10

60 6 0
                                    

سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم
لم يطل الظلام كثيرا لأن كشافات الطواري عملت
على الفور، وليتها لم تعمل، فقد رأينا بأعيننا التي
تكاد تغادر محاجرها، ذلك الشيء وهو يخرج من
المراة، ويقترب من الجثمان العارى الممدد، الذي قام
عبد الهادي بستره على الفور. بقطعة قماش كانت
أمامه، وكأنه يخشى أن يطلع هذا الشيء المخيف
على عورته، أو يدنسه..
ردة فعل غريبة لم أستوعبها من شقيقي، ولكنه
برغم عدم كونه قاريء نهم مثلي، إلا أن له
معتقداته الخاصة..
وكأنه ليس على الشىء القادم من المرآة، أن
جسد الميت مباشرة.. حتى لو كان هو
حسده قبل الموت.
نظرت لنوارة مستفسرا.. فبدا على وجهها الجهل
والفزع..
إنها هى الأخرى خائفة، أو تقدر الخطر الكبير الذي
نواجهه.. ولم يكن هذا جيدا لى..
للظل ببصري، فهالنى ما يحدث له، كان كيانه
عدت
فيظهر ويختفي بطريقة غريبة، وكأنه

عاجز عن التواجد في عالمنا، قبل آن يتلاشى دفعة
واحدة لدرجة أني أعتقدت أني توهمت رؤيته، وكان
هذا فى نفس اللحظة التي دخل فيها، عبد
المنعم ابن الفقيد الأكبر يحمل في يده مصباح
يعمل بالبطارية شديد الإضاءة، وكان يتحدث في
غضب عن انفجار محول الكهرباء الرئيسي للبلدة،
وعن تلف مولد الكهرباء الإضافي الخاص بالمنزل،
ثم تسمر في مكانه وقد ظهر الهلع على وجهه..
حسبت في البداية أنه رأى الشيء الذي خرج من
المرآة قبل إختفائه، ولكنه كان ينظر للمرآة التي
كانت تموج في الظلام، وكأنها تحولت لدوامة
عميقة أو لثقب أسود، قبـل أن يقول،

- «اللعنة على هذه المرآة.. إنني لم أصدق هذا
الوغد الإيطالي عندما أخبرني، أنها مرآة أثرية وتفتح
البوابة بيننا وبين العالم السفلي.. أي سحر ملعون
يسيطر عليها».
مع كلمته غمر الضوء المكان، ووصل لآذاننا هدير
المولد المنزلي الكبير، وتلاشى الظلام، وتلاشت
الدوامة، وكأنما فضح أمرها قد أنهى فاعليتها أو
شيء من هذا القبيل..
وبعدها جمعنا عبد المنعم بالقرب من رأس جثة
أبيه وقال:

- «ما رآيتماه هنا، لن يخرج من هذه الغرفة.. لن يقال
أن البيت تسكنه الشياطين.. بيت المنشاوي
سيظل أطهر بيت في المنطقة.. وسأجزل لكما
العطاء».
كان حديثه مهينا بعض الشىء، ولكن عبد الهادى
نظر لي بمعنى جاريه، فلا مأنع من نفحة إضافية
بالإضافة لثمن غسل الميت، فنحن على كل حال لم
نكن لنفشي أسرار الميت مهما كانت.
إن حرمة الميت والبيوت لدينا مقدسة..
وبعد حوار قصير مع شقيقي عبد الهادى، أشار له
شقيقي أن يغادر، ليتم مهمته. فإكرام الميت دفنه
خرج عبد المنعم وهو يرمق المرآة بكراهية!!
هذه المرآة لن تظل سليمة ليوم آخر.. إنه يعتبرها
الآن عاره الذى دنس ليلة والده..
ولا أعرف لماذ قررنا أنا وشقيقي الصمت وعدم
الحديث عن الظل أو الدوامة التى ظهرت بداخل
المرآة. وانهمكنا في غسل الجثة حسب الشرع.
وبعد عدة دقائق، وقبل أن نلف الجثة في كفنها.

