الفصل العاشر

7.4K 199 0
                                    

هل تسمعين أشواقي
عندما أكونُ صامتاً؟
إنَّ الصمتَ, يا سَيِّدتي..
هو أقوى أسلحتي..
أفضل أن تصمتِ وأنت في مملكتي..
فالصمت أقوى تعبيرا من النطقِ
وأفضل من الكلام الهمسِ
نزار قباني

نقرات أصابعها مترددة فوق الباب الخشبي..
ستبدأ وستحاور وستقول وستلوم وستبرر..
و...
تعشق...
وتوقف كل شيء مع انف راجة باب..
وهو..
اليوم تصمت وتتأمله من جديد..
تغوص بملامحه وتعبير عينيه الذي لا يهدأ..
يتجبر ويستكين..
يغضب ويهدأ..
ويعاقب ويعشق..
تنفست ببطء وخانتها شفتيها..
لاحديث.. ولا حوار عقلاني كان أم جامح!..
لا شيء سوى أنها كادت تفعل الشيء الوحيد الذي تجيده
تصمت وتبكي..
ولكن...
القبلة هي الرسائل السرية التي تعجز عن استقبالها الأذن..
هي خديعة الطبيعة كي نمارس توقف لذيذ للكلمات
هي ناقوس الشغف.
"إنجريد برجمان"
فاز الفرنسيون بالقبلات, والإنجليز بالكلمات
وهو لا يبالي سوى بشفتيها..
كانت ترتدي زرقة كما يعشق..
النسيج مع خصلاتها بهي ويقتله فوق جسد.
مترددة؟؟..
فتحملي الصمت إذاً!
جذبها وأخرسها ولا يطلب عقاب بل هو مشتاق..
وخالد يشتاق بتملك فيجذب خصر ويثبت رأس ويحتكر أنفاس, ولولا الهواء ما
قدر لها ابتعاد..
ووجنتيها تتخضبان بحمرة فهي امرأةٍ خجول..
فابتسم بمكر وأفكاره تخبره بتغير طفيف في نكهة البندق خاصته فقد أصبحت
ممزوجة بشوكولاة!
رفع ذقنها نحوه وتأملها..
كان وقت ينتظره أن تتحدث أو ليتها تبتكر..
تنفست هي ببطء وتحسست شفتيها فبدأ هو بمزاح لا تعتاده كثيرًا:
شوكولاة؟!
اتسعت حدقيتها ورفعت عينيها نحوه في استحياء تكتم بدورها ابتسامة ثم رضي
عنها صوتها أخيرًا وخرج:
كنت متضايقة..
قالتها وهي تتذكر وتقطب حاجبيها..
سمعت صوت أنفاسه وكأنه يلومها ونفسه..
اقتربت منه لترفع ذراعيها محيطه برقبته ثم تابعت بمكر:
أنت مش بتحب الشوكولاة
رفع أحد حاجبيه بجدية وازت تحكمه هو بخصرها:
والحل؟
توقفت قليلاً وكانت تفكر بمتعة له, ثم رفعت بصرها مرة أخرى لتشب فوق
قدميها وتقترب منه أكثر مجيبة بسخرية محببة:
معلش هتضطر تضحي!
وعندها رسمت هي وجه القُبلة
وهاي هي تبتكر...
************************
سيارتها تقبع في الظلام وتشاهد الحمقاء تخطو خطوة وتعود اثنان كي تصل
لزوجها..
ضربت المقود بغضب لتلوم تأخيرها على أفضل فرصة كانت ستنالها حتماً..
وغدت سارحة في تخيلات مستحيلة..
تضم جسدها في فراشه بينما تفاجآهما زوجته.
وهكذا تنتهي الرواية..
هي وحيدة تتحسر, وهو يمارس دور شمشون بالداخل ومع حمقاءه يتجبر!
تنهدت بغيظ..
بل كيد ومرت أكثر من عشر دقائق بلا أفكار حتى لمعت عيناها بمساعدة
شيطان..
محظوظة هي بإبليس نشيط!!
