البارت الثالث والعشرين.

75 3 0
                                    

هرولا نحو الباب وفتحوه ليجدوها تبكي وبقايا الزجاج متناثرة في أنحاء الغرفة، اقتربت حورية منها ثم عانقتها ببكاء وظلت تتلو آيات القرآن الكريم لعلها تهدأ، تحدثت آمال بجدية ممزوجة بالقلق: فيه ايه مالك، حصل ايه لكل ده؟
هبت جنة واقفة واقتربت ببطء قائلة: أنا ماليش حد هنا، أنا طرف زايد فالنص عندكم، بتشفقوا عليا وخلاص، حتى ابنك عايز يخطبني علشان شفقة ووحيدة بينكم، ثم جلست على الآريكة وهي تحاول مجاهدة عدم البكاء مرة اخرى لقد اتضح عليها القوة منذ البداية، فلن تبكي!
اقترب كريم من مقعدها وجلس أرضًا ثم نظر لها وعيناه ممتلئة بعبرات الحب والحزن قائلًا: أنا عايزك أنتِ يا جنة بكل اللخبطة دي، أرجوكِ اديني فرصة أنا مش ملاك اه، بس محتاج وجودك جمبي.
تنفست الصعداء ثم أغمضت عيناها ببطء وهي في حيرة شديدة؛ لقد أخبرتها حورية من قبل على ما فعله بهم وتلك المصائب التي وقعت عليهم بسبب تسرعه، هي الآن في حيرة ويجب أن تأخذ قرار دقيق.
قاطعت الصمت قائلة: سيبني افكر كام يوم.
اومأ برأسه موافقًا ثم غادر الغرفة ولاحقته والدته وأخته، جلس عادل قائلًا لحورية بثقة: كريم اتغير فمتقلقيش منه، أنا واثق فيه.
لم تجيب ولكنها اكتفت بهز رأسها متفهمة ثم نظرت لصديقتها قائلة بهدوء: ارتاحي يا جنة أنا هظبط كل ده، كله هيبقى بخير متقلقيش.
_ قلقتكم معلش.
كانت صديقتها ستجيب ولكن سابقها عادل قائلًا بمرح: اقلقي ياختي ولا يهمك المهم تبقي بخير ولو عايزة تروحي أنتِ وحورية البيت هناك روحوا لو مش مستريحة هنا.
هزت رأسها باعتراض ثم تحدثت قائلة: لا لا، محتاجة انام بس.
غادر عادل واستعدت حورية لتنظيف الغرفة من بقايا زجاج العطر المنكسر، وبعد الانتهاء من التنظيف غادرت لتتيح الراحة لصديقتها.
لم تجد أحدًا بالخارج غير أميرة فجلست بجانبها ثم قالت: هما راحوا فين؟
_ عادل وكريم مشيوا وماما دخلت تنام، أنتِ قولتي لأخوكِ إنك شوفتِ مؤمن؟
_ لا مقولتش بس هقوله اكيد.
وبعد مرور يومين، استيقظ مؤمن على اتصال هاتفه وكان عادل فأجاب قائلًا: ايه يا عم كل ده نوم ده العصر آذن!
_ نايم متأخر اساسًا، أنت عامل ايه؟
_ أنا تمام، بص بقى خطوبة كريم وجنة بعد يومين ولازم تحضر مش محتاج إني اقولك اكيد.
_ مبارك، وبصراحة مش عارف هعرف احضر ولا لا بس هحاول.
_هتبقى فالبيت اصلًا علشان والدها متوفي وكدا.
_ ايوه كدا أفضل، عقبالك يا عم.
_ وعقبالك أنت كمان، ابقى تعالى اقعد معانا شوية؛ علشان متبقاش لوحدك ونسلي بعض.
_ ماشي، هقوم اصلي واروح مشوار كدا واعدي عليكم فالبيت.
_ تمام، مع السلامة.