ابتدرتني نوارة قائلة:

- «ألن يعود؟».
نظرت لها ثم هززت رأسي، لأخبرها أن الشيء لن
يعود مجددا، ولكنها أشارت لركن الغرفة وقالت،
- «ألن يعود لداخل المرآة؟».
تجمد الكفن في يدي، وثبتت نظرتي على ذلك
الشيء الذى كان يقف متماوجا في منتصف الغرفة.
تتأرجح حالته بين الطيفية والمادية.
ملامحه لم تكن واضحة، وإن كانت هيئته العملاقة
تبرز مدى ضخامته.. إن طوله لا يقل عن متران
ونصف، ولمحت أنا فى هذه اللحظة هيئته المرعبة
المليئة بالعروق والندبات.
شيء مفزع لا أتمنى أن يكمل تجسده في عالمنا.
لاحظ عبد الهادي وسط انهماكه، توقفي عن
العمل، فرفع رأسه ليحثني عليه، فهو لن يستطع
عقد العقد السبعة بذراع واحدة، عندما رأى هيئة
الشيء المفزعة، فقال في هلع:
«ألن تنتهي هذه الليلة السوداء.. سلام قول من
، ؟
رب رحيم.. سلام قول من رب رحيم».

لا أعرف لماذا اجتاحني ذلك الخوف المريع لدرجة آن
شعر جسدي كله قد انتصب..
ولأن الخوف يدفعنا لارتكاب الحماقات، وجدت نفسي
في اللحظة التالية أقترب منه دون حذر، وأقوم بآخر
فعل ممكن أن يقوم به شخص عاقل يواجه مخلوق

بمثل هذه الهيئة..
مددت يدي لألمس
جسده المتوهج المتذبذب، ثم
سحبتها بسرعة وأنا أصرخ، بعد أن كادت تحترق من
برودة كيانه..
البرد يحرق بالفعل كالنار..
وكان جسده باردا جدا..
طريا جدا..
لزجا جدا..
هل هذا هو السيتوبلازم، الذى يميز مخلوقات
العوالم السفلية؟
كل معلوماتي قاصرة في هذا الشأن برغم قراءاتي
المتنوعة..

نبهته صرختي لوجودي، فاستدار ببطء ليواجهني،
فخفق قلبي في عنف، وأنا أحدق في عيناه الدموية
الوحيدة، التي بدأت تتجسد وتمتليء بعروق
فسفورية بارزة.
منحني نظرة طويلة وكأنه يقيم خطورتي، وفي
هذه اللحظات الرهيبة شعرت بروحي تكاد تخرج
من جسدي من فرط الخوف..
إن في نظراته شيء مريع، شيء يحرض على
الموت..
لقد كادت روحي تزهق بالفعل من هول نظراته
التي لم استطع ان أحيد ببصري عنها.
وحتى هذه اللحظة لم أشعر في حياتي بخوف
مماثل مثل ما حدث لي في تلك اللحظة.

وبعدها تحرك بهدوء ليعبر من جواري، وكأنني
كائن شفاف أو مصنوع من الزجاج، ثم اقترب من
مكان الجثة، فتراجع شقيقي عبد الهادي عدة
خطوات للخلف، وهو يتابع ما يحدث في هلع.
أشرت لنوارة كي تقوم بأي فعل. فاقتربت منه..

وعلى بعد نصف متر من جسده الذي بدا يمتليء
بعروق فسفورية دموية، ظهر على وجهها الألم
الشديد والمعاناة، وبدأت تتلوى بشكل يفطر
القلوب..
كنت أتمنى لو أنني أستطيع لمسها ولكن الأمر
قبل النيزك لم يكن ممكنا، وبعد النيزك أصبح
محرما، ولم ينجها من عذابها إلا ابتعاد الشيء
المخيف عنها، فعادت لتنتصب بصعوبة، وهى
تشير نحوه باضطراب قائلة:
«عليكما أن تهربا، إنه شيء مقيت، وشديد
الخطورة».
نظرت لها بغير فهم، ولم تشرح هي أكثر، بل
اتجهت نحو الحائط واخترقته، لتتركنا وحدنا مع
الجثة، والكائن المتحور، الذي بدأت هيئته الطيفية
تتلاشى، وتتشكل هيئته المفزعة.
وهنا قطع أفكاري شهقة عبد الهادي، فرفعت
رأسي نحو المخلوق المفزع فوجدته يرتقي منضدة
الغسل، ويفرد جسده فوق جثة الميت.. ويغوص
بداخلها..
الشيء الذى جعلنى أشهق. وأكتم صرخة كبيرة
جثة هاشم المنشاوى
في صدري. أن الجثة نفسها
هبت جالسة!!
وبصوت هاشم المنشاوي الذى لا أخطئه قالت:
- «أين أنا؟».
وسقط قلبي في قدمي.
لقد عاد الميت إلى الحياة..
وكانت ردة فعل عبد الهادى غير متوقعة..
أبدا..
#سر الحانوت
#كوالا

سر الحانوتى لعمرو المنوفى(مكتمله)حيث تعيش القصص. اكتشف الآن