**********
كانت بين ذ ا رعيه ولم يعد يبالي أو يفكر بشيء سوى أنه يفتقدها وبشدة..
طرق باب مريب أجفلها وأثار غضبه..
استدار وهو يتصور أن حماقة حسن جاءت به في وقت يُحل قتله..
أم ربما تميمة تسللت وحدها..
كان يُعدل قميصه وطلب من إيناس أن تُعدل من فستانها هي الأخرى وبينما
ترفع هي كتف الفستان وتبتعد عن نظر الباب لمحت..
وليتها ما..
قدم امرأة تخطو..
ورداء صمم كمئزر..
وخصلات فحمية.. ونظرة ناعسة..
وخطوة نحوه صلبته وهمس مغوي واعتذار:
أنا آسفة يا حبيبي!
وقبل أن يستوعب قبلته..
وأمام زوجته!
كانت ايناس تسمع صوت أنفاسها في أذنيها وت ا رقب خيال مزعج..
بل مؤلم..
شفتي امرأة فوق ثغره..
وذهول.. ودفعة.. وصمت.. وتحدي..
وصفعة!..
واستوعب فتوقف قلبه ونظر نح وها..
حدثت كارثة..
وبعينيها بكاء....
بسببه..
تنفس بسرعة ولأول مرة يغيب قرار..
أيمارس عنفوانه ليضرب امرأة حتى تسيل منها دماء؟..
أم يذهب إليها ويحتضنها؟؟
كانت شيرين منزوية بركن وتراقب نظرته المتحسرة نحو زوجته..
أشبعتها شماتة وابتسمت بانتصار..
لا تبالي وغالبا ستتعثر زوجته هاربة وهي ستظل ولن ترحل..
أغمضت إيناس عينيها ولكن لتمنع عبرات..
لن تبكي..
لن تبكي..
استقامت لتقف..
وكانت عيناه تقول لا..
وخطواتها بطيئة ولكن بها تصميم..
لم تنظر نحو الأخرى فالعهر لا يستحق انتباه..
توجهت نحوه وبدت كأنها ستتخطاه..
ولكن..
فجأة توقفت لتواجهه..
ترمقه ولا ترمش..
تتأمله.. تتنفسه..
تغار وتود أن تنبش إن استطاعت..
لا ليست غيرة فهذا شعور أسوأ وبمراحل..
وشفتيه ملوثة!
كبحت نفسها وغضبها واستدارت له لتتحرك خطوتين وتصبح في مواجهته..
ومدت يده لجيب بنطاله وأخرجت منديلاً..
وتفرك بقسوة وتمسح تخضب حمرة لا تليق به..
تطهر شفتيه!
كانت شيرين تراقب ما يحدث مذهولة..
هي ثابتة وهو بالمثل..
وكأنه طفل يترك لأمه إصلاح ما لوثه..
ومتى انسحبت؟..
لا يعلم.. ولا يهتم..
كانت إيناس ترتجف.. وشفتيه بدأتا تؤلمه ولكنه لم يوقفها..
تركها حتى تصلبت يداها فاحتواها ببطء..
أن زلها وسحب المنديل ليرميه جانباً ثم قربها منه..
في البداية لم يقبلها فقط جذبها ليضع جبهتها فوق أنفه..
كان يتنفسها لتهدأ, لكنه لم يكن يدرك أنه يتسول الراحة ربما أكثر منها..
كانت ترتجف من رأسها حتى أخمص قدميها ولكن لن تبكي..
لن يهاجمها ضعف لا يتحمله كبرياء أنثى بتلك اللحظة
وهي ملكة الكبرياء..
تجاهد ضد قبضتيه اللتين تحكتما بخصرها..
ابتعدت عنه..
دفعته..
رمقت.. برقت.. صرخت..
وجذبها لينطق بعينيه ولسانه معاً:
مش هينفع
وقبل أن تفكر جذبها بقبلة..
قبلته هو فقط.. هي الطرف المتذمر..
ال ا رفض..
المتألم..
ولكن لا سبيل..
لا مجال..