انتهت المكالمة ليجد أخته تهاتفه! قرر الرد وهو يشعر بالقلق قليلًا؛ لإنه شعر أن يوجد شيء خفي.
_ عامل ايه؟
_ بخير يا حبيبتي، أنتِ عاملة ايه؟
_ الحمد لله، عايزة اقولك على حاجة.
_ قولي!
_ لما تيجي علشان نتعرف نتكلم كويس، صحيح أنا عايزة اشتري فستان علشان الخطوبة.
_ حاضر، كمان شوية هجيلك تحت البيت تكوني جاهزة ونروح نتطمن على ماما وبعدين لو صحابك فاضيين روحوا اشتروا الفساتين.
_ قبل ما تيجي بشوية اتصل علشان اجهز.
ثم انتهت المكالمة وهي في توتر لم تنجح في إخفاءه حتى دلفت جنة إلى الغرفة قائلة بلطف: ايه مالك؟
_ خايفة من ماما لما ازورها، وحشتني أوي بس معرفش لما تشوفنا هتعمل ايه أو تقول ايه!
اقتربت منها وربتت على كتفها بحنان: لا مفيش حاجة هتحصل ولو حصل افتكري إنها تعبانة نفسيًا وبالتالي هتتقبلي أي حاجة منها.
_ حاضر، أنتِ مستعدة للخطوبة وكدا؟
جلست على الآريكة بتوتر وشردت قليلًا ثم قالت: ممكن اكون مستعدة وممكن لا؛ يعني أنا مرتاحة ليه أوي برغم اللي أنتِ قولتيه، ولما قال لأميرة افكر تاني مترددش وقتها ووافقت على طول وحتى أميرة استغربت من رد فعلي، بس أنا لسه مبحبوش، متقبلة وجوده واكيد هو كدا.
_ فهمت، يعني أنا شعوري ناحية مؤمن مجرد تقبل مش حب؟
_ أنتِ عارفة إنه بيحب غيرك ولسه متقبلة، ومستعدة تفضلي جمبه تخففي عنه وده اسمه تضحية وياريت تفوقي وتتجنبي المشاعر دي.
_ حاضر هحاول.
في مكان آخر وبداخل منزل يمنى كانت تجلس في الشرفة تحتسي القهوة حتى أعلن هاتفها عن مكالمة فوجدته مؤمن! ابتسمت ابتسامة تشي بالكثير ثم أجابت قائلة: كنت متأكدة إنك هتكلمني.
_ طمنيني عليكِ.
_ أنا بخير، تعالى نتقابل.
_ منا بكلمك علشان عايز اشوفك فعلًا، تحضري معايا خطوبة؟
_ خطوبة مين وامتى؟
_خطوبة صاحبي وبعد يومين، ثم أكمل بصوت حنون: منا قولت مينفعش اروح لوحدي.
_ ماشي نروح، يعني مش هنتقابل انهارده!
_ لا مشغول حاليًا.
_ تمام، مع السلامة.
انتهت تلك المكالمة التي تخفي الكثير والكثير وجلس يفكر ماذا سيحدث لاحقًا؟
في مساء ذاك اليوم كان عادل وأخته بداخل مشفى الامراض النفسية، كانا يجلسان بجانب فراشها وهي صامتة لا تتحدث حتى تنحنحت حورية قائلة بحزن: ماما أنتِ حاسة بإيه؟
نظرت لها نظرة خالية من الحياة ولم تجيب؛ فهل بُكاء الروح يُسرد؟ هل إذا تحدثت بكل ما في قلبها مِن آلام وخذلان ستُشفى؟ لا إنها لم تنل سوى نظرة شفقة منهم فلن تتحدث!
تنفس الصعداء وقال بهدوء: ماما احنا بنحبك وجمبك، لو عايزة تحكي أي حاجة احنا سامعين.
لم تجيب أيضًا ولكنها تنهدت تنهيدة تشي بالكثير من الأسرار، ران عليهم صمت مطبق لبعض دقائق فقاطعته هي قائلة: أطلعوا بره!
