الفصل التاسع عشر

5.5K 152 0
                                    

ابتسمت وهي ترفع نحو فمها شريحة من البيتزا لتتذوقها دون شهية, بالأمس
عاد وقد قرر أنها المذنبة!
هكذا الأمر..
هي دوماً المخطئة والمُلامة وهي من حطمت طروادة وأنهت مجد نابليون بل
هي من تآمرت على قتل قيصر!!
هي رقية المخطئة دوماً..
وهو حسن.. المدلل..
كانت تميمة تتذمر على قذف الكرة بين الأخوان اللذان بديا متفاهمين في بادرة
غريبة لم تحدث من قبل..
ابتسمت إيناس لتجذب عينيّ رقية من الشرود ثم قالت بنبرة جادة لا تنوي
تراجع:
ليه؟
ضمت رقية حاجبيها لا تفهم فتابعت إيناس مجدداً:
ساكتة ليه؟.. انطقي.. انفجري..
تقلصت ملامح وجهها وتركت وجه إيناس لتعود وتنظر للنافذة ثم تابعت
باستسلام:
وخالد يا إيناس؟.. أنتِ متخيلة لما أصرخ ولا أنفجر في حسن ده حل؟!
ضحكت ساخرة ثم أكملت:
مش أنا بس اللي اتغيرت.. حسن كمان اتغير.. حسن من وقت ما طلق سهام
علشان حياتنا تستقر وهو شايف أنه كده عمل اللي عليه.. عمل اللي عليه
وزيادة!
تنهدت إيناس بضيق لتردف بعفوية:
بس دي مش عيشة.. جوزك مستفز جداً يا رقية!
رفعت رقية في البداية حاجبيها في الدهشة وما لبثت بعدها أن ضحكت وبشدة..
وبدمعة..
الأمر ليس أنها تضطهد محمود كما يظن ولكن جزء منه يظل على حق..
جزء صغير يرتكز في جانب القلب ولا تملك ولا يملك نكرانه...
هي لا تستطيع أن تحب محمود..
هي ترى في محمود كل ما لم تغفره لحسن رغم السنوات..
ترى صوت أمه وملامحها خلف هاتف تخبرها بأمر الزواج..
ترى خبث
ترى خداع..
ترى ماضي لم يكن لها به قرار..
ومستقبل لا يعلمه سوى الله ولكن لا تفارقها الهواجس..
توقف الحديث مع ظهور حسن الغير متوقع..
نظرت إيناس نحو رقية في غضب وهي تتمنى أن صوتها لم يصل لمسامعه
لتستدير رقية لزوجها في برود وديناميكة واضحة:
اعملك الفطار؟
رمقها حسن بشرود قبل أن يجيب بجفاء بدوره:
لا.. أنا حافطر برة.
استدارت دون تعليق فتابع هو بعد أن ألقى تحية صامتة على إيناس:
جهزي الولاد.. هاخرج وآخدهم معايا.
حينها استدارت نحوه مجدداً وقد شاب ملامحها بعض الضيق لتسأله بنبرة
مستاءة:
فين؟!
رفع حاجبيه لينظر نحوها باستهانة ثم استدار دون جواب ليخرج لأبنائه..
وحينها جلست على المقعد بقلة حيلة ونيران تأكل صدرها..
كل عراك وكل نقاش وكل قرار تخرج هي منه خاسرة!!
مدت إيناس أناملها نحو كتفيها في تردد..
فأحاطت رقية وجهها بكفيها لتردف بصوت مكتوم:
ما فيش جديد.. ما فيش أمل.
ثم أنزلت كفيها لتضعهما فوق المائدة بغيظ وتضم حاجبيها مقلدة نبرته الزاعقة:
ولادي مش حيكرهوا بعض يا رقية.
رغماً عنها ضحكت إيناس لتفجر رقية بدورها بضحكة غير مبالية..
قرصتها إيناس في وجنتها لتُكمل بتمرد:
سيبك منه.. تعالى نخرج نتفسح وناخد معانا تميمة
Girls night
وقبل أن تفكر رقية كانت إيناس تجذبها من ذراعها لتدفعها نحو غرفة نومها
كي ترتدي ملابسها دون نقاش وتهاتف خالد في نفس الوقت تخبره أنهما
ستذهبان لمركز التسوق..