ووقتها انفجر الطوفان وأصبحت قبلتها مالحة المذاق, ابتعد وقد طوق أ رسها
بيده.. عبس ليلوم:
ما تعيطيش!
لوم وغضب وبكاء لا تستحقه مكيدة حثالة..
هكذا يكرر وهكذا يؤمن..
وهكذا سيحذف ببراعة رجل تلك الحظات ليبتعد ويغلق بابه بمفتاح ويخلع
قميصه ولينتهي الأمر..
**********************
لا يعلم هل هي الثامنة صباحاً أم السابعة؟؟..
ولكنه يعلم أنها استيقظت قبله ورحلت..
تأمل مكانها الفارغ على الف ا رش.
ليتها ظلت وأستكانت فوق صدره, ألم تستكين بالأمس!
ارتدى ملابسه على عجالة وهو يزمجر كأسوأ خيوله..
إنها العاشرة ولا يعرف كيف استغرق في النوم لهذا الحد!
كانت تميمة قد رحلت مبك ا رً لمدرستها وتأمل المنزل والمطبخ نظيفاً دونها..
فرك جبهته ليفكر أين ذهبت..
ولمعت عيناه بقسوة عندما تصور رحيلها غاضبة فبدأ يتوعد بعقاب.
لم يكن الوقت في صالحه فلديه عمل كثير وخاصة أن المومس المتنكرة رحلت
دون ترتيب..
زفر بضيق وقرر أن يأخذ حماماً ساخناً ويتوجه بالبداية للإسطبلات..
كان العمال في حركة ونشاط..
أخيرًا يدركون مهامهم دون توبيخ..
كان يتوجه مسرعاً لمقر خيول السباق عندما أوفقه دسوقي:
يا بشمهندس خالد.. يا بشمهندس..
توقف وهو يعبث بهاتفه ليجيب مسرعاً وبمزاج سيء:
خير يا دسوقي؟
ابتلع دسوقي ريقه ثم نطق بصوته الغليظ:
الدكتورة هنا من الصبح وهي دلوقتِ في بلوك 5 عند عنتر!
هز رأسه في غير استيعاب:
دكتورة!.. دكتورة مين؟
بهتت ملامح دسوقي وشعر بالحيرة قبل أن يجيب بتردد:
دك... دكتورة إيناس..
لا يعلم هل مرت دقيقتان أم ثلاث وهو بمكانه دون حراك حتى هرب السائس
العجوز من أمامه..
الباقي لم يحتاج لجهد..
ظهرت صباحاً وصرفت الطبيب المتابع للمزرعة بعنترية لتتسلم زمام الأمور..
ضم قبضتيه وتوحشت عيناه بغيظ وهو يدرك تسللها من جانب غفوته لتنفرد
بصنع قرارات..
كانت تقف في غرفة الجواد وبجانبها سائس شاب..
ترتدي سترة بنية خفيفة فوق قميص أبيض وسروال بندقي!
بندقي في أول يوم عمل!
بندقي يا إيناس!!
عقله يصرخ ولكن فقط ليزعجه هو..
هي ترفع خصلات شعرها بنظارة عسلية وتوجه الأوامر للسائس وهي تفحص
الحصان بحرفية تامة..
وكأن ليس لها ست سنوات على ترك العمل..
روح أنت دلوقتِ يا علي.
كانت نبرته ثابتة وهو يوجه أمر واجب النفاذ للسائس الصغير..
تحرك الشاب مسرعاً على الفور..
أما هي فتحركت حول الجواد وأكملت عدة ملاحاظات تكتبها..
تصور أنها ستخرج هاربة متحاشية حديثه ولكنها توجهت نحوه بأسرار عسكرية
نسائية!!
كانت نضرة بشكل لا يوصف..
وعيناها تقطر عسلاً ذاب من ضوء الشمس المتسلل من النافذة..
لون نظارتها الشمسية يعطي تناغماً مربكاً مع خصلات البندق..
وفوق جيدها وضعت قلادة بتميمة زرقاء.
كان يتنفس ببطء وغضب وشغف..
