الفَصلُ الثّالثُ

246 14 3
                                    


مَاروسكَا أمبيِير جولسِر-٥٢- وَالِدةُ كيريُوس جولسِر

برلِين ١٩٤٠


لكُلّ إمرءٍ رجَاء في هذَا العالَم،
و منيَتي هي شَملُ عائلَتي،
قد لا يَبدُو بالأمرِ العَسيرِ، لكنّه لِواقعي، مُحالٌ حُدوثه.
لي فتًى، قُرّة عينِي و مُهجَة قلبِي، نَعمتُ به و زوجِي بعدَ ما دَام سنِينًا طوالًا، ذَا وجهٍ حسنٍ و هالَة كالزّهورِ.

كُنتُ لأحميهِ و أحبِسهُ بينَ أضلاعِي، لكنّي قد آثرتُ تأمّل فتنَة وحيدِي دونَ أن أعيَ إنقلابَ لعنَته علينَا جميعًا.

١٩٤٠، بدَايةُ إندِلاعِ الحربِ العالَميّة الثانية.
هذَا الجحيمُ الذي كانَ بلدُنا سبَبا فيه،
و سَببُ سلبِ ولدَاي منّي،
إبنِي الذي أنجبتُه، و الآخرُ الذي ربّيتُه.
أدعُوا اللهَ أن يحفَظهُما من كُلّ سوءٍ،
فمَا هُما مُعتادَان علَى قسوَة الحياةِ في حضرَتنَا.

كِيريُوس جُولسر، إبنِي الذِي إنتَظرتُه طويلًا، مَن أفنيتُ عمرِي في سبيلِه و شقيقَيه،
و جوليَانوس فلسِر، هو طفلِي الذِي لم ٱنجبهُ، مَن أضافَ لبَيتِنا البَهجَة التّي كانَت لتنقُصنَا، في مثلِ عمرِ كيريُوس و شقيقَتُه التّي تكبُره بثلاثِ سنينَ.
هؤلاءِ الثّلاثةُ هم دواءُ علّتِي و منبَطح بسمَتي.


إلهِي، إحفظهُم لي فلاَ مؤنِس لي سواهُم،
أنصُر ولدَيّ و أعلهُما في هذِه المَعركةِ الداميَة و أعدهُما إلينَا سالمَينِ.


قَبلَ أسَابِيع، طَرقَ إلينَا رجُلانِ فتيّان يسألُونَناهُما، قائلَين أنّ الوَاجبَ الوطنِيّ في الإنتِظارِ،
كانَت وطأةُ تخلّي جوليَانوس عنّي لتكُون أرحَم لقَلبِي مِن فقدِهما تحتَ ركامِ الحرُوب.


ليلَتهَا بكيتُ كثيرًا، عانَقتهمَا إلى صدرِي و إشتمَمتُ ريحَهما علّي أحفظُه، فمَا عسايَ أفعلُ إن كانَ هذَا آخرُ ملتَقًى لي مع فلذَاتِ كبدِي؟
لكنّي لم ٱشفق على حالِي كما عليهِما فكيفَ لهُما تحمّل الأعباءِ و همَا لم يرَيا منّي القسوَة أبدًا؟

طِفلايَ الرقيقَانِ، أنا ٱعلِن كونِي أمّا فاشلَة، لم تقوَى علىٰ حفظِ من عاشَت لهُما،
لكنّي لن أفقِد الأملَ و سأدعُو لكُما حتّى بعدَ مماتِي.

لَم أقوَى علىٰ وداعِهما تلكَ اللّحظةَ، فقط إنسحبتُ بهدوءٍ مناقِض لغلِيلِ قلبِي،
و رُحتُ أبكِي دميّ قلبِي علىٰ فرَاقُ فلذَتيَّ.
لعلّي كنتُ محظُوظةً بكفّ إبنتِي التِي حطّت علىٰ كتفِي تواسِينِي،

حاولتُ إثرهَا إشغالَ نفسِي بالمشاقِ عن ذكرِ ما يُرهقُ كيانِي من لحضَاتٍ عدت علَى ذاكرَتي،
كيفَ كانَ الدفء و الألفةُ يغلّفان أجواءنَا، إنسجامَهما و إرتباطَهما كما التوأم.


لو كان هناكَ شيءٌ قد تأكّدت منهُ، فهوَ حفاظُهما علىٰ بعضٍ من نسمَة هواءٍ عابرة، ٱأمِن أنّ كلاهُما لن يخُونا عهدَ الٱخوّة و يأمنا من شرّ الوساوِس الداميَة.


فما عهدتُ، سوَى العفويّة و الإخلاص، و ما ربّيتهُم، سوَى على الحبّ،
و أثق بذلك كثيرًا.




فما عهدتُ، سوَى العفويّة و الإخلاص، و ما ربّيتهُم، سوَى على الحبّ،و أثق بذلك كثيرًا

Oops! This image does not follow our content guidelines. To continue publishing, please remove it or upload a different image.

كيريُوس جولسِر
٢٣

جُرمْ: قِناعُ الَسّاديةٰWhere stories live. Discover now