كل هذا وعينان هناك من خلف النافذة كانت ت ا رقبها..
حزنها وسخريتها وابتسامتها وهروبها..
جزء منه يشعر أنه يحملها فوق طاقتها وجزء يكره هذا الجفاء الذي تعامل به
ولده!
أم حنون لولده... وامرأة باردة لولده
يالها من معضلة!!
***********************
كانت تميمة متذمرة في البداية لأنها لم تستطع اللعب لمزيدٍ من الوقت مع خالد
ومحمود ولكن إيناس وعدتها بالمزيد من الش ا رئط الملونة والوقت الممتع في
رحلة الفتيات تلك..
وبالفعل كان الوقت ممتعاً فالبداية كانت مع وجبة خفيفة بأحد المقاهي ثم دخل
ثلاثتهن فيلم كرتوني في قاعة السينما على ذوق تميمة ولا تنكر رقية أنه كان
ممتعاً..
وأصرت بعدها تميمة على شراء الآيس كريم والتجول في محلات التسوق كي
تحضر العديد والعديد من الشرائط الملونة كما وعدتها إيناس.
لم يعكر صفو اليوم سوى ظهور متبجح ثلاثيني أصر على مطاردة إيناس
بمغازلة سخيفة تطورت في نهاية الأمر لجملة فاحشة أربكتها فتلجمت قبل أن
تشعر بحقيبة رقية فوق رأسه!..
كانت نهاية كارثية فأوقعت تميمة المثلجات على ثوب أمها لأنها ذعرت من
صوت رقية العالي وشحبت ملامح إيناس من العراك والتفاف الناس حولهن..
ولكن الأمر بدا أفضل عندما تدخل شابان ليلقنا المتطفل علقة قاسية
يستحقها..
كل هذا وخالد هو من بقي في المزرعة يتابع تفاصيل العمل بصحبة سندس!
لا ينكر أنه يتجنب المرأة ويعاملها بجفاء من وقت مشكلة حسن وهذا جزاء
تدخلها فيما لا يعنيها ولكن يظل شيء مميز بها يجذبه
أنها صريحة..
واليوم بلغت صراحتها أوجها عندما دلفت إلى مكتبه قبل ساعة الغداء لتخبره
بوجه غاضب عن وجود امرأة بملابس خليعة في مكتبها تقول أنها مساعدته
مساعدته السابقة..
شيرين
******************
مناورة باللون الأبيض..
هي ربما اختارته لأنه يشبه الصباح ولكن بتصميم يناسب غرفة نوم!
التصاق ينسدل عن كتفيها ممرر بباقي جسدها حتى توقف قبل ركبيتها بثلاث
إنشات!!.
في اللحظة التي دخل فيها لغرفة سندس ولمح خصلاتها السوداء متهدلة على
كتفيها بثقة شعر بالندم..
نعم ندم..
لأنه استمع لكلام إيناس ولم ينتقم فلولا ذلك ما جرأت تلك الحقيرة على القدوم
وبتلك الهيئة..
وهي كانت تنظر نحوه بعين أخرى..
رجل أهانها وقربها وأبعدها وكان كل تلاقي بينهما هو صفعة..
صفعة خرجت بها ليلتها تحمل مهانة وذل وانتقام ورغبة مستعرة في العودة كي
تثأر لنفسها منه..
توسعت ابتسامتها بثقة وهي ترمقه بإعجاب لا تملك له سبيلاً ثم أردفت بنبرة
متزنة:
إزيك يا مستر خالد..
وقتها لم يكن هو مستر خالد..
كان الهمجي الذي تطلب الأمر تطويع حصان أعمى من أجل ترويضه!!
ولم تدرك سوى لمعة قاسية بعينيه وباب يغلق واقتراب مباغت منها مع نبرته لا
تنكر أنها أخافتها وهو يردد:
انسي مستر دي خالص!.
خوف يتبعه لذة ولذة توازي الخوف..
هذا هو هوسها بشأنه..
بل تملكتها ابتسامة عندما فقد أعصابه ليجذبها من ذراعها ليصرخ فيها
بانفعال واضح:
أنتِ ليكي عين تيجي هنا؟!
رفعت عينيها نحوه وقابلت صرخته بهمسة ساخرة:
واضح إني ما وحشتكش!!
