12 |رسائل نجمٍ تائهٍ في المجرة!|

1.7K 268 14
                                    

رسائل نجمٍ تائهٍ في المجرة!

الأحد 8/3/2020

إلى الكائن الجميل الذي يجمع خيبات العالم، ويضعها على وسادة، ثم يضطجع عليها إلى حزن الأبدية العميق!

عزيزتي..

لنعد إلى نقطة التوقف، تماماً حيث انقطعت كلماتنا المرة الماضية، ولنكمل وكأننا اجتمعنا مجدداً على مائدة الحب نفسها، يفصل بيننا فنجاني قهوة والكثير من المشاعر..

أحياناً يتبادر لذهني سؤالٌ وأعيد تكراره بلا توقف، إن كان والدي خائفاً جداً على ابنه ذي العشرين سنة فلم سمح لي من البداية أن أسجل اسمي بالمنحة؟!

حين تم قبولنا معاً وجدتُ علامات الحزن العميق على وجه والديّ، تساءلتُ يومها إن لم يفرحا بنجاحي، ولكني أدركتُ لاحقاً ما الذي كانا يفكران به، كانا يظنان أن ذهاب ابنهما يعني خسارته وضياعه، وهذا صحيح وخاطئ بالوقت نفسه.

الحياة هنا مختلفةٌ كثيراً عن الحياة في دمشق، المعايير الأخلاقية تختلف بشكلٍ جذري، الأمور التي يقوم بها الأشخاص هنا لا تشبه ما كنا نقوم به، الأجواء العائلية ليست مثل التي لدينا، طريقة تعامل الناس مع بعضهم البعض، وجماعات الأصدقاء التي تخلق في الاحتفالات عند اجتماعهم حول طاولة مشروب والكثير من الأغاني الجنونية، حتى قصص الحب والعلاقات العاطفية مختلفةٌ عن تلك التي لدينا، فيخرج الحبيبان مع بعضهما لأشهر قبل أن يقررا إخبار عائلتيهما والارتباط بشكلٍ رسمي، وقد ينشأ بينهما أطفالاً دون زواج، وهنا يتفكك المجتمع.

دمشق لم تكن هكذا، كل معاييرها كانت مختلفة، ربما نحن قد بعنا التطور في سبيل الأخلاقيات، هذه الأمور لا يدركها إلا من عاش في البلدين ولمس الفرق، الجميع يندمج سريعاً بحياته الجديدة، أما أنا فكنتُ أريد أن أواصل النظر ورائي إلى المكان الذي جئتُ منه، حتى أصل إلى المكان الذي أبتغيه..

لقد خاف والداي علي لأن وهج الغرب يعمي الأعين، والتطور الذي هنا ينسي الأشخاص الجدد من أين أتوا حقاً، وما القيم التي تربوا عليها، وصدقيني لولا الحادثة التي حصلت لربما كنتُ شخصاً لا يملك أي معيارٍ ليسير عليه في حياته، ولكني وصلتُ للمدينة وقد فقدتُكِ، فلم يتداركني ذلك الشعاع الحارق، وحافظت على القيم التي علمني إياها والدايّ!

عزيزتي..

ربما لا تعرفين بعض التفاصيل التي سأقولها تالياً، لذا حين تستيقظين وتقرأينها فأرجو ألا تشعري أنني أخفيتُ عليكِ حقيقةً كان يجب أن تكوني على درايةٍ بها، قبل شهرين تماماً من سفرنا كنتُ مستيقظاً لوقتٍ متأخر لشعوري بالأرق، خرجتُ من غرفتي لأسمع حواراً يدور تحت ستار الظلام بين والديّ، كانا يتحدثان عنا!

كلاهما كانا خائفين، يفكران بشابٍ صغير لم يتجاوز العشرين سيذهب إلى مكانٍ مختلفٍ عن بلده التي تربى فيها، وشابةٍ جميلة ستكون وسط مجتمعٍ غريبٍ عنها..

أبي لم يرد أن يمنعني لأنه شعر كم كان حلماً عظيماً بالنسبة لي أن أقبل في البعثة التي سيذهب لها الكثير من طلاب الطب في جامعة دمشق، ولم يرد أن يمنعكِ رغم خوفه عليكِ وأنتِ أمانة صديقه المفضل.

اقترحت أمي أن تخطب لي قبل أن أذهب، قالت إنه الحل الأفضل لأي شابٍ على وشك السفر، أن يبقى قلبه معلقاً بفتاةٍ ما ويحادثها بالحلال، ولكن والدي أخبرها أن الفتاة التي ستنتظرني سيكون عليها أن تعيش معي على الاتصالات لأكثر من ست سنوات، وهذا كان غبياً.

يومها جلستُ أرضاً بجانب باب غرفة والديَّ، أستمع لحديثهما حتى الرابعة صباحاً حين نهضا ليصليا الفجر، خوفهما علينا جعلاهما يفكران بعرض فكرة الزواج علينا، وصدقيني أنا كنتُ يومها أرتجف بكل ما تعنيه الكلمة..

كان الأمر أشبه بالصفعة بالنسبة لي، أن أتزوج في سنٍ صغير وقد كنتُ أحلم بتأسيس عائلتي بعد أن أبلغ الثلاثين، ولكن بنفس الوقت ستكونين الفتاة التي تم اختيارها لي من قبل عائلتي، سأكون معكِ أقرب من أي وقتٍ قبل، كل تلك الأفكار جعلتني أعيش حالة شرودٍ طويلة، مع الوضع بعين الاعتبار أنكِ قد تعتبريني كشقيقكِ وترفضين..

ولكن الأمر قد تم، الصورة التي التقطناها بعد خطوبتنا مازالت موضوعةً على طاولة المكتب، ألتمس منها القوة كلما كتبتُ لكِ، الاحتفال الصغير الذي قمنا به لزفافنا كان في نفس يوم سفرنا، ركوبنا للطائرة كان بداية رحلتنا الجديدة..

ما كنتُ أفكر به تلك الليلة جعلني أطير فوق السحاب تماماً، كنتُ سعيداً جداً، لم يكن ثمة مساحةٌ صغيرةٌ لفكرةٍ سوداء لتدخل عقلي، سأتزوج الفتاة التي أحب، ثم سأسافر معها لبلدٍ أجنبي جميل، سندرس في جامعةٍ واحدة، وسنكون معاً ونحمي بعضنا البعض من هذا العالم، هل يمكن للحياة أن تكون جيدةً معي أكثر من هذا؟!

أردتُ لذلك الفرح فقط أن يتمم، أن ينتهي كما أردت، أن تتحقق كل تلك الأحلام الدافئة التي كانت خيالاتها تعمر بعقلي، كنا كما قال محمود درويش "حبيبان إلى أن ينام القمر" كنا شعلةً جميلةً ومضيئة قد أضاء لهب الحب فيها للتو، كل شيء كان بخير.. كل شيء، حتى وقعت الفاجعة..

"كنتُ أنا وأنتِ ضد العالم، وأقول لك، في النهاية يربح العالم دوماً."
"خالد حسيني"

To be continued

R.M

الفصل قصير جداً لذا سأنشر واحد بعد ساعة تقريباً..

كل المودة❤️❤️

Two stars in the galaxy | نجمتان في المجرةWhere stories live. Discover now