ثم انفعلت وهي تصيح عاليًا فدلفت الطبيبة وبعض الممرضين للداخل وغادر أبناءها الغرفة وهم في حالة من الحزن الممزوج بغضب وحيرة.
بعد قليل من الوقت خرجت الطبيبة من الداخل ووقفت تدون بعض الملاحظات في دفترها ثم نظرت لهم وهم يراقبون أي كلمة تتفوه من فمها ليطمئن قلبهم على والدتهم.
تحدث بقلق: ايه يا دكتور حالتها عاملة ايه وليه انفعلت كدا؟
_ للأسف أنتم سبب الانفعال ده، ياريت تزوروها لما تهدى وتتعالج شوية لكن غير كدا فهتبقى منفعلة في وجودكم دايمًا.
_ كل ده بسبب ايه!
_ طليقها اللي هو والدكم وأنتم بتفكروها بيه، أنا مشغولة حاليًا ومش هقدر اتكلم معاكم عن حالتها اكتر من كدا، ابقى اتصل بيا في أي وقت وأنا هشرح لحضرتك كل حاجة بالتفصيل.
_ تمام، شكرًا يا دكتور.
_ الشكر لله.
ثم غادرت لتتحدث حورية بقلة صبر: أنا مش فاهمة ايه بيحصل، وهو عمل ايه يخليها تكرهنا بسببه!
_ هنعرف بس نصبر.
بعد مرور يومين وتحديدًا يوم خطبة كريم وجنة، كانا الفتيات استعدا لذاك اليوم بشراء الفساتين، وكانت آمال استعدت له بإعداد الطعام والحلويات، في الساعة السادسة مساءًا دلفت حورية إلى غرفة جنة مرتدية فستان غامق بعض الشيء جعلها أكثر رقة وبالإضافة لحجاب أسود، وكانت جنة ترتدي فستان أسود وحجاب أزرق بينما أميرة فارتدت فستان نبيتي وحجاب أبيض، أضافوا بعض المساحيق التجميلية التي تناسب ما يرتدوه، وقفت حورية بجانب جنة أمام المرآة قائلة بسعادة: فرحانة أوي، ألف مبارك.
نظرت لها بتوتر قائلة: أنا معرفش خايفة ليه، يمكن خدت خطوة غلط وعقلي مش مقتنع بيها؟
كادت الآخرى تتحدث ولكن قاطعها صوت آمال بالخارج تقول: يلا يا بنات العريس وصل.
زفرت جنة بضيق ثم جلست على الفراش وعيناها معلقة بباب الغرفة وكأنها تقول له: لا تنفتح، اجعلني حبيسة.
دلفت أميرة إلى الغرفة بهيئتها المرحة قائلة: جنة يلا كريم وصل، ثم أخفضت صوتها ونظرت لحورية قائلة: ومؤمن جه ومعاه واحدة كدا.
اغرورقت عيناها بالعبرات عندما استمعت لحديثها وجلست على الآريكة وهي تنتفض، قامت جنة من مقعدها واقتربت منها قائلة بحنو: اهدي علشان محدش يلاحظ حاجة وعلشان نفسيتك، هتعيطي في يوم خطوبتي يعني! يلا قومي أنا مش هخرج بره غير بيكِ.
تحدثت أميرة بنبرة معتذرة: أنا آسفة إني قولتلك إنه مش لوحده، بس كنتِ هتخرجي تتصدمي ويحصلك مضاعفات اللي بيحصل دلوقتي وكمان هيبقى قدامهم.
اومأت برأسها موافقة وتنفست الصعداء ثم قامت من مقعدها وهي تحدث ذاتها قائلة: هقدر استحمل واسلم عليهم، أنا هقدر.