رفعت بصرها لتنطق بعملية تامة:
الدكتور يوسف ده كان مبهدل الدنيا خالص.. عنتر راحة يومين وميطلعش
سبق الأسبوع الجاي, ده لو عايز تحافظ على رجله.
رفع أحد حاجبيه يتأملها في سخرية ممزوجة بدهشة فأكملت دون اكتراث:
عندي خمس أدوية ناقصة وأربعة قربوا يخلصوا وكلهم مهمين.. كمان بلوكات
21 و 8 و 6 في الاسطبل التاني السايس عماد مهمل فيهم, دسوقي يشد
عليه.
لا يعلم ما الذي لجمه!..
يراقبها صامتاً حتى تنتهي..
تخطته دون أن تزيد وكأنها انتهت ولكنها فجأة استدارت لتتابع:
آه صحيح.. الفرسة عبلة ما تتعشرش دلوقتِ استنى شهرين!.
رفع كلا حاجبيه وأكمل دهشته وحده فهي كانت قد استقلت سيارة رباعية لتتوجه
بها نحو العيادة وهو ترك العنان لصوت جهوري وصل حدود العاصمة وهو
يزعق:
دسوقي...
**********************
ابتسمت فاتن وهي تسحب ليلى من المتجر وتضحك:
كفاية يا ليلى كده الشنطة حتتقل عليكِ.
رمقت ليلى الألعاب التي ابتاعتها للتوأمين..
لقد بذرت بعض النقود ولكن تلك هي أول أجازة منذ ابتعدت..
تشتاق لهم.. تشتاق لهم كثيرًا..
لم تتصور أن الاشتياق قد يشمل مقدمة أنف وجبهة تستعرض عند الغضب
وصوت باكي..
ولكن مع الأطفال لا حسابات.
تنهدت لتجيب فاتن بابتسامة ا رضية:
الشنطة من التاكسي للباص.
عدلت فاتن من حجابها وهي تجيبها ببساطة:
أنا ما حجزتش الباص يا ليلى!
توقفت ليلى فجأة بعيون مصدومة لتجيب بنبرة حزينة:
ليه؟ مش هالحق أسافر بكرة!
ابتسمت فاتن مستدركة:
لا يا حبيبتي.. الحكاية إن في سواق طيب عنده عربية ميكروباص نضيفة
ومكيفة بيطلع كل يومين ثلاثة, وبيوصل كل زمايلنا وهو طالع بكرة ومعاده
أحسن من الباص بكتير.
تنهدت ليلى براحة:
الحمد لله تمام.. اتخضيت.
تأملتها فاتن:
وحشوكي للدرجة دي؟
تبدلت ملامح ليلى لحنين يختص بطفلة وهي تجيب:
قوي.. قوي.. قوي..
*********
كانت سيارة عوض السائق ميكروباص بيضاء..
ليست جديدة ولكنها كانت تبدو بحالة جيدة ومكيفة كما أخبرتها فاتن رغم أن
كل همها بتلك اللحظة هو الوصول لأسرتها وبأي شكل..
كانت هي أول من يصل..
استقبلها السائق بابتسامة ووضع حقيبتها في مكان مخصص وبدأ الركاب
يتوافدون, وبدا أغلبهم من عاملين الفنادق واست راحت لأنها لم تكن الفتاة
الوحيدة فقد حضرت فتاتان بثياب رسمية واتخذتا المقعد الأخير سوياً في حديث
بدا غير منتهي..
كانت هي تجلس في المقعد الواسع خلف السائق وخلفها جلس شابان بدا من
حديثهما أنهما يعملان بأحد البازارات, وجاء ثالث جاورهما وشاركهما بالحديث..
كان السائق قد بدأ يتجهز للحركة ويمسك الهاتف وعندها ظهرت فتاة ثالثة
ترتدي شورت قصير من خامة الجينز وبلوزة قطنية برسومات مطبوعة وحذاء
رياضي فاتح.. لها خصلات قصيرة مجعدة بشكل صناعي وملونة أيضاً بدرجات
بنية..
