الفصل السابع و العشرون

5.4K 162 3
                                    

"يكاد الشوق يقتلها ولا تنطق
فإن باحت فيا ويلي
وان سكتت تصير مشاكلي أعمق"
عبد العزيز جويدة
غريبة هي تلك العاطفة المُسمَاة الحب..
أن تجد نفسك دون سبب,
مشتاق
توّاق
مُغرم..
بتفاصيل عادية..
خصلات غير مرتبة, ومقلتين حالهما الارتباك,
الحيرة,
والذهول.. مع أول قُبلة..
كانت بالمطبخ تقف حافيةً, مرتدية قميصاً يخصه وتُعد له إفطاراً..
ساقاها ليستا نحيلتين كما تصور, فأردافها ممتلئة بعض الشيء بشكل مصري
خالص!, وساقين ملفوفتين جميلتين فوق قدم صغير
تُشغل نفسها بطعامه كي تهرب منه..
كما فكرت أن تفعل ليلة أمس..
فكرة..
مجرد فكرة تبخرت مع أول لهفة..
فالفعل لهفة
والقول لهفة
والحب.. لهفة.
وأخبرها, بل كررها بما لا يفوق احتمال
أحبك..
كانت ترفرف أهدابها ثم تهرب بعينيها, حال الليلة الأولى ككل عروس.
تشعر أنها تورطت, بل تفتقد فراشها الهادئ وليس فراش هذا الرجل الغريب
عنها والذي فجأة أصبح كل شيء!
وتُعد له مشروبه المفضل..
شاي بالحليب
وتطور الأمر لإفطار وضحكت وهي تتذكر جملته
"سي حمزه"!!
إفطار وشاي وعشاء ومارلين مونرو!!
وعندها زمت شفتيها..
وشفتاها جميلتان لهما لون وردي طبيعي بنعومة خاصة وكأنك لتوك قبَّلت زهرة.
همسة مفاجئة من خلف جيدها أجفلتها فكادت أن توقع صحن البيض فوق
قدميها..
صحيتِ بدري ليه؟
وعندها كان قد اقترب أكثر ليلف ذ ا رعيه من الخلف فوق خصرها, رامياً بصره
على أصناف الطعام أمامه ثم قال بنبرة راضية ومشاكسة:
برافوا يا أمينة!
بشكل ما رحلت الهادئة المتحفظة منذ ليلة أمس وحلت محلها متمردة ومغتاظة
لتستدير نحوه متحدية تحكم ذراعاه الصلبتان وتهاجمه بنبرة رافضة:
بقى كده!!.. على فكرة ده فطاري أنا.. اخدم نفسك يا كابتن!
كانت قد بدأت أن تندم على قرارها بمواجهته, فالآن هي تقف قبالة وجهه
ودون أن تتخلص من قيد الخصر.
ابتسم بشقاوة:
أهون عليكِ!
ثم اقترب أكثر ليهمس باستعطاف:
حمزه ما يفطرش!
وابتعدت بوجهها في محاولة فاشلة مع قراره الأخير:
أنا هافطر نفسي
وغابت بين شفتيها بقايا حروف..
*****************
أحبيه كما لم تحب امرأة
وانسيه كما ينسى الرجال
أحلام مستغماني
يُقال أن لحظات النهاية دوماً تحمل كل التفاصيل
هي انعكاس المرايا..
تفاصيل وجهه منذ البداية..
كيف لبصر له أن يمتلك تلك الحدة..
والدفء, الرغبة والثبات..
القوة دون لمحة ضعف.
القبلة الأولى, والأخيرة!
المسرح أصبح أسطورة, أضواء ملونة تطوف أمام الستار المغلق وعلى مساحة
شاسعة رتبت مقاعد الزوار بشكل هرمي مميز ونسيج قاتم اللون على ذوق مراد
أحمر قاتم, أرجواني كما يليق بها..
كانت التذاكر قد نفذت من قبل العرض بأيام, فالجميع لديه فضول عن تلك التي
ستؤدي موت شهرزاد فوق مسرح..
عن شهرزاد التي ستُنحَ ر معلنة الاستسلام!
عن أنثى ستضرب بأسطورة الدهاء عرض الحائط..
مراد كان يجلس في مواجهة المسرح مباشرة, ولكن دون ورقة ودون ألوان..
الليلة هو فاعل وليس فقط ناسخ لحدث!
وقت الضرورة هو الرواي, وشهريار, ومسرور إن استدعى الأمر..
والليلة شهرزاده سترحل
بيده..
وفي لحظة تاريخية ستغير مجرى الفن إلى الأبد
ليكون الفنان هو الآمر والناهي وصاحب الرواية
هو البريء والجلاد..
هو الضحية
وان لزم الأمر..
هو الشيطان!
والشيطان كان يرتدي حلة رمادية ا رقية, ربطة عنق سوداء وكأنه ينوي حداد..
وخصلاته مشذبة بأناقة توازي ساعة رولكس في معصمه الأيسر وقلم أسود من
ماركة مون بلانك وضعه فوق حافة جيبه الأيمن..