ثم استعدوا للخروج، تقدمت جنة ليستقبلها كريم بإبتسامة هادئة وهو يقدم خاتم الخطبة لها قائلًا: ألف مبارك يا حبيبتي، ثم قبل يديها وألبسها الخاتم وهي فعلت نفس الشيء، تقدمت حورية إلى أخيها وقال بمرح: ايه ياختي القمر ده!
ابتسمت له قائلة بهدوء: شوف أميرة كدا هي اللي قمر.
نظر لها بخبث قائلًا: كنت بجاملك اصلًا وبعدين مين جاب سيرة أميرة دلوقتي بين اتنين اخوات!
_ لا عادي.
_ طيب تعالي نسلم على مؤمن واللي معاه.
لم تجيب فلن مفر من تلك الخطوة! اقتربوا منهم فابتسم مؤمن قائلًا: قولت نسيتني يا عم، ثم نظر لحورية التي كانت تتجنب النظر إليه قائلًا: عاملة ايه؟
أجابت قائلة: بخير، ثم أمسك كف يمنى بحنو قائلًا وهو يقدمها لهم: ودي يمنى خطيبتي.
تبادلوا السلام ثم غادروا ليلجأوا إلى الطعام، انتهى الحفل البسيط بسلام ظاهريًا ولكن باطنيًا يوجد الكثير من الحقد والغيرة والصراعات بداخل البعض!
في المساء جلسا الثلاث فتيات في الشرفة وكل منهن شاردة في عالمها الخاص، جنة تفكر بمصيرها مع كريم، وأميرة تتذكر ذاك الذي تحبه ولا تعلم كيف تعترف لذاتها أو لصديقاتها، وحورية تفكر بمؤمن وتصرفه المدهش؛ هل عاد إليها! هل سيأمن لها على قلبه وحياته مرة اخرى! يالله ما تلك المتاهة التي دخلت بها؟
قاطعت الصمت أميرة قائلة بضيق ظاهر: شوفتِ يمنى دي كانت متكبرة ازاي، دول اميرات ديزني مش متكبرين كدا.
ابتسما على تشبيهها الطفولي فقالت بانفعال: بتضحكوا على ايه، بجد اتضايقت منها أوي.
تحدثت جنة بثبات: وحورية تعمل ايه طالما أنتِ اتضايقتِ كدا؟
نظروا لها بحزن فقالت بلا مبالاة: عادي أو أنا بحاول ابقى عادي، يلا نقوم ننام اليوم كان متعب.
قرروا النوم ولكن تلك الصراعات لن تنام حتمًا!
في اليوم التالي استيقظت حورية على اتصال هاتفها فأجابت وهي مغمضة العينين قائلة: ايوه.
_ صباح الخير.
أفتحت عينيها بدهشة؛ ذاك صوته! أجابت بصوت متحشرج: صباح النور، فيه حاجة؟
_ لا مفيش بس اكيد أنتِ مستغربة من امبارح صح؟
_ شوية بس عادي مش عايزة اعرف السبب المهم تبقى مرتاح.
_ لا أنا مش مرتاح خالص، دي خطة وأنا ماشي عليها لإني عايز اوصل لحاجة معينة لكن اكيد أنا مش مغفل كدا.
_ زي ما تشوف، مع السلامة علشان هكمل نوم.
انهت المكالمة وظلت شاردة بعض الوقت حتى أعلن هاتفها عن مكالمة اخرى وكان أخيها، أجابت بمرح: ايه صحي النوم.
_ صحي النوم ياختي، بصي هنروح للدكتور المختصة بحالة ماما انهارده بدل ما اكلمها فالفون علشان نفهم اكتر.
_ ماشي، عادل أنا كنت عايزة احكيلك موضوع كدا لأن أنا عارفة إنك هتفيدني وتبقى حنين عليا.
_ موضوع ايه صحيح احكي بقى مش كل شوية تأجلي!

انتظروا البارت الرابع والعشرين.

مُغفلة عشقتني.Donde viven las historias. Descúbrelo ahora