لم ترتح ليلى لهيئتها وتمنت أنها لا تجاورها, وبالفعل تخطتها الفتاة لتجاور
البنات بالمؤخرة وتزعق بالسائق بنبرة مزعجة:
ناقص واحد يا عوض.. أهم واحد!
قالتها وضحكت بشدة لتضحك الفتاتان بدورهما ويغمز أحد الشباب مناوشها:
هنبدأ مشاكل من أولها!!
لم ينهِ الشاب كلمته حتى لمحته!..
كان يرتدي قميصاً مقلماً بلون أزرق فاتح وسروالاً فاتحاً من الجينز ويتحدث
بالهاتف رافعاً حقيبة صغيرة فوق ظهره..
قذف الحقيبة لعوض ونطق بغرور قبل أن ينطق المسكين:
أنا أتأخر براحتي!
عندها توقف بدهشة مصطنعة وهو يرمقها بالسيارة ليبتسم مع هزة رأس ساخرة
وهو يحادثها:
القبطان ليلى حجز لي مكان جنبه.. أنا محظوظ!!
فتحت فاهها غاضبة خاصة مع استدارة الجميع لها وخاصة الفتاة بالخصلات
المصطنعة..
استدارت كاتمة غضبها مراقبة للنافذة وان أغمضت عينيها فلن تغمض أنفها
عن عطره الرياضي الصارخ بجانبها..
وكأنه استحمام صباحي بزجاجة!!
تحركت السيارة وبدت مسرعة من البداية..
سمعت صوته يخاطب السائق بصوت عال:
بالراحة يا عوض.. مش كل مرة أتوب وأنا معاك!

ضحك الجميع وهمس هو فوق كتفها مكملاً:
ما تخافيش.. هو بيخبط بس, لكن ما اتقلبناش قبل كده!
تنفست ببطء وودت أن تتعلم العد لمائة كي تكبح لسانها ولا ترد عليه..
استدارت بابتسامة باهتة تقول..
اصمت..
وعادت لم ا رقبة الطريق..
بعد ساعتين كانت الشمس قد بدأت في التعبير عن حضورها وبحرارة..
الجمع بدأ يتفرق بين شارد ونائم..
أسندت هي ظهرها على النافذة ت ا رقب الطريق فعندما جاءت كانت شاردة في
ذكرى منصور والظلام الذي حلّ..
ظلام الطريق وظلام رحيله..
لا تعلم أي وقت استمر شرودها وتوقفت هي عن حساب الكيلومترات..
بل كادت أن تغمض عينيها حتى حدثت انحرافة قوية أفزعتهم جميعاً, وصرخت
البنات..
ولولا ذراع حمزه التي حاوطتها ربما لأرتطم رأسها بقسوة بالنافذة..
بلطف من القدير استطاع عوض أن يتحكم بانح ا رف السيارة وأوقفها على جانب
الطريق..
وغادرت هي ش رود فزعتها مع الحديث والص ا رخ والحركة لتوقن أنها فعلياً بين
ذراعيه!
رفعت أ رسها فجأة لتدفعه وتبتعد ملتصقة بالنافذة من جديد تراقب من حولهما
في خجل ولكن بدا أن لا أحد ينتبه, نظر هو نحوها بتدقيق:
أنتِ كويسة؟
أومأت بغضب.. نعم..
وفهمت أنه كان يود حمايتها ولكنها كانت غاضبة أنه ظل على نهجه حتى بعد
توقف السيارة..
بدأ الجميع بالنزول بعد أن اتضح أن السيارة دهست شيئاً ما أفسد إطارين..
وحمداً لله أنها لم تنقلب..
ظلت تنظر هي في حيرة حتى سبقها هو وقال:
انزلي يا ليلى.
كانوا في الصح ا رء وهواء البحر ما زال حاضرًا..
قام شابان بتولي تبديل إطار ورفع عوض الثاني فوق ظهره باحثاً عن مواصلة
لأقرب مكان إصلاح..
بدا جلياً أن الأمر سيأخذ وقت..
كانت هناك بضعة صخور متفرقة جلس عليها البعض وفتاة آثرت البقاء
بالسيارة.. لم تستطع هي أن تتحمل حرارة السيارة فاختارت صخرة وجلست فوقها
تتنفس بعض الهواء..