كل شيء مرتب.. ومقعد جواره!
رجل جواره..
خطف قلبها وما زال
كان كما هو لم يختلف كثيراً حتى الشعي ا رت البيضاء لم تتجرأ لتقترب نحوه.
يرمق كل شيء حوله بحذر لا يخلو من ثبات..
يمسك بهاتفه من حين لآخر ويفرد ساقيه بأريحية توازي مضمار خيوله..
لا يطيق الكلاسيكية فاستغنى عن سترة بدلته القاتمة واكتفى بربطة العنق
النصف مفتوحة
بدا وكأنه يحتاج لحصان!
وعندها اجتاحت شفتيها القرمزيتين ابتسامة.. ثم دمعة..
عابرة وسريعة ومختصرة جدا لقد افتقدته
كانت خلف الستار تراقب..
آتى..
ظهر من أجلها.
حتى وان كانت كراهية فهي أفضل من اللامبالاة!!
بداية عرض
شهرزاد
بداية حياة
عندما أظلم المسرح بدا وكأنه في انتظار تفسير للوغاريتمية الدعوة..
عن أسطورة جارية اختارت أن تكون ملكة..
وجارية ثم ملكة
متأرجحة في بلاط شهرياري جائر..
مسكينة وهي صاحبة القرار!
حتى وان كان الرحيل..
ملكة!
لا ينكر أنها بدت هكذا بمجرد أن رآها..
خصلات حمراء منثورة حتى خصرها, جسد ممشوق القوام وشفتان بنكهة توت
بري كما حفظها..
رداء أحمر بدرجات قانية, محدد بمكر عند الخصر ومرسوم بدقة أوراق ذهب
فوق نهديها..
طويل حد كعوبها المرسومة بنقش حناء شرقي خالص..
ومبعثر بطبقات متدرجة من نسيج أرجواني مشتعل.
شهر ا زد كتلك التي جاءت من الأساطير ولكن ببريق يوازي امرأة يحفظها
امرأة كانت زوجته
كارمن
المسرح كان قصر من الليالي الألف
ملك.. جواري.. عبيد..
حتى الشياطين اتخذت مقاعدها,
وحينما ترقص شهرزاد..
تبتسم..
تضحك..
تنظر
تتلوى بتلك الشرائط الحمراء حتى ردفيها, يتعلم الشيطان
وربما يتعظ!
ومنذ البداية كانت تنظر نحوه, وكأنها تخبره أنه هو من تقصد
هو شهريار!
أرادها.. فنالها.. وملّها.. فصرفها
تلك هي الحكاية, وهي في سرمدية اضطرارية لتحتفظ به..
تحكي.. تشدو.. ترقص..
تتعرى إن لزم الأمر!!
توازي جواريه رغم أنها تعطي أكثر, وتقدم فروض الطاعة والتبرير لتمحي
أسطورة خيانة احترفها عبيده.
حاولت مراراً وتكراراً حتى أُنهكت فهي تكفر عن ذنب لم ترتكبه..
كانت ترقص بما يوازي كل حكاية وتسقط في نهايتها حد التعب
فتارة هي جا رية خائنة
وتارة عفريتة تقدم فروض الولاء نحو تاجر باعها لمهر أميرة..
تلهث خلفه كل ليلة وينتظر هو باقي الرواية
حتى يقتلها!
أيستحق الأمر هذا العناء..
أتوازي الجائزة حجم المشقة
أسيرضى أبداً شهريار!..
أتمسك هي بسكين؟..
أتنحر حالها؟
فحتى وان كان العتق موت فهو أحياناً يستحق..
أُغلق الستار معلناً عن نهاية الجزء الأول من العرض, كان كل شيء يبدو
أسطورياً وكأنه انتقل نحو كتاب خيالي لم يقرأه يوماً..
وتنوي هي تلقينه أهم الحروف.
تنظر نحوه مع كل انحناءه وتغيب لتعود بالتفاته
بدت كارمن التي يعرفها وليس تلك المتهاوية ندماً بمصحة نفسية
وكأنها بشكل ما تعود به وله
حتى وان كره تلك الطلة فستبقى هي وجهها بالحياة.
لم يستطع أن يمنع نفسه
كان يود أن يراها.. أن يفهم
أن يوقف تلك المسرحية المنتهية بموت لن يتحمله..
ليس الآن كارمن, وليس بتلك الطريقة!
غرفتها كانت في مكان جانبي منزوي يقف على بابها حارسان بديا من أصل
عربي, وكما توقع منعاه
ولكن لم يدم الأمر
حينها ظهرت وكانت قد تخلصت من بعض التبرج الحاد لتستبدله بآخر وحول
ثوبها المفتوح سترة قاتمة بدت مانع من برودة الجو
كلمة واحدة هي البداية
خالد!
كارمن!
كانت الغرفة صغيرة
مجرد طاولة زينة في حالة فوضة وساتر خشبي لتبديل ملابسها مع أريكة
واسعة في منتصفها تماما أريكة فارغة لم يجلس فوقها أي منهما
كان يقفان متقابلان وربما مرت أكثر من خمس دقائق دون حوار..
