآن" حاول جان أن ينهض لكن ياغيز منعه..نظر الى سيده و تمتم بصوت ضعيف" هذا كله بفضلك سيدي..كنت واثقا بأنك لن تتخلى عني رغم أنني كنت جاهزا لتمضية حياتي كلها في السجن لأجلك..شكرا لك" ابتسم ياغيز قائلا" لا تشكرني..ليس العراب من يتخلى عن رجاله الأوفياء..آسف لأن الطريقة كانت خطرة و مؤذية..لكن أعتقد بأن حريتك أهم..طمئني عنك..هل تؤلمك كثيرا هذه الحروق؟" هز جان برأسه و أجاب" ليس كثيرا..بإمكاني تحمل الألم..المهم أنني هنا معك و بجانبك" قطب ياغيز جبينه و همس" لا يخفى عليك بأن خبر موتك داخل السجن سيذاع في غضون ساعات قليلة..و سيكون عليك أن تبقى خفيا عن الأنظار..آسف لأنني اضطررت الى قتلك و أنت على قيد الحياة لكنني وجدت بأن هذه هي الطريقة الملائمة لضمان تواجدك خارج السجن دون مضايقات..لو قمت بتهريبك لكانوا فعلوا كل شيء لكي يجدوك..اما اذا تحقق موتك فهذا يعني بأن القضية أغلقت الى الأبد" ابتسم جان و قال" سيدي..أنا أعلم بأنك دائما تفكر بعواقب الأمور قبل القيام بها..و هذا يدل على ذكاءك و فطنتك..ليتني كنت أمتلك عقلا كعقلك" ربت ياغيز على كتفه بخفة و هو يقول" لا تكن مثلي جان..هي مرة واحدة تغلب فيها قلبي على عقلي و ها أنا أدفع ثمنها الى اليوم" زم جان شفتيه و سأل" هزان..أليس كذلك؟" أومئ ياغيز برأسه بالايجاب و همس" أحاول حمايتها منهم..لكنهم مصرين على الشك بها و على ملاحقتها..لا أنكر بأنني لا أثق بها أنا أيضا لكن هذا لا يعني بأن أتركها لهم..انها زوجتي..و المرأة التي أحب..لست مستعدا للتفريط بها و لخسارتها..استعد أنت عافيتك سريعا لأنني بحاجة اليك بجانبي" نظر اليه جان و رد" سأكون بجانبك في أقرب وقت ممكن" صمت جان قليلا ثم أضاف و الخجل يبدو على ملامحه" سيدي..هناك أمر علي اخبارك به..بالأمس.." قاطع حديثهما دخول يمان و هو يقول و علامات الدهشة بادية على وجهه" سيدي..تعالى معي..لن تصدق من هنا في القصر..و يريد رؤيتك" تبعه ياغيز الى الخارج فسمع صوتا نسائيا يصيح بأعلى صوته" أين هو ذلك القاتل الحقير؟ أين هو ذلك المجرم؟ هل قررت أن تنهي امره و تتخلص منه؟ أهذا ما تكافئ به أحد أخلص رجالك؟ أين أنت؟ تعالى و واجهني" وصل ياغيز الى البوابة و رفع حاجبه استغرابا فور رؤيته لسيبال تقف أمامه و الحرس يحاولون منعها من الدخول..أشار لهم ياغيز بأن يتركوها فاقتربت من ياغيز و قالت و الدموع تسيل على خديها" لماذا قتلته ؟ لماذا؟ لقد كان مستعدا أن يقضي بقية حياته في السجن لأجلك..لم يكن يمثل أي خطر عليك..لماذا فعلت هذا بجان؟ لماذا؟" زم ياغيز شفتيه و رد ببرود" و ما دخلك أنت بجان؟ ثم أية وقاحة و جرأة هذه التي دفعتك للوقوف أمامي بعد أشهر من الاختفاء؟ ألا تخافين على نفسك؟ ألا تعلمين ما هو جزاء الخيانة في قانون العراب؟" صاحت به سيبال" لا يهمني الموت..و لا يخيفني..أنا هنا لأجل جان..لم أكن أتوقع منك أن تقتله و تنهي أمره في السجن..كنت أظن بأنك تقدر رجالك الأوفياء مثله..لكنك خيبت ظني..يا أسفي عليك..مادمت قتلت جان فلا تهمني حياتي..اقتلني أنا أيضا" سحب ياغيز سلاحه من خصره و وضعه على جبينها مجبرا اياها أن تركع أمامه على الأرض و قال" جميل جدا..هذا يعني بأنك أتيت الى هنا لكي تنالي عقاب خيانتك لي..