ابتعد عنها بإشمئزاز فكادت تسقط على مقعدها ثم توجه لمكتبه ليجلس في
مواجهتها رافعا إحدى قدميه فوق طاولة صغيرة وتلك المرة رمقها باسته ازى.
واضح إنك مش لاقية شغل.
رفعت إحدى حاجبيها لتردف بحقد:
البركة فيك.. ولا جايز عايزني أرجع!
استعرت عيناه بغضب من تبجحها ثم رمقها باحتقار ليردف:
لو متخيلة إني فاضي افكر في أذيتك تبقي بتحلمي.. لكن قسماً عظماً خطوة
تانية ناحية هنا هادخلك السجن.
لم يعطها فرصة للرد..
استقام ليسحب ملف ثقيل من خزانة نظمتها سندس ثم قذف بالأوراق أمامها
ليكمل بتوعد:
أخطاؤك صغيرة.. بس أنا لما بقلب شر هخليها كوارث يا شيرين.
لا تنكر أنها ارتجفت..
كانت تعلم أنه لن يستكين لها ولكن أن يظهر له هذا الوجه المخيف فهذا ما
لم تعمل حسابه..
استدارت نحوه وقد ترقرقت بعينيها دمعة!!
مشكلتي أني حبيتك..
وعندها كان الباب قد فُتِح لتظهر.. إيناس.
******************
كانت سندس تشعر بالغيظ..
فتلك الفتاة بشبه ملابس ظهرت واختفى هو وأغلق باب المكتب!!..
كيف كانت تلك هي مساعدته؟!!
وكيف تترك زوجته امرأة مثل تلك لتحوم حول زوجها؟..
ومن يظن نفسه هذا المتباهي؟؟!
توقفت أفكارها مع عطر مخملي وطلة بندقية لوجه ملائكي هاديء..
نقيض لمساعدة إبليس التي ربما تقدم له عرضاً بالداخل..
ظلت سندس تنظر لإيناس دون تعبير فاتحة فاهها لترد السلام بحروف بمعثرة
وتخبرها أن خالد ليس بمكتبه بل بمكتبها هي مع مساعدته السابقة..
فعليا لم تشعر بنفسها إلا وهي تحرك مقبض الباب لتدخل..
حتى التردد لم تستطع تحمله..
فقط دلفت وبسرعة.
كان هو يقف بجوار خزانة جانبية يضع يديه في بنطاله والأخرى مستقيمة تنظر
نحوه وتخبره أنها تحبه..
ببساطة..
وحل الصمت مع ظهورها..
وكأنها هي من قطعت خلوة..
نظرت نحوه لتجد أن ملامحه قد تبدلت ل مائة وثمانون درجة..
القوة باتت ضعف..
التحدي بات خضوع لمقلتيها..
ولكن الغضب في أوجه..
لكليهما..
رفعت شيرين ذقنها في ثقة لتهمس لها وكأن شيئاً لم يكن:
أهلاً يا مدام!
وقبل أن ترد سمعت همهمة قاسية منه تفصل بينها وبين الأخرى:
اسمها دكتورة إيناس.. وما تتكلميش معاها خالص مفهوم!
وقبل أن ترد شيرين أو يكمل هو همست إيناس بنبرة قاطعة:
اطلعي برة.
جحظت عينا شيرين لتدرك أن الموقف يتطور بشكل لم تعمل حسابه فخرج
صوتها مستنكراً:
إيه؟!
هم خالد ليتحدث ولكن إيناس كانت أسبق حتى أنها وقفت أمامه لتكمل بصوت
بدا أكثر حدة:
هما كلمتين.. اطلعي برة والا هخلي الأمن يجي يطلعك.
وعندها جذبت حقيبتها في حنق لتغادر دون كلمة..
فقط نظرة غل نحو كلاهما ومع آخر خطوة توجهت إيناس للباب لتصفعه في
حدة وتستدير بغضب مشتعل نحو خالد..
*******************
خالد..
حسناً الأمر هكذا..
رجل تلاحقه أنثى..
زوج تلاحقه امرأة أخرى..
وهو المسكين!!
بل ربما يُنهي الأمر أنها هي المخطئة
فالزوجة تذنب أكثر!!
توجه لمقعده ليجلس كما كان وقد أسند قدمه مرة أخرى على الطاولة الصغيرة
وابتسم باتزان:
جميلة الزيارة دي.. رغم إني بفضلها أكثر في اسطبل الخيل!
وازى نبرته الأخيرة بنظرة ماكرة لم ثؤثر فيها بل نظرت بغيظ نحو مدخل الغرفة
لتردف بغيظ أكبر:
قفلت الباب ليه؟
قطب حاجبيه وتبدلت ملامحه:
هتفرق في إيه؟
علت نبرتها لتصبح أكثر حدة:
هتفرق على الأقل قدام الموظفين.. تفرق إن الهانم ما تتجراش إلا إذا كان
عاجبك!
جملتها الأخيرة أثارت غضبه ولكنه احتفظ بهدوئه وهو يقرب وجهه منها ليردف
ببطء:
لو كان عاجبني يا إيناس كنت خلصت من زمان.. مش محتاج أقولك إن ما
فيش ست بتحرك مشاعري غيرك.
قالها ثم جذب يدها نحوه ليطبع قبلة..
قبلة أزاحت كل غضب لتجيب بتلعثم:
برده متغاظة
ترك مقعده ثم اقترب منها ليهمس قرب أذنيها:
خلاص.. ناخد جولة على الحصان وهتنسي كل الغيظ.. بس غيري الفستان
الرقيق ده.. وعامة ما تلبسهوش تاني.
لم تنتبه لغيرته من ثوبها الهاديء والذي أعطاها رونقاً مهلكاً رغم احتشامه
فتابعت بعفوية:
فعلاً.. أصلاً واحد سخيف قاعد يعاكس في المول ورقية ضربته بالشنطة و..
فجأة توقفت لتدرك حماقة ما تفوهت به وتلمح بريق مستعر بعينيه وهو فعلياً
يصرخ:
واحد إيه يا هانم!.. وما كلمتنيش فو ا رً ليه؟.. وعاكسك إزاي يعني؟.
تراجعت خطوة للخلف وهي تدرك أن الأدوار انقلبت في لحظة وأصبحت هي
المدانة فتمتمت مسرعة:
مجرد كلام.. ده متخلف ورقية بهدلته والناس ضربوه و..
قاطعها وهو يحاول التحكم في أعصابه:
خلاص يا إيناس
مدت أناملها بتردد نحو كتفه:
طيب أنا مالي.. وبعدين..
قاطعها من جديد وكانت نبرة صارمة:
ما فيش خروج لوحدك تاني يا إيناس.. أبداً!
وتركها ليرحل نحو مكتبه متمتماً بزعيق آخير:
وكمان ما فيش خيل.. روحي
وغادرها لتدرك أنها الآن هي من في حاجة لابتكار!!
****************
وغادرت ليلى وتركته مخموراً بمذاق شفتيها..
أنثى وهواء وماء و رائحة بحر..
لحظات لا يجوز لها نهاية..
وكان مغمض العينين يتجول بين دهاليز خياله في لا شيء, وكأنه غارق
بلون أبيض..
حليب..
شاي بالحليب..
وابتسم مساءً وهو ينقر فوق هاتفه برسالة نصية..
"بتعرفي تطبخي شاي بلبن؟!"
وترك الهاتف وأغرق جسده بشلال مياه أوقفه مع صوت رسالة..
هي تجيب!!
لم يتصور أنها سترد بل كان كل غرضه مشاكسة مسائية تضمن تسلله
لأحلامها رغماً عنها..
كانت على شفتيه ابتسامة واسعة وهو يمسك الهاتف وقد تناثرت المياة فوق
كتفيه وصدره بعد أن ارتدى سرواله على عجل..
"أنت قليل الأدب".
وكأنها كانت تخنقها طوال اليوم فكتبتها على عجالة.
"عارف!!"
من يظن نفسه!!..
لقد قبلها..
عديم الحياء بابتسامته وعطره وهمسه واقترابه وصوته الذي لا يفارقها..
وزمت شفتيها تنظر للهاتف
هو مذنب ويعترف ولا يبالي!!
وكأنها ارتبكت أكبر حماقة في التاريخ عندما حادثته ولو من خلال حروف..
كتب واستطاعت أن تتكهن بابتسامته
"ما قولتيش.. بتعرفي تطبخي ايه؟"
أغاظها..
يمزح حمزه؟!..
الكابتن حمزه!!
"سم هاري"..
كتبتها بمعاندة..
ويستطيع أن يتخيل ملامحها.. وأشياء أخرى..
كتم ضحكته وهو ينص:
"أهم حاجة ما تكتريش الملح ممكن تحطي سكر ;( "
وكان يختم جملته بتعبير الغمزة..
وغضبت وأقسمت ألا تجبه, بل ستجيبه وستخبره..
أن لا يصح ولا يجوز ولن تحبه..
ستصرخ به..
هل تفهم لا أحبك.. لا أريد..
حسناً..
أحبك.. ولكن لن أخبرك..
وهل أفكارها مسموعة..
أرسل لها كلمات أغنية
لم تكن حديثة ولكنها كانت هي..
كانت تعبر عنها..
وكأنه يعلم..
"يا مجنون مش أنا ليلى ولا بقصة هواك مايلة.. عايزني أقول بحبك ليه.. بحبك
بس مش قايلة"
وختم محادثته بجملة أخيرة أسقطت كل نية لرد
"أنا مجنون ليلى"..
********************
وكانت ليلى وحيدة تلك الليلة دون مخاوفها, ففي أحلامها مجنون..
وتراقصت فوق شفتيها ابتسامة..
والحب رفيقه أرق والأرق ونيسه حب..
وكانت قد قاربت على الحادية عشر مساءً وفاتن بعيدة برحلة أخرى لم تستطع
تفويتها وربما هذا أفضل فعندها كانت ستلاحظ حمرة وجنة ورفرفة أهداب لا
تنوي سكون..
والأسوء قد تسمع تنهيدة
وتلك هي الفضيحة بعينها!!
وكان سكوناً وليس مناماً أقلقته نغمة هاتف..
انتفضت لا تنوي رد..
حتماً هو وهي لن تجيب.
ولكن لم يكن هاتفه.. كان رقماً غريباً.. مُلحاً..
عازماً على أمر تجهله ومع أول نبرة منها جاءها الصوت..
متخابث..
فاسد..
وبين طيات حروفه تخطيط وضيع:
شكلك نسيتِ يا بنت الغالي!
لم تجب.. فقط احتبس صوتها وهو لم ينتظر جواب:
قضبان حديد!.. وماله.. بس أنا ما كانش في نيتي أكرر الزيارة .
وجحظت عيناها.. لم تكن شكوك.. الحقير كان هنا بمنزلها وربما.. غرفتها..
وتطلعت حولها في قلق وهو ما زال على الهاتف يقول جملته الأخيرة:
اللي أنا عايزة أخدته خلاص.. ويا تلحقيها يا ما تلحقيهاش.. مركب الغالي نار
يا حبيبي نار..
ولم تحتج لتوضيح أكثر
مركب منصور تحترق!!
وكانت قد قذفت بالهاتف بعد أن أطلقت بوجهه سباباً وانطلقت أناملها تضغط
الأزرار في ارتجاف باحثة عن حمزه..
ومجنون ليلى كان قد انطلق كالمجنون إثر مكالمة مخادعة..
أمين في المشفى!
وفي الطريق اصطدم به حثالة, وحتى بعد أن ترجل من سيارته وتحاشى العراك
مسرعاً نحو صديقه لم ينتبه إلى أن هاتفه قد سرق..
كما سرق هاتف أمين منذ ساعات..
وأمين كان مضجعاً على الرمال أمام صوت البحر مع صديقين وصوت نجاة
وأكواب شاي ثقيلة لا ينتوون نوماً وكان يلعن من سرق هاتفه..
أي أحمق طمع في تلك القطعة المتهالكة..
كان الوقت يمر واقترب من الثانية عشر وحمزه وصل ساخطاً يسب أمين
المنتشي دون وسيلة اتصال والحقير الذي سرقه بعد أن صدم سيارته..
الأمر غير مفهوم..
كانت دقائق استوعب فيها حمزه أن هاتف أمين سُرق بدوره..
ودقائق تلتها دقائق مرت على مسكينة في الجانب الآخر حاولت دون جدوى
الاتصال بالاثنين وهي تهرع باكية نحو المرسى وسبيلها الوحيد الشرطة التي
أخبرتها أنها قادمة..
وتأخرت الشرطة لأنه ببساطة لا يوجد حريق..
لا يوجد أحد..
المرسى فارغ حتى من حارسه السمين..
والقارب هاديء فوق المياه..
وهي وحيدة..
وحيدة مع قبضة قاسية لثمت فمها لتركل دون صوت ودون أمل.. و
يغيب الضوء ومعه جسدها فاقدة الوعي داخل قارب تحرك دون مراقبة بفضل
حفنة أموال..
ولوقت مؤلم ولا تستوعب كيف مرا..
كانت ملامحه تبدو مخيفة على ضوء أصفر عتيق وهي وحيدة معه بغرفة
منعزلة بالقمرة السفلية..
استقامت فجأة وفي شراسة رغم ثقل رأسها وضمت ركبيتها وفي ضعف مؤلم
كانت تطمئن أنه لم يمس ملابسها..
ضحك بهدوء بيَّن صُفرة أسنانه..
كان يجلس مقابلاً لها فوق مقعد خشبي ويلتهم تفاصيلها بعينيه ببطء
مقصود.. همس بدناءة:
لسة
رفعت عينيها نحوه بقتالية تشبثت بها وكأنها نجاة:
أنا هوديك في ستين داهية..
مرر لسانه فوق شفتيه فأخافها أكثر خاصة عندما مد يده فوق أحد ساقيها
فانتفضت مبتعدة وممسكة بمرمدة على جانب الفراش على شكل قوقعة بحر
تصرخ حتى ضاع صوتها في بحة يائسة:
لو قربت مني هافتح دماغك..
ضحك حتى انتفخت أوداجه, وكانت تعلم لمَ, فالمرمدة صغيرة أقل من أن تجرح
رجل مثله وهي وحيدة في عرض البحر معه..
حتى الصراخ غير مجدي..
منعت عب ا رتها بمعاناة, وظلت تنظر نحوه وهو يحل أزرار قميصه!!
واحد.. اثنان.. ثلاثة..
لا تصدق أنها بهذا الموقف..
لا يمكن أن يمسها هذا الحقير..
ستقتله أو تقتل نفسها..
توقف فجأة مع تهدج مصطنع بأنفاسه:
تحبي نبدأ ولا تسمعي الكلام؟.
كانت ضعيفة..
رغماً عنها رقيقة دون حول ولا قوة..
أومأت رأسها بطاعة وقد ترقرقت العبرات بوضوح داخل عينيها
اتجه للطاولة ببسمة منتصرة ليسحب عدة أرواق ويناولها إياها بأمر قاسي:
امضي يا حلوة..
كان عقد بيع ابتدائي للقارب, معه أربع وصولات أمانة بثمن القارب..
نظرت له غير مصدقة فتابع ساخراً:
ما تخافيش.. الوصولات هترجعلك أول ما نسجل العقد في الشهر العقاري.
ظلت تمسك القلم بارتجاف فاقترب منها ليجدها انتفضت مبتعدة وقد صدمت
رأسها بحافة الفراش.
الأمر يصب في مصلحته كما خطط والفتاة المتباهية بشجاعة مذعورة..
همس بتوحش:
يلا امضي
وكانت ما زالت خائفة فلمعت عيناه بخديعة طمأنتها:
مجرد حبر وكل واحد يروح لحاله.. توصلي البيت زي الفل وطبعاً مش هتجيبي
سيرة علشان أنتِ بنت وما حدش هيصدق إني سبتك..
لم تشعر بلحظة أنها تكره أحداً مثلما تشعر نحوه الآن..
بل لم تشعر من قبل برغبة في القتل..
اختلط الحبر بعبراتها وأقسمت أن يدفع الثمن غير أنها لم تكن تعرف كيف..
كان يراقبها بنهم ووقتما انتهت انتزع الأوراق منها بقسوة ليرميها جانباً
ويستكمل اقترابه..
وقبل أن تستوعب كان يقيد قدميها الراكلتين بقبضتيه ليسحبها نحوه أكثر
وصوته كالفحيح في أذنيها: - ودلوقتِ بقى دورك يا ليلى..
*************


صمت الجياد بقلم /مروه جمالWhere stories live. Discover now