كانت لم تضع شيئاً بمعدتها فهي لا تحبذ الطعام مع السفر, ولكن الآن وبعد ما
حدث تشعر أنها على وشك هبوط سيفقدها وعيها..
لم تشأ أن يتكرر موقف الرحلة الأخيرة فجذبت حقيبتها لتبتلع بضعة لقيمات
وعندها جاورها هو كعادته دون دعوة:
دي ساندويتشات؟
أومأت بخجل:
اتفضل.. دي فاتن عملتهم علشان ما اقدرتش أفطر.
فرك رقبته بإجهاد وهو ي ا رقب الطريق:
أنا زيك مش بحب أفطر!.
ناولته واحداً فجذبه وعلى وجهه تعبير غير راضٍ!..
قضم قطعة وأكمل:
أنا قلت هدوق طبيخك!

استدارت متنهدة وعلى وجهها عبارة..
لا أمل..
لم يتحدث هو ثانية لأنه ببساطة انشغل بالطعام..
شطيرة فأخرى.. فأخرى..
حسناً فاتن مفيدة فقد شغلت فمه لبعض الوقت!
ولكن لا تعلم لما كانت تراقبه خلسة وهو يتناول طعامه..
كان فكه يتحرك بطريقة منظمة و راقية للغاية..
شعرت بحالها مجنونة فما الممتع في مراقبة شخص يتناول طعام!
بجانب فكيه وبموا زاة فمه تماماً تظهر عضمة صغيرة مع مضغه..
وبأي حال جنوني لفتاة تتشبث بقيادة قارب بدا وسيماً..
استدار فجأة فأجفلها وأغضبها لأنه ببساطة كان صامتاً لعلمه أنها تراقبه..
وضعت حقيبتها جانباً في ضيق وظلت تراقب الطريق في إشارة لملل انتظار..
فابتسم هو بمكر قبل أن يقول:
شكلك زعلتِ؟
استدارت بملامح جادة:
زعلت!.. من إيه؟
نظر نحوها معانداً:
علشان مسكتك من د ا رعك ساعة العربية ما جنحت.
أمسكها من ذراعها!.. يمزح أم يجمل الأمر؟؟!!..
زفرت بضيق وتخضبت حمرتها فكررت مسرعة:
حصل خير.. أنا ما توقعتش العربية تفلت كده.
نظر حوله يراقب باقي المجموعة ثم تابع بجدية كاذبة:
أنا اتخضيت!
لم تعلق فتابع بمزاح مقصود وبصوت هامس:
معلش أصل أنا لما باتخض باحضن!
استدارت نحوه بغضب قبائل هنود ضد سطوة كولومبوس..
والآن هي توده فتاة مكبلة ترميه كضحية من أجل قربان أسطورة!.
لم ينقذها سوى تنبيه من فتاة أنهن سيتوجهن لحمام قريب فتبعتهن على الفور
دون تفكير..
كانت مسافة تقدر ب 55 متر..
حمام ومسجد ومكان مظلل ولطيف..
لم ترتح للفتيات وخاصة صاحبة الخصلات التي كانت تتحدث أغلب الوقت عن
حمزه وكأنها تودها أن تسمع!
تأخرت بدورة المياه متعمدة وعندما نادوها أخبرتهن أن يرحلن لأنها ستتأخر
قليلاً.. وتأخرت متعمدة..
ولم تدرك خطأها إلا عندما عادت لتكتشف أن جميعهم تشبثوا بوسيلة إيصال
ستعيدهم للغردقة بدلاً من ح ا ررة الشمس..
وهو الوحيد الذي انتظرها مع سيارة عوض المعطلة والذي لم يظهر حتى الآن!
رمقت هاتفها المغلق بحسرة مع تعبيره الراضي جداً عن ما حدث:
كلمتك كتير وهما أندال!
لم تعقب..
جلست على الصخرة لتستوعب أنها عالقة معه.
****************************


صمت الجياد بقلم /مروه جمالWhere stories live. Discover now