مجرد نظرة وأخرى تحملان ماضٍ مزدحم ليس بسهولة ستُمحى أحداثه
ونطقا بنفس الحين
خلفت؟
هي سألت..
ليه؟
هو لا يجيب..
كانت تنظر مستقبله وكان يعيدها لماضيها
استدارت وعلى شفتيها سخرية بشبه ابتسامة
ليه!
ثم رمقته بنارية:
المفروض أنا اللي أسألك السؤال ده.
لم يجبها, حتى ملامحه لم تجبها..
كان ثابتاً حد الصخر كدأبه معها
تنهدت ترمقه مع المحيط حولهما..
هي وهو ومسرح عليه خطة موتها..
ثم عادت تنظر له:
كده أحسن.. راحة للجميع
ولم ينطق..
ظل لنصف دقيقة محدقاً نحوها ولكن دون تعبير واضح, حتى نطق بقسوة:
راحتي مش في موتك..
ثم قسوة أخرى:
راحتي إنك تبعدي.
وقسوة أخيرة.. ضعيفة!
لأني تعبت من الدايرة دي يا كارمن..
وكانت نبرته مبحوحة وبشكل ما صادقة
صدق خالد الذي لم تختبره سوى لمرات عديدة في طوفانها معه
نعم فما بينهما لم يكن رواية ولا حب ولا حتى انتقام
كان طوفان ولكن ابتلعها سواه.
أربعة مفاتيح..
اللهفة والرغبة والوحشة والعودة!..
بيجونيا!
كان جواب هاديء منها
بيجونيا تلك الزهرة التي طالما كانت تشبيهه مع كل رقصة كانت تخطوها, مع
كل همسة وكل لوح ملون أصرت أن ترسمه فوقه ورفض.
بيجونيا
كنتِ عاشقة وما زلتِ
بيجونيا
لم يكن الخطر خيارك, ولم تلائمك الفضيلة
بيجونيا
وريقات منثورة فوق درجات ثأر كان يجب أن يخطوها
بيجونيا
تلك العلاقة الفريدة من الحب والغضب
بيجونيا
لا حياة معه ولكن لا موت في رؤياه
فبشكل ما وجوده يمنحها حياة!
ما فيش انتقام تاني يا خالد.. اقفل الدايرة!
ولم تنتظر منه جواب, ولا حتى التفاتة لتتأمل ملامحه..
لكن مع صمته كانت لها همسة أخيرة..
لم تكن همسة لجياد بل لصاحب الجياد..
لكن جواها دايماً حتفضل كارمن
وحينها استدارت بابتسامة, واثقة..
لعاشقة.
عيناها ترمقه بزرقة هذا الطوفان الذي ابتلعها سواه..
لو امتلك القدرة سيبتلعه وكل رجل..
وابتسم لا يصدق ولأول مرة تجتاحه ابتسامة معها منذ سنوات!
وغابت عنه الكلمات لترفع هي كفها في وداع مؤقت, وقت العرض..
دور لشهريار آخر يجب أن يقابل شهر ا زده
***************
الرقصة الآخيرة..
ترفض شهرزاد سحر الساحر
لا حكايا ولا إكتراث بحد السيف, والسيف تلك المرة بيد الملك لا الجلاد..
هي اختارت الموت
كما اختارت العبودية من قبل
وداعاً شهرزاد..
كان يخفي نصف وجهه خلف لثام عربي يناسب بطل الأساطير
يراقصها بحرفية تامة وشغف..
لحظة تمنى
متعة نحر امرأة بهذا الجمال, ساحرة ستنتهي بين ذراعيه
بكل مشهد ألم ممكن
وبكل تفصيلة ساحرة
ووداعراقٍ
ومحبوبها الذي بحثت عنه يشاهد
أفضل ختام ممكن!
خصرها بين يديه.. تميل معه بكل ثقة
أريحية
سعادة
ورضى!
وكأنها طاعة ما قبل الموت..
لم تقاوم ضحية جلاد!
النصل معه كان مجهزاً..
يظن العامة أنه مزيف بقصد ترويجي, وهي وهو من يعلمان أنه..
حقيقي حد الدماء
حقيقي حد الهوس
الهذيان
الخديعة!!
نظر نحوها لا يفهم..
فسلاحه مهمشاً يوازي مسرحه المزيف المغادر بعد ساعات!
لا شيء..
لا دماء ولا موت..
وعينا شهرزاده تطوف بدوامة زرقاء انفجرت لتوها لتعود
امرأة..
لا يعرفها..
استدارت خلفه توازي تلك الموسيقى وذهوله
لتقف هي خلفه بنصله الحقيقي..
الذي بدلته قبل لحظات
تمرر شهرزاد السكين فوق رقبة شهريار..
تحب أخلدك في لوحة!!
***************


صمت الجياد بقلم /مروه جمالحيث تعيش القصص. اكتشف الآن