لكن ما لا أفهمه هو اهتمامك بجان..مالعلاقة التي تجمعك به؟ هل تحبينه؟" رفعت سيبال عيونها نحوه و أجابت بثبات" نعم..أحبه..أكثر من نفسي حتى..لهذا أريد أن أموت لكي أكون معه من جديد" انفجر ياغيز ضاحكا بأعلى صوته ثم قال" ياللروعة..تحبينه أكثر من نفسك..اليس كذلك؟ لماذا اذا خنت سيدك و سيده؟ لماذا اختفيت فجأة عن الأنظار و تركتنا نتورط مع الشرطة و عملائها؟ أجيبي..لماذا؟" اطلت هزان من شرفة غرفتها و فغرت فاها دهشة لرؤية سيبال تركع أمام ياغيز و هو يوجه السلاح الى رأسها..اندفعت تجري الى الأسفل علها تمنع ارتكابه لحماقة كهذه..ردت سيبال" كنت مضطرة أن أفعل ذلك..لقد تلقيت تهديدات صريحة أجبرتني على تنفيذ ما طلبوه مني" قطب ياغيز جبينه و سأل من جديد" من هددك؟ و بماذا؟" ردت" ضابط شرطة يدعى باريش هو من وصل الي و فضح أمري و خيرني بين قبول عرضه و الاختفاء عن الأنظار و بين دخول السجن بسبب تهريبي للألماس خلال الرحلات التي كنت أقوم بها..و لم يكفه هذا..بل هددني بأن يقتل جان أو يسجنه ان لم أقبل..لأنه كان يعلم بعلاقتي معه..كنت مضطرة أن أنفذ ما طلبه مني لكي احمي نفسي و أحمي الرجل الذي أحب" اقترب منها ياغيز و قال" و هل كنت تعرفين من سيتسلل الى داخلنا و يحاول الايقاع بنا بمجرد أن تختفي أنت؟" هزت سيبال برأسها بالنفي و اجابت" لم أكن أعلم..لقد أخبرني بأنه سيجد الشخص المناسب لكي يفعل ذلك..و كل ما طلبه مني هو أن اترك الحقيبة التي تحتوي على الألماس لزميلتي في السكن و هو سيتواصل معها و يأخذها منها..مسكينة هزان..لم أكن أعلم بأنه سيورطها معك" اندفعت هزان تجري و أمسكت بيد ياغيز و هي تقول بصوت مرتعش" ياغيز..أرجوك..لا تقتلها..لا ذنب لها فيما حصل..أشفق على شبابها و دعها تذهب..لو سمحت..لا ذنب لها..نحن من ورطناها و حملناها وزر ما حصل" صاحت سيبال بها" هزان..ماهذا الذي تقولينه؟ أنت لا دخل لك..باريش هو من ورطنا نحن الاثنتين..آسفة لأنك اجبرت على البقاء مع هذا الوحش و الزواج منه..مسكينة أنت..لا تستحقين مصيرا كهذا" طأطأت هزان رأسها و همست" لا سيبال..أنا لست بريئة كما أبدو لك..أنا مذنبة بقدر باريش..لقد كنت أعلم بمخططه..و شاركته فيه..و أنا من فضحت له علاقتك بجان..لأنني كنت أعلم معه بصفتي عميلة سرية للشرطة..سامحيني سيبال..أنا من كانت السبب في كل ما حدث" ارتسمت علامات الدهشة على وجه سيبال و تمتمت" غير معقول..لا أكاد أصدق..عميلة سرية؟ و أنا التي كنت أظن بأنك بريئة و ساذجة..لقد نجحت في خداعي بكل صراحة" ثم التفتت الى ياغيز و قالت" لست هنا للحديث عن هزان..سيد ياغيز..ان كنت تريد قتلي فافعل..فلا معنى لحياتي دون جان..هيا اضغط على الزناد و دعني أذهب اليه" جثت هزان على ركبتيها أمامه و راحت تتوسل اليه قائلة" أرجوك ياغيز..لا تفعل..لا تقتلها..انها بريئة و لا ذنب لها..أتوسل اليك أن تعفو عنها و أن تطلق سراحها..لو سمحت..ان كان هناك شخص يستحق الموت هنا فهي أنا..أنا الوحيدة المذنبة و التي تستحق العقاب..اقتلني و أرحني من عذاب الضمير و من نظرة الشك التي اراها في عيونك كلما نظرت اليك..اقتلني و تخلص من ثقل وجودي في حياتك و التفت الى عملك..لن تكون عندئذ مضطرا الى حمايتي و الاعتناء بي..هيا ياغيز..اقتلني و أرحني" رمقها ياغيز بنظرة ذات معنى و كأنه يقول و كيف لي أن أفعل ذلك و أنا أحبك كل هذا الحب..ثم التفت الى جلال الواقف قريبا منه و قال" جلال..خذ السيدة الى غرفتها و أغلق عليها الباب و ابق هناك الى أن آتي اليك" فرد الرجل" كما تأمر سيدي" و جذب هزان من يدها و رافقها الى الأعلى غير عابئ بصراخها و بتوسلاتها لياغيز بألا يقتل سيبال..أما ياغيز فقال مخاطبا سيبال" و أنت يا آنسة..ما دمت تصرين كل هذا الاصرار على الذهاب الى حبيبك..فلا تقلقي..سآخذك اليه..يمان..أحضرها لكي ينفذ فيها الحكم" تبعتهما سيبال في صمت و هي تظن بأن ياغيز سيطلق عليها رصاصة تنهي حياتها..وصلوا الى الغرفة الخلفية ففتح يمان الباب فدخل ياغيز و سحب سيبال من يدها فجمدت في مكانها و هي ترى جان المستلقي على السرير..امتلأت عيونها بالدموع و اقتربت منه و راحت تقبل وجهه و يديه أما هو فسألها بقلق" ماذا فعلت يا مجنونة؟ كيف تقومين بأمر متهور كهذا؟ ألم أحذرك؟ ألم أطلب منك أن تعودي من حيث أتيت؟" ابتسم ياغيز و قال" هكذا اذا..اتفقت معها علي سيد جان..هذا خطأ لا يغتفر" لم تنطق سيبال بحرف واحد أما جان فتمتم بخجل" آسف سيدي..في الواقع هذا ما كنت سأخبرك به قبل مجيئها..لقد أخطأت و أنا مستعد لتحمل أي عقاب تراه مناسبا" خطى ياغيز نحو الباب و هو يقول" عقابك هو أن تظل مع هذه المجنونة..انها تحبك و تستحقان أن تكونا معا..هيا يمان لنذهب" و خرجا فيما بقيت سيبال جاثية بالقرب من جان..في غرفتها..لم تتوقف هزان عن طرق الباب و مناداة ياغيز و التوسل اليه بألا يقتل سيبال..بعد وقت قصير..فتح هو الباب و دخل فسألته بقلق" هل قتلتها؟ أجبني لو سمحت..هل فعلت ذلك؟" جلس ياغيز على حافة السرير و جذبها لكي تجلس على ساقه و رد" لا..لم أفعل..لأن شخصا غاليا على قلبي ترجاني بألا أفعل..انها هناك..مع حبيبها" قطبت هزان جبينها و قالت" لكنك قلت بأنك لم تقتلها..ان كانت مع جان فهذا يعني بأن.." قاطعها" جان على قيد الحياة..لم يمت كما انتشر في الأخبار..انه في الغرفة الخلفية في القصر..و سيبال معه..هل ارتحت الآن؟" عانقته هزان بقوة و راحت توزع قبلاتها على وجهه و هي تردد" شكرا لك حبيبي..شكرا لك" لف ياغيز يده حول عنقها و نظر مباشرة الى عيونها و همس" هزان..اياك أن تفعلي ما فعلته اليوم مرة أخرى..اياك أن تركعي أمامي و تطلبي من أن أقتلك لأنني لن أفعل..و كيف أفعل ذلك و أنا مسكون بحبك و أعشق كل تفصيلة من تفاصيلك..حياتك التي تريدين التخلي عنها أغلى عندي من حياتي نفسها..هل فهمت؟ يلزمني فقط بعض الوقت لنسيان ما حدث و لإعادة بناء الثقة بيننا..و كما ترين..ها قد استأمنتك على سر جديد من أسراري..بقاء جان على قيد الحياة سر لا يعلمه الا القليلون..و أنت أصبحت واحدة منهم..فاحفظي هذا السر لو سمحت..لكي تثبتي لي بأنك تستحقين هذه الثقة التي أريد منحك اياها" قبلته هزان و قالت" سأفعل..أقسم لك بأنني لن أخذلك مرة أخرى..لأنني أحبك" حرك ياغيز يده على وجهها قبل أن يحتوي شفتيها في قبلة رقيقة عبرت عن ما تفيض به قلوبهما من مشاعر...

في قبضة العرّاب Where